بازگشت

حركة السلطة الاموية المحلية في البصرة


كـان عـبـيـداللّه بـن زيـاد مدّة ولايته علي البصرة قد هيمن علي ظاهر الحياة السياسية والاجتماعية فـيـهـا، لمـا عـُرف عـنـه مـن قـدرة عـلي الغـَشـَم والظـلم والجـور، والتـفـريـق بـيـن القبائل، وخَلْقِ الكراهية بين الوجهأ والاشراف، وما إلي ذلك من فنون المكر في إدارة شؤون الامّة التي تعرف فساد حكّامها وفسقهم، وتنطوي علي كرههم.

لكـنّ بـاطـن الحـيـاة السـيـاسـيـة والاجـتماعية في البصرة آنذاك كان يشهد أمراً آخر وهو النشاط السـرّي للمـعـارضـة الشـيـعية بشكل أساسي، فقد كان للشيعة في الخفأ منتدياتهم الخاصة التي يتداولون فيها الاخبار ووقائع الاحداث ومستجدّات الامور ويتشاورون بصددها فيما بينهم، وكـان ابـن زيـاد عـلي عـلم إجـمـالي بـمـثـل هـذه الحـركـة الخـفـيـة، وكـان يـتـوجـّس مـنـهـا، والدليـل عـلي ذلك لحـن الخـطـاب الاخـيـر الذي ألقـاه فـي البـصـرة قبل سفره منها الي الكوفة.

تـلقـّي ابـن زيـاد رسـالة يـزيـد التـي حملها إليه مسلم بن عمرو الباهلي والتي ولاّه فيها علي الكـوفـة إضافة إلي البصرة، ودعاه فيها الي المبادرة ـحين قرأة الرسالة الي التوجّه الي الكوفة ليطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة حتي يثقفه فيوثقه أو يقتله أو ينفيه.

ومـا إنْ قـرأ ابـن زيـاد الرسـالة حـتـي أمـر بـالجـهـاز والتـهـيء والمـسـيـر الي الكـوفـة مـن الغـد، [1] لكـنّ المفاجأة التي أذهلته قبيل سفره إليها هي معرفته بأنّ الامام (ع) قد ارسـل رسـولاً إلي البـصرة إلي الاشراف ورؤسأ الاخماس فيها يدعوهم فيها إلي تأييده والانـضـمـام إليـه فـي قـيـامـه (وإن كـان المـتـيـقـّن أنّ عـبـيـداللّه بـن زيـاد قـد اطـّلع


بـالفعل علي نسخة رسالة الامام (ع) الي المنذر بن الجارود فقط، لكنّ مما لاريب فيه أنّ خبرة ابـن زيـاد الاداريـة والسـياسية تجعله علي يقين بأنّ المنذر بن الجارود كان واحداً من الاشراف الذين كتب إليهم الامام (ع) ولم يكن الوحيد فيهم).

ولم يـحـدّثـنـا التـأريـخ ــبـل لم نقع علي وثيقة تحدّثنا أنّ ابن زياد قد سعي إلي معرفة الاشـراف الاخـريـن الذيـن كـتب إليهم الامام (ع)، أو سعي إلي مطاردتهم واضطهادهم مثلاً، ولعلّ ذلك بـسـبب ضيق الوقت والعجالة التي كان عليها في عزمه علي السفر الي الكوفة وهي الساحة الا هـمّ والمـضطربة الاحداث آنذاك، أو لانه كان مطمئناً لولأ أكثر هؤلأ الاشراف للحكم الامويّ.

لنعد إلي مجري حركة الاحداث في البصرة قبيل يوم واحد من سفر ابن زياد إلي الكوفة..

وصلت نسخة من رسالة الامام الحسين (ع) إلي اشراف البصرة بيد رسوله سليمان بن رزين إلي المنذر بن الجارود ـالذي كانت ابنته بحرية زوجة لعبيداللّه بن زياد فلم يُخفِ أمر الرسالة كـمـا فـعـل الاخـرون ولم يـحـفـظ الامـان للرسـول، بـل عـزم عـلي الخـيـانـة التـي تـعـوّدهـا مـن قـبـل، فـأقـبل بالرسالة وبالرسول الي عبيداللّه بن زياد، زعماً منه [2] أنه خاف أن يـكـون الكـتاب دسيسة من عبيداللّه نفسه، فصلبه عبيداللّه بن زياد، [3] أو قدّمه فضرب عنقه علي رواية أخري. [4] .

