بازگشت

السفير السريع الي الكوفة


بـعـد أن تـسـلّم عـبـيداللّه بن زياد رسالة يزيد التي حملها إليه مسلم بن عمرو الباهلي، أمر بـالجـهـاز مـن وقـتـه والمـسير والتهيؤإلي الكوفة من الغد، [1] فلم يبق في البصرة بـعـدهـا إلاّ يـومـاً قـتـل فـيـه سـليـمـان بـن رزيـن (رض) رسول الامام الحسين (ع) إلي أشراف البصرة، وألقي فيه خطاباً علي منبر البصرة أعلن فـيـه لاهـلهـا عـن اسـتـخـلافـه أخـاه عـثـمـان بـن زيـاد عـليـهـا، وهـدّد فـيـه أهـل البـصـرة وحـذّرهـم مـن الخـلاف والارجـاف! وتوعّدهم علي ذلك، وفي غد ذلك اليوم خرج من البصرة إلي الكوفة.


تـقول رواية تأريخية: «وأقبل الي الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك بن الاعور الحـارثـي، [2] وحـشـمـه وأهـل بـيـتـه حـتـي دخـل الكوفة وعليه عمامة سودأ وهو متلثّم..». [3] .


وتـقـول روايـة أخـري: «فـتـعـجـّل ابـن زيـاد المسير إلي الكوفة مع مسلم بن عمرو الباهلي، والمـنـذرُ بـن الجـارود، وشـريـك الحـارثـي، وعـبـداللّه بـن الحـارث بـن نـوفـل، فـي خـمـسـمـائة رجـل انـتخبهم من أهل البصرة، فجدَّ في السير، وكان لايلوي علي أحد يـسـقـط مـن أصـحـابـه، حـتـي أنّ شـريـك بن الاعور سقط أثنأ الطريق، وسقط عبداللّه بن الحـارث رجـأ أن يـتـأخـّر ابـن زيـاد مـن أجلهم، فلم يلتفت ابن زياد إليهم مخافة أن يسبقه الحسين (ع) إلي الكوفة، ولمّا ورد القادسية سقط مولاه مهران.

فقال له ابن زياد: إنْ أمسكتَ علي هذا الحال، فتنظر القصر فلك مائة ألف.

قال: واللّه لا أستطيع.

فـتركه عبيداللّه، ولبس ثياباً يمانية وعمامة سودأ وانحدر وحده، وكلّما مرّ (بالمحارس) ظنّوا أنـّه الحـسـيـن (ع) فـقـالوا: مـرحـبـاً بـابـن رسـول اللّه. وهـو سـاكـت، فدخل الكوفة مما يلي النجف». [4] .

ونـتـابـع القـصـة عـلي روايـة الطـبـري حـيـث يـقـول: «والنـاسُ قـد بـلغـهـم إقـبال الحسين إليهم، فهم ينتظرون قدومه، فظنّوا حين قدم عبيداللّه أنّه الحسين، فأخذ لايمرّ عـلي جـمـاعـة مـن النـاس إلاّ سـلّمـوا عـليـه [5] وقـالوا: مـرحـبـاً بـك يـا ابـن رسـول اللّه! قـدمـت خـيـر مـقـدم. فـرأي مـن تـبـاشـيـرهـم بـالحـسـيـن (ع) مـاسـأه، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا: تأخّروا، هذا الامير عبيداللّه بن زياد!

فـأخـذ ــحـيـن أقـبـل عـلي الظـَهـر، [6] وإنـّمـا مـعـه بـضـعـة عـشـر رجـلاً. فـلمـّا دخل


القصر وعلم الناس أنه عبيداللّه بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد، وغاظ عبيداللّه ما سمع منهم، وقال: الا أري هؤلأ كما أري!». [7] .

