بازگشت

سر التراخي في موقف النعمان بن بشير


للنـعـمـان بـن بـشـيـر بـن سـعـد الخـزرجـي ولابـيـه بـشـيـر تـأريـخ أسـود طويل في نصرة حركة النفاق بعد وفاة رسول اللّه (ص)، فإنّ أباه بشير بن سعد الخزرجي لحـسـده سـعـد بـن عـبـادة عـلي مـوقـعـه المـرموق في الخزرج خاصة والانصار عامة، ولبغضه لاهـل البيت (ع)، كان أوَّل من بادر إلي مبايعة أبي بكر في السقيفة، وظلّ موالياً لحزب السلطة ومـعـاديـاً لاهـل بـيـت النبوّة (ع)، وابنه النعمان «كان قد ولاه معاوية الكوفة بعد عبدالرحمن بن الحـكـم، [1] وكـان عـثـمـانـيّ الهـوي، يـجـاهـر بـبـغـض عـليّ(ع)


ويـسـيء القـول فـيـه، وقـد حـاربـه يوم الجمل وصفين، وسعي بإخلاص لتوطيد الحكم لمعاوية، وهو الذي قـاد بـعـض الحـمـلات الارهـابـيـة عـلي بـعـض المـنـاطـق العـراقـيـة، ويـقـول المـحـقـّقـون: إنـّه كـان نـاقـمـاً عـلي يـزيـد، ويـتـمـنـّي زوال المـلك عـنـه شـريـطـة أن لا تـعـود الخـلافـة إلي آل عليّ(ع)..». [2] .

ويـُروي أنّ سـبـب نـقـمـة النـعـمـان عـلي يـزيد هو أنّ يزيد كان يبغض الانصار بغضاً شديداً، ويـُغـري الشـعـرأ بهجائهم، الامر الذي أثار حفيظة النعمان بن بشير فطلب من معاوية قطع لسـان الشـاعـر الاخطل النصراني الذي هجاهم، وأجابه معاوية إلي ذلك، لكنّ يزيد أجار الاخـطـل عـنـد أبـيـه، فـعـفـا مـعـاويـة عـن الاخـطـل بـدعـوي أنـه «لا سـبـيـل إلي ذمـّة أبـي خـالد ـ يـعـنـي يـزيـد»، وكـُبـت بـذلك النـعـمـان، فـلم يزل ناقماً علي يزيد. [3] .

ويروي التأريخ أنّ عمرة بنت النعمان بن بشير كانت زوجة المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي نـزل عـنـده مـسـلم بـن عقيل (ع)، ويري بعض المتتبعين أنّ هذه الصلة أيضاً كانت سبباً في تراخي موقف النعمان من الثوار، إضافة إلي السبب الاهم وهو نقمته علي يزيد. [4] .

ولعـلّ بـإمـكـانـنـا هـنا أن نضيف سبباً آخر إلي أسباب تراخي موقف النعمان من الثوار، وهو أنّ النـعـمـان وإن كـان أنـصـاريـاً إلاّ أنـه كان أحد أفراد حركة النفاق، عُرف عنه أنه عثمانيّ الهـوي، متفانٍ في حبّ بني أميّة، ومتبّنٍ لسياسة معاوية في قيادة


حركة النفاق تبنياً تاماً، وكان من مـعـالم هذه السياسة أنّ معاوية كان يتحاشي المواجهة العلنية مع الامام الحسين (ع)، وأنّ معاوية لو اضطرّ إلي مواجهة علنية أي إلي قتالٍ ضدّ الامام الحسين (ع)، وظفر بالامام (ع) لعفا عنه، وليـس ذلك حـباً للامام (ع) وإنّما لانّ معاوية ـوهو من دهاة السياسة النكرأ والشيطنة يعلم أنّ إراقـة دم الامـام (ع) عـلنـاً وهـو بـتـلك القـدسـيـة البـالغـة فـي قـلوب الامـّة كـفـيـل بـأن يـفـصـل الامـويـّة عن الاسلام ويذهب بجهود حركة النفاق عامة والحزب الاموي خاصة أدراج الريـاح، خـصـوصـاً الجـهـود التـي بـذلهـا مـعـاويـة فـي مـزج الامـويـة بـالاسـلام فـي عـقـل الامـّة وعاطفتها مزجاً لم يعد أكثر هذه الامّة بعدها يعرف إلا (الاسلام الاموي)، حتّي صار من غـيـر الممكن بعد ذلك الفصل بين الاسلام والاموية إلا إذا أريق ذلك الدم المقدّس ـدم الامام (ع) علي مذبح القيام ضد الحكم الاموي. [5] .

ولقـد صـرّح مـعـاويـة بذلك حتي للامام الحسين (ع) نفسه قائلاً: «..ولكنني قد ظننتُ ياابن أخي أنّ في رأسك نزوة، وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك، وأتجاوز عن ذلك، ولكنني واللّه أتخوّف أن تُبلي بمن لاينظرك فواق ناقة». [6] .

وقـال فـي وصـيـتـه لابـنـه يـزيـد بـصـدد الامـام الحـسـيـن (ع): «..