بازگشت

من هو عبيدالله بن زياد


كان زياد بن أبيه قبل استلحاق معاوية إيّاه وادعّائه أنه أخوه من أبيه يري نفسه من الموالي، لانـه ولد عـلي فـراش عبيد الرومي، [1] فكان زياد يحنو علي الموالي ويدافع عنهم ويـدرء عنهم الغوائل، كما فعل في ردّ عمر بن الخطاب عن خطّته في الفتك بالموالي والاعاجم التي كتب بها الي أبي موسي الاشعري. [2] .

ولعـلّ هـذا العـامـل النفسي كان أقوي عوامل انتمأ زياد بن أبيه إلي صفّ أميرالمؤمنين عليّ(ع) والعمل تحت لوائه حينذاك.

وكـان مـعـاويـة بـدهـائه وخـبـثـه ومـعـرفـتـه بـنـفـسـيـة زيـاد بـن أبـيـه قـد انـتـبـه الي هـذا العـامـل النـفـسـي المـؤثـّر جـدّاً فـي نـوع انـتـمـأ زيـاد فـكـريـاً وسـيـاسـيـاً، فـبـادر إلي القـول بـتـلك الدعوي المختلقة، دعوي الاستلحاق، ليُطلق زياداً من عقدة انتمائه الي الموالي، ويـنـسبه إلي نسبه (إلي أبيه) أي إلي بيت معروف من بيوتات قريش، وبهذا ضمن معاوية ـبماله من معرفة بزياد تحوّله إلي صفّه وباطله.

وهـكـذا كـان، فـبـعـد أن تـحـوّل زياد إلي باطل معاوية متحرراً من عقدة الموالي بطش بالموالي أشـدّ البـطـش، وكان جلّ الشيعة منهم، وساعده علي ذلك معرفته السابقة بهم وبأشخاصهم ورموزهم وأمكنتهم.


وفـي الرسالة الاحتجاجية الشاملة التي بعثها الامام الحسين (ع) إلي معاوية أشار(ع) إلي هذا البـعـد النـفـسـي مـن ورأ الاسـتـلحـاق إضافة إلي مخالفة هذا الاستلحاق للشريعة المقدّسة، تأمّل في قوله (ع) في هذه الرسالة:

«أولسـتَ المـدّعـي زيـاد بـن سميّة المولود علي فراش عبيد ثقيف!؟ فزعمت أنّه ابن أبيك، وقد قـال رسـول اللّه (ص): «الولد للفـراش وللعـاهـر الحـجـر»، وتـركـت سـُنـّة رسـول اللّه تـعـمـّداً وتـبـعـت هـواك بـغـير هدي من اللّه، ثُمَّ سلّطته علي العراقين، يقطّع أيدي المـسـلمـيـن وأرجـلهـم، ويـسـمـّل أعـيـنـهـم، ويـصـلّبـهـم عـلي جـذوع النخل، كأنّك لست من هذه الامّة وليسوا منك..». [3] .

ولقـد نشأ عبيداللّه بن زياد في ظلّ الاعتزاز بالنسب السفياني، وكان يفخر به، [4] وأجـّج فـيـه وهـم هـذا الانـتـسـاب نـيـران حـقـد شـديـد عـلي أهـل البـيت (ع) خاصة والشيعة عامة، فسجّل له التأريخ ملفاً أسود مليئاً بأبشع الجرائم التي يندي لها جبين التأريخ نفسه!

وروي أنّ عـبـيـداللّه ولد سـنـة 20ه‍، [5] وكـانـت أمّه مرجانة مجوسية معروفة بالبغأ، فـارقـهـا زيـاد وتـزوّج بـهـا شـيـرويه (الاسواري)، [6] ودفع زياد إليها عبيداللّه فـنـشأ في بيت شيرويه (ولم يكن مسلماً) وتربّي في بيته، فكانت فيه لكنة لايستطيع بسببها


أدأ بـعـض الحـروف العـربـيـة كـمـاهـي، فـكان يقول للحروري مثلاً: هروري، فيضحك سامعوه. [7] .

