بازگشت

ملاحظات حول هذه الرسالة


1) ـ هـنـاك مـشـتـركـات نـفـسـيـة أسـاسـيـة بـيـن مـتـن الرسـالة وبـيـن أبـيـات الشـعـر التـي قـال (هشام بن محمّد) إنّ يزيد أرفقها مع الرسالة، وأهم هذه المشتركات هو أنّ كليهما تضمّن الترغيب والترهيب معاً، ومخاطبة الامام (ع) عن طريق ابن عبّاس الذي عبّر عنه يزيد ب‍(قريش) في الشـعر، وهناك مشترك نفسي آخر فيهما وهو أنّ يزيد اجتهد في هذه الرسالة أن يمسك بزمام حنقه وغـضـبـه، وهـو النـاصـبـيّ الفـظّ


الغـليظ الجلف الذي لايتناهي عن منكراته، [1] وهذا التـمـاسـك فـرضـتـه الضـرورة السياسية علي مزاج يزيد الذي تعوّد الاستهتار، ولا يبعد أن تكون هذه الموازنة في الترغيب والترهيب من تأثير وإملأ سرجون المستشار النصراني المعتّق صاحب الخبرة في الحرب النفسية ومعالجة الازمات السياسية منذ عهد معاوية.

2) ـ ونقف في هذه الرسالة مرّة أخري أيضاً أمام نفس النغمة التي يعزفها الحكم الامويُّ بوجه المعارضة، وهي التحذير من شقّ عصا الامّة وتفريق كلمة المسلمين وإرجاعهم إلي الفتنة وما إلي ذلك.

هـذا السـلاح الذي ابـتـكـره مـعـاويـة واسـتـخـدمـه فـي وجه معارضيه بعد أن روّج له في الامّة من خـلال أحـاديـث مفتريات علي رسول اللّه (ص) تدعو الامّة الي الخنوع للحاكم الظالم والصبر عـلي جـوره، وتـدعـو إلي قـتل كلّ من ينهض ‍ للخروج علي الحكّام الجائرين بتهمة شقّ عصا الامّة وتفريق كلمتها.

فـليـس مـن المـسـتـغـرب أن يـخـاطـب يـزيـد ابـن عـبـّاس بـذلك فـيـقـول: «فالقه فاردده عن السعي في الفرقة، ورُدَّ هذه الامّة عن الفتنة!»، وليس بمستغرب أن يـخـاطـب ابـن زيـاد مـسلم بن عقيل قائلاً: «أتيتَ الناسَ وهم جميع فشققتَ بينهم وفرّقتَ كلمتهم وحـمـلت بـعـضـهـم عـلي بـعـض!»، [2] فـمـن قـبـل كـان مـعـاويـة يـدسُ تـلك التـهـم إلي الامـام الحـسـيـن (ع) ويـعـزف نـفـس النـغـمـة مـن خلال تحذيره بألاّ يشقّ عصا هذه الامّة وألاّ يردّها في الفتنة، وكان الامام أبو عبداللّه الحسين (ع) يجيبه قائلاً: «.. فلا أعرف


فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأمّة جـدّي أفـضل من جهادك، فإن فعلته فهو قربة إلي اللّه عزوجلّ، وإن تركته فاستغفر اللّه لذنبي وأسأله توفيقي لارشاد أموري..». [3] .

3) ـ سـعـي يـزيـد في هذه الرسالة الي اتهام الامام (ع) بأنّ غاية خروجه طلب الملك والدنيا، ولذا فـقـد طـلب فـي الرسـالة الي ابـن عـبـّاس أن يـمـنـّي الامـام (ع) ــفـي حال تخلّيه عن القيام بالامان والكرامة الواسعة! وإجرأ ماكان معاوية يجريه علي أخيه (ع)! وأنّ له ما يشأ من الزيادة علي ذلك!

ويـزيـد يعلم تمام العلم أنّ الامام (ع) لم يقم ولم يخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرج لطلب الاصلاح في هذه الامّة المنكوبة بكارثة الحكم الاموي الجاثم علي صدرها سنين طـويـلة، لكـنـّهـا عـادة الطـغـاة فـي مـواجـهـة الثـائريـن وعـادة الضـلال فـي مـواجـهـة الهـدي، فمن قبل سعي أبو سفيان جدُّ يزيد وأعلام جاهلية قريش إلي إتـهـام النـبـي (ص) بتهمة طلب الملك والدنيا، وشرطوا لابي طالب (ع) أن يحققوا له (ص) كلّ مايتمنّاه من ذلك فيهم إذا هو تخلّي عن دعوته، لكنّ النبي (ص) ردّ علي إغرائهم وتهمتهم بقاطعية يخلد ذكرها ما خلد الدهر: «ياعم واللّه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الامر ماتركته حتي يُظهره اللّه أو أهلك فيه ماتركته». [4] .