ثـمّ صـعـد عـبـيـداللّه مـنـبـر البـصـرة، وقلبه يرتعد خيفة من استجابة أهلها لندأ الامام (ع)، ويـعـتـصـره القـلق مـن انـتـفـاضـة المـعـارضـة الخـفـيـة وقيامها مع الامام (ع)،


فكان خطابه مليئاً بـالتـهـديـد والوعـيـد، كـاشـفـاً بذلك عن قلقه وخوفه، وعن قوّة المعارضة التي يخشاها، فقد قـال فـي خـطـابـه بـعـد أن حـمد اللّه وأثني عليه: «أمّا بعدُ، فواللّه ما تُقَرنُ بي الصعبة، [5] ولا يـُقـعـقـع لي بالشّنان، [6] وإنّي لَنَكِلٌ [7] لمن عاداني، وسمُّ لمن حاربني، أنصف القارة من راماها. [8] .

يا أهل البصرة، إنَّ أميرالمؤمنين ولاّني الكوفة، وأنا غادٍ إليها الغداة، وقد استخلفتُ عليكم عـثمان بن زياد بن أبي سفيان، [9] وإيّاكم والخلاف والارجاف،


فوالذي لا إله غيره لئن بـلغـني عن رجل منكم خلافٌ لاقتلنّه وعريفه ووليّه، ولاخذنّ الادني بالاقصي حتي تستمعوا لي ولا يـكـون فـيـكـم مـخـالفٌ ولامـشـاق، أنـا ابـن زياد، أشبهته من بين من وطيء الحصي ولم ينتزعني شَبهُ خالٍ ولا ابن عمّ». [10] .

ويـلاحـظ المـتـأمـّل هـنـا أيضاً أنّ عبيداللّه بن مرجانة مع كلّ ما أظهره من استعداد للظلم والغشم والقتل الكاشف عن خوفه وتوجّسه من قدرة المعارضة الخفية علي التحرّك لنصرة الامام الحسين (ع)، كـان قـد افـتـخـر بـانـتـسـابـه المـوهـوم إلي أبـي سـفـيـان حـيـث قـال: «وقـد اسـتـخـلفـتُ عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان»، ومراده من هذا الافتخار تحذير أهـل البـصـرة وتـخـويـفـهم بتذكيرهم أنه وأخوه امتداد لعائلة معروفة بالحيلة والمكر والدهأ وبسابقة طويلة في الممارسة السياسية.


پاورقي

[1] راجع: تأريخ الطبري، 3: 281.

[2] راجع: تأريخ الطبري، 3: 280.

[3] راجع: اللهوف: 114.

[4] راجع: تأريخ الطبري، 3: 280؛ وابصار العين: 27.

[5] الصعبة: الناقة صعبة القياد.

[6] القعقعة: الصوت، کأنه يقول: لا أدع الناس يتکلّمون ببغضي وکراهتي.

[7] نکل: أي معذِّب لمن عاداني، من النکال: أي العذاب والانتقام.

[8] أنـصـف القـارة مـن رامـاهـا: رجـز لرجـل مـن قـبـيـلة (القـارّة)، وکانوا حُذَّقاً في الرماية، فـالتـقي رجل منهم بآخر من غيرهم فقال له القاري: إنْ شئتَ صارعتک، وإنْ شئت سابقتک، وإنْ شئت راميتک. فقال الاخر: قد اخترتُ المراماة.

فقال القاري:



قد أنصف القارة من راماها

إنّا إذا ما فئة نلقاها



نردُّ أولاها علي أُخراها

فرماه بسهم فشک به فؤاده.



فـکـأنّ ابـن زياد أراد أن يدّعي: أنّ بني أميّة حُذَّق في أمور السياسة والمواجهات السياسية، وأنّ من أراد مواجهتهم ـوقد أنصفهم لابدّ أنه سيخسر في المواجهة.

[9] عـثـمـان بـن زيـاد بـن أبيه: أخو عبيداللّه، توفي شاباً وله ثلاث وثلاثون سنة. (راجـع: تاريخ الاسلام للذهبي: حوادث سنة 61 الي 80: ص 5). وقد استخلفه أخوه عبيداللّه علي البصرة حين ذهب الي الکوفة (راجع: البداية والنهاية، 8: 160).

ويبدو أنّه کان أهون من أخيه عبيداللّه بکثير، وکان إدراکه لعواقب الامور فيه بقية من بصيرة حيث قال في محضر أخيه عبيداللّه: «.. ولوددت واللّه أنه ليس من بني زياد رجلٌ إلا وفي أنفه خزامة إلي يوم القيامة وأنّ حسيناً لم يُقتل». (البداية والنهاية، 8: 210).

[10] تـأريـخ الطـبـري، 3: 280؛ وتـذکـرة الخـواص: 218؛ والاخـبـار الطوال: 232.