وهـلك أبـوه زيـاد سـنـة 53ه‍، فـوفـد ابـنـه عـبـيـداللّه عـلي مـعـاويـة فـولاه خـراسـان سـنة 54 ه‍، [8] ثمّ ولاه البصرة سنة 55 ه‍، فترك علي خراسان أسلم بن زرعة الكلابي ورجع إلي البـصـرة. [9] ولمـا مـات مـعـاويـة كـان عـبـيـداللّه لم يزل والياً عليها.

ومـع أنّ حـقـد عـبـيـداللّه بـن زيـاد عـلي أهل البيت (ع) كان كافياً في دفعه الي ارتكاب جريمة قـتل الامام الحسين (ع)، لكنّ خوفه من نقمة يزيد عليه وبغضه له، ورغبة عبيداللّه في ترضية يـزيـد والتـودّد إليـه، شـكـّلا دافـعـاً مـضـافـاً فـي العـزم عـلي قتل الامام (ع) وإظهار الاخلاص التام ليزيد. [10] .

وكـان يـزيـد قـد اسـتـخـدم مع عبيداللّه نفس سلاح أبيه معاوية مع زياد في تهديده بسحب هوية النـسـب الامـوي المـكـذوب مـنـه فـيـعـود كـمـا هـو عـبـداً لثـقـيـف، حـيـنـمـا حـثـّه عـلي امتثال أمره في قتل الامام (ع) إذ كتب إليه: «إنه قد بلغني أنّ حسيناً سار إلي الكوفة، وقد ابـتـلي بـه زمـانـك مـن بـيـن الازمـان، وبـلدك بـيـن البـلدان، وابـتـليـت بـه مـن بـيـن العـمـّال، وعـنـده تـُعـتـق أو تـعـود عـبـداً، فـقـتـله عـبـيـداللّه وبـعـث بـرأسـه وثـقـله إلي


يزيد». [11] .

وكـان عـبـيـداللّه قـبـيـح السـريـرة، فـاسـقـاً ظـالمـاً غـشـومـاً جـباناً إذا ضعف، جبّاراً إذا تمكّن، قال الحسن البصري: «قدم علينا عبيداللّه، أمّره معاوية غلاماً سفيهاً، سفك الدمأ سفكاً شديداً.. وكان عبيداللّه جباناً». [12] .

«وكـان الحـسـن البـصـري يـسـمـّيـه الشـابّ المـتـرف الفـاسـق، وقال فيه: مارأينا شراً من ابن زياد!». [13] .

و«جـيء إليـه بـسـيـّد من سادات العراق، فأدناه منه ثمّ ضرب وجهه بقضيب كان في يده حتي كسر أنفه وشقّ حاجبيه، ونثر لحم وجنته، وكسر القضيب علي وجهه ورأسه». [14] .

«وغضب علي رجل تمثّل بآية من القرآن، فأمر أن يُبني عليه ركن من أركان قصره!». [15] .

«وكان يقتل النسأ في مجلسه، ويتشفّي بمشاهدتهن يعذّبن وتقطّع أطرافهن!». [16] .

«عـاش مـكـروهـاً عـنـد أهـل العـراق» [17] و«مـهـيـنـاً عـنـد أهل الحجاز». [18] .


«لمـا مـات يـزيـد أغـري بـعضَ البصريين أن يبايعوه، ثم جبن عن مواجهة الناس فاستتر ثم هـرب الي الشـام.. وكـان عـبـيـداللّه مـن الاكـلة، كـان يـأكـل جـدّيـاً أو عـنـاقـاً يـُتـخـيـّر له فـي كـلّ يـوم فـيـأتـي عـليـه! وأكـل مـرّة عـشـر بـطـّات وزبـيـلاً مـن عـنـب، ثـمّ عـاد فـأكـل عـشـر بـطـّات وزبـيـلاً مـن عـنـب وجدياً!!». [19] .

«قـال التـنـوخـي: إنّ عـبـيـداللّه بـن زيـاد لمـّا بـنـي داره البـيـضـأ بـالبـصـرة بـعـد قـتـل الحـسـيـن صـوّر عـلي بـابـهـا رؤوسـاً مـقـطـّعـة، وصـوّر فـي دهـليـزها أسداً وكبشاً وكلباً، وقال: أسد كالح، وكبش ناطح، وكلب نابح.

فمرّ بالباب أعرابيّ فرأي ذلك فقال: أما إنّ صاحبها لا يسكنها إلاّ ليلة واحدة لا تتم!

فـرفـع الخـبـر إلي ابـن زيـاد، فـأمـر بـالاعـرابـي فـضـُرب وحـُبـس، فـما أمسي حتي قدم رسـول ابن الزبير إلي قيس بن السكون ووجوه أهل البصرة في أخذ البيعة له، ودعا الناس الي طـاعـتـه فـأجـابـوه، وراسـل بـعضهم بعضاً في الوثوب عليه في ليلتهم (أي علي ابن زيـاد)، فـأنـذره قوم كانت له صنائع عندهم، فهرب من داره في ليلته تلك، واستجار بالازد فـأجـاروه، ووقـعـت الحـرب المـشـهـورة بـينهم وبين بني تميم بسببه، حتي أخرجوه فألحقوه بـالشـام، وكـُسـِر الحـبـس ‍ فـخـرج الاعـرابـي، ولم يـعـد ابـن زيـاد الي داره، وقتل في وقعة الخازر». [20] .

ولمـا رأي ابـن زيـاد ــبـعـد فـاجـعـة كـربـلأ أنـه لم يـجـنِ إلا غـضب اللّه وسخط الناس عليه [21] سـعـي إلي التـنـصـّل من مسؤولية قتل الامام (ع)، فكان يدّعي قائلاً: «أمّا


قتلي الحسين فإنّه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي فاخترتُ قتله!». [22] .

ولمـّا جـأ نـعي يزيد هرب عبيداللّه بعد أن كاد يؤسر، واخترق البرية إلي الشام، وانضم إلي مـروان وقـاتـل مـعـه، فـلمـّا ظـفـر مـروان ردّه إلي العـراق، فـلمـّا دخـل أرض العـراق وجـّه المـخـتـار إليـه إبـراهـيـم بـن مالك الاشتر، فالتقوا بقرب الزاب، وقـتـل إبراهيم بن الاشتر عبيداللّه بن زياد بضربة نجلأ قدَّه بها نصفين، وكان ذلك في يوم عاشورأ سنة 67ه‍. [23] .

«وأُنفذ رأس عبيداللّه بن زياد الي المختار ومعه رؤوس قوّاده، فأُلقيت في القصر، فجأت حـيـّة دقيقة فتخلّلت الرؤوس حتي دخلت في فم عبيداللّه بن زياد ثم خرجت من منخره، ودخلت في منخره وخرجت من فيه، فعلت هذا مراراً، أخرج هذا الترمذيّ في جامعه». [24] .

وكانت جثّته قد أحرقت بعد قطع رأسه. [25] .

وهلك هذا الطاغية حين هلك ولم يكن له عقب. [26] .


ومـع أنـنـا نجد في كتاب اللّه الحكيم أنّ اللّه تعالي لعن المفسدين في الارض القاطعين الرحم في قوله تعالي: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطّعوا أرحامكم - أولئك الذيـن لعـنـهـم اللّه فـأصـمّهم وأعمي أبصارهم)، [27] ولانظن أنّ مسلماً عاقلاً عالماً يـشـك فـي أنّ يـزيد وعبيداللّه بن زياد وأضرابهم كانوا المصداق الاتمّ لمفهوم المفسد في الارض والقـاطـع الرحـم، كـيـف لاوقـد قـتـلوا عـامـديـن ريـحـانـة رسـول اللّه (ص) الامـام الحـسـيـن (ع) شـرّ قـتـلة مـع أنـصـاره مـن أهل بيته وأصحابه وسبوا حريم رسول اللّه (ص) علي أفجع حالة، يتصفّح وجوههنّ الاعداء والغربأ من كربلأ الي الشام!؟ وهل هناك عند اللّه وعند المؤمنين رَحِم أعزّ وأولي بالصلة من رحـم رسـول اللّه (ص)!؟ وهـل هـنـاك إفـسـاد مـُتـصـوَّر أكـثـر وأكـبر وأنكر مما اجترحه يزيد وعبيداللّه وأضرابهم!؟

مع كلّ هذا، يقول الذهبي في شدّة ورع وتقوي!!: «الشيعي لايطيب عيشه حتي يلعن هذا ودونه، ونحن نـبـغـضـهـم فـي اللّه!، ونـبـرأ مـنـهـم ولانـلعـنـهـم، وأمـرهـم إلي اللّه!». [28] ونقول: شنشنة أعرفها من أخزمِ!! [29] .


پاورقي

[1] وقيل: هو أبوعبيد عبد بني علاج من ثقيف (نهج الحق وکشف الصدق: 307).

[2] راجع: تفصيل القصة في کتاب سليم بن قيس: 174 ـ 179.

[3] إختيار معرفة الرجال، 1: 252 ـ 259 رقم 99.

[4] فـقـد قـال لاهـل البـصـرة مـثـلاً: «.. وقـد اسـتخلفت عليکم عثمان بن زياد بن أبي سفيان» (تاريخ الطبري، 3: 281).

[5] راجع: تأريخ الطبري، 3: 246.

[6] الاسـاورة: قـوم مـن العـجم بالبصرة نزلوها قديماً... والاسوار والاسوار. الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم المقاتل.. (راجع: لسان العرب، 4:388).

[7] راجـع: سـيـر أعـلام النـبـلأ، 3: 545؛ والعقد الفريد، 2: 477؛ والملحمة الحسينية، 3:140.

[8] راجع: تأريخ الطبري، 3: 242 و246.

[9] نفس المصدر.

[10] ولعـلّ بـغـض يزيد لعبيداللّه (کما في تذکرة الخواص: 218) أو عتبه عليه (کما في تاريخ الطبري، 3: 280) کان نتيجة لبغض ‍ يزيد لزياد أبي عبيداللّه بسبب ماکان يراه زياد من عدم لياقة يزيد للخلافة بسبب افتضاح فسقه وفجوره، وکان زياد يُثني معاوية عن الاقدام علي أخذ البيعة بولاية العهد ليزيد ويحذّره من عواقب ذلک.

[11] العقد الفريد، 4: 382.

[12] راجع: سير أعلام النبلأ، 3: 549.

[13] أنساب الاشراف، 5: 83.

[14] مروج الذهب، 2: 44؛ ولعلّ ذلک السيّد الوجيه هو هاني بن عروة (رض).

[15] المحاسن والمساوي ء، 2: 165.

[16] بلاغات النسأ: 134؛ وأنساب الاشراف، 5: 289.

[17] الامامة والسياسة 2: 16.

[18] الاغاني، 18: 272.

[19] أنساب الاشراف، 5: 86.

[20] راجع: الفرج بعد الشدّة، 2: 101.

[21] زار ابـن زيـاد عـبـداللّه بـن مـغـفـل الصـحـابـي فـي مـرضـه، وقـال له: أتـعـهـد إليـنـا شيئاً قال: لا تصلِّ عليَّ ولا تقم علي قبري. (سير أعلام النبلأ 3: 549)، وقـالت له أمـّه مـرجـانـة: يـاخـبـيـث، قـتـلت ابـن بـنـت رسول اللّه (ص)!؟ لا تري الجنة أبداً (الکامل في التأريخ 3: 8).

وقـال أخـوه عـثـمان وهو يسمع: لوددتُ أنه ليس من بني زياد رجلٌ إلا وفي أنفه خزامة الي يوم القـيـامـة وأنَّ حـسـيـنـاً لم يـُقـتـل. (تـاريـخ الطـبـري 3: 342، والکامل في التأريخ 2: 582).

[22] الکامل في التأريخ، 2: 612.

[23] راجع: المعارف: 347؛ وسير أعلام النبلأ، 3: 549.

[24] الکامل في التأريخ، 3: 8؛ وقد أخرجه الترمذي في المناقب من سننه، 5: 660 رقم 3780 وقال: حسن صحيح. کما أورده الذهبي في سير أعلام النبلأ، 3: 549 وصححه.

[25] الکامل في التأريخ، 3: 8.

[26] راجع: المعارف: 347.

[27] سورة محمد(ص): الاية 22 و 23.

[28] سير أعلام النبلأ، 3: 549.

[29] عـجـز بـيـت شـعـر قـديـم، مـضـي مـثـلاً للقـضـيـة المـعـروف أصل سببها.