4) ـ ومـع مـاقـدّمـنـاه مـن ملاحظات حول متن هذه الرسالة، ينبغي أن نلفت الانتباه إلي أنّ الواقدي الذي رويـت عـنـه قـصـة هـذه الرسـالة قـد تـأمـّل عـلمـأ الرجـال فـيـه أو رمـوه بـالكـذب، فـقـد قـال الذهـبـي: «قـال البـخـاري: سـكـتـوا عـنـه، تـركـه أحـمـد وابـن


نـمـيـر، وقـال أسـلم وغـيـره: مـتـروك الحـديـث، وقـال النـسـائي: ليـس بـثـقـة. وقـال الشـافـعـي: كـُتـُب الواقـدي كـذب. وقـال ابـن مـعـيـن: ليـس الواقـدي بـشـيء. وقـال مـرّة: لايـُكـتـب حـديـثـه. وقـال أحـمـد بـن حـنـبـل: الواقـديّ كـذّاب. وقـال إسـحـاق: هـو عـنـدي يـضـع الحـديـث. وقـال النـسـائي: المعروفون بوضع الحديث علي رسـول اللّه أربـعـة.. والواقـدي ببغداد. وقال أبوزرعة: ترك الناس حديث الواقدي. وروي عـبـداللّه بـن عـلي المـديني، عن أبيه قال: عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها، ثمّ قال: لا يُروي عنه وضعّفه». [5] .

هـذا عـنـد رجـاليـّيّ العـامـة، وأمـّا عـنـدنـا فـلم يـتـعـرّضـوا له بـمـدح أو ذم، [6] وإن حـاول المـامـقـانـي جـعـله فـي سـلك الحـسـان، [7] كـمـا تفرّد ابن النديم في نسبته إلي التشيّع.

هـذا فـضـلاً عـن أنّ الروايـة مـرسـلة، لانّ الواقـدي وراوي الرسـالة ولد بـعد المائة والعشرين للهجرة، والرسالة ـعلي الفرض التأريخي تكون قد صدرت عام ستين للهجرة.

والظاهر أنّ أوّل من ذكر أنّ هذه الرسالة كانت موجّهة الي ابن عباس هو ابن عساكر المتوفّي سنة 571 ه‍، [8] وبعده سبط ابن الجوزي المتوفي 654 ه‍، ثمَّ المزّي المتوفي 742ه‍، أمّا الكـتـب التـأريـخـيـة التـي هـي أقدم من هذه الكتب كالفتوح وتأريخ الطبري فهي خالية من هذه الرسـالة، والابـيـات الشـعـريـة التـي أوردهـا سـبـط ابـن الجـوزي فـي ذيـل الرسـالة أو ردهـا صـاحـب الفـتـوح عـلي أنّ المـخـاطـب بـهـا هـم أهـل


المـدينة ـوسيأتي ذكرها مما يثير الشبهة في أنّ هذا الكتاب ـالرسالة ربّما كان من مفتعلات مـرتـزقـة التـأريـخ السـاعـيـن فـي خـدمـة الشـجـرة المـلعـونـة، ظـنـّاً مـنـهـم أنّ ذكـر مـثـل هـذه الرسـالة يـشـكـّل تبريراً لموقف يزيد بأنّه قد بادر وكتب الي ابن عبّاس (بني هاشم) وخاطب الحسين (ع) من خلالهم، وأنّه قد أعذر من أنذر!


پاورقي

[1] يـقـول الذهـبـي فـي يـزيـد: «کـان نـاصـبـيـاً، فـظـاً غـليـظـاً، جـلفـاً، يـتـنـاول المـسـکـر ويـفـعـل المـنـکـر.. وقـال فـيـه النـبـي (ص): لايـزال أمـرُ أمـّتـي قـائمـاً حـتـي يـثـلمـه رجـل مـن بـنـي أمـيـّة يقال له يزيد..» (سير أعلام النبلأ،3:37).

[2] الارشاد: 216؛ وعنه البحار، 44: 357.

[3] الاحتجاج، 2: 21.

[4] السيرة النبوية، 1: 285.

[5] سير أعلام النبلأ، 9: 462.

[6] معجم رجال الحديث، 17: 72.

[7] تنقيح المقال، 3: 166.

[8] معجم المؤلّفين، 7: 69.