إنّ المـتـون التـأريـخـيـة التـي وصـفـت الطـريـقـة التـي دخـل بـهـا ابـن مـرجـانـة الكـوفـة تـكـشـف لنـا أنّ حـالة التـأهـب (بـل الغليان!) والتوتر التي كانت تعيشها الكوفة وهي تنتظر قدوم الامام الحسين (ع) ما كانت تـسـمـح لاي مـبـعـوث أموي أن يدخلها علناً وبسهولة لانّ الامّة منتفضة علي السلطة الاموية أو تـكاد، فكان لابدّ لاي مبعوث أو مسؤول أموي من التخفّي والتنكّر ومخادعة الناس، فيأتي من طـريـق غـيـر الطـريـق التـي يـأتـي منها المسؤولون الرسميّون في العادة، ويتنكّر في زيّ آخر، ويـشـبـّه علي الناس أنه محبوبهم الذي ينتظرون قدومه بكلّ اشتياق، كي يستطيع العبور بسلام والوصـول الي القـصـر، ليـبـاشـر مـنـه التـخـطيط والقيام بالاجراءات اللازمة للقضأ علي انتفاضة الامة في الكوفة أوّلاً ثم القضأ علي محبوب الامة القادم إليها.


پاورقي

[1] راجع: الارشاد: 206.

[2] شريک بن الاعور الحارثي: کان من شيعة عليّ، وکان ساکناً بالبصرة (سفينة البحار، 4: 424الغارات: 281)، وکان من رؤوس الاخماس، وکان علي خمس العالية، وقدم معهم برفقة ابن عبّاس إلي عليّ(ع) تلبية لدعوته لحرب معاوية (وقعة صفين: 117).

کـان اسـم والده الحـارث، ومـن ثـَمَّ يـُطـلق عـلي شـريـک: الحـارثـي. (مـعـجـم رجـال الحـديـث، 9:24). وکـان مـن خـواص أصـحـاب عـليّ(ع)، شـهـد مـعـه الجـمـل وصـفـيـن، وکان قويّ الايمان صلب اليقين، وکان ردأً لجارية بن قدامة في محاربة ابن الحـضـرمـي بالبصرة، ولمعقل بن قيس ‍ الرياحي في محاربة الخوارج بالکوفة وهو في ثلاثة آلاف مقاتل من أهل البصرة.

جـأ مـن البـصـرة مـع ابـن زيـاد إلي الکـوفـة فـمـرض، فـنـزل دار هـانـي أيـّامـاً، ثـم قـال لمـسلم بن عقيل: إنّ عبيداللّه يعودني، وإنّي مطاوله الحديث، فاخرج إليه واقتله...

وعن المحدّث القمي أنه مات قبل شهادة مسلم وهاني، ودفن في الکوفة.

وله حـوار صـاخـب مـع مـعـاويـة، أغـضـبـه فـي الحـوار فـخـرج مـن عـنـده وهـو يقول:



أيشتمني معاوية بن صخرٍ

وسيفي صارم ومعي لساني



فلا تبسط علينا ياابن هندٍ

لسانک أن بلغت ذُري الاماني



وإنْ تَک للشقأ لنا أميراً

فإنّا لا نقرُّ علي الهوانِ



وإنْ تک في أميّة من ذراها

فإنّا من ذُري عبد المُدانِ



(راجـع: سـفـيـنـة البـحـار، 4: 426؛ ومـسـتـدرکـات عـلم الرجال، 4: 209).

اسـتـُعـمـل عـلي اصـطـخـر فـارس فـبـنـي مـسـجـداً عـام 31 ه‍. ق؛ وولي کـرمـان مـن قـبـل عـبيداللّه بن زياد عام 59 ه‍. ق؛ ولبث بعد وصوله الکوفة أيّاماً فمات فصلّي عليه ابن زياد. (تأريخ الطبري،5:364).

[3] الارشـاد: 206؛ وقـال المـزّي فـي تـهـذيـب الکمال، 14: 75 «وبلغ مسيره ـأي الحسين (ع) عبيداللّه بن زياد وهو بالبصرة، فخرج علي بغالهم هو وإثنا عشر رجلاً حتي بلغ الکوفة.

[4] مقتل الحسين (ع) للمقرم: 149 ـ دار الکتاب الاسلامي.

[5] وفـي روايـة (الاخـبـار الطـوال: 232): «فـکـان لايـمـرّ بجماعة إلا ظنّوا أنّه الحسين، فيقومون له ويدعون، ويقولون: مرحباً بابن رسول اللّه، قدمت خير مقدم!».

[6] الظَهر: أي ظهر الکوفة وهو النجف.

[7] تـاريـخ الطـبـري، 3: 281؛ وانظر مقتل الحسين (ع) للخوارزمي، 1: 290؛ والارشاد: 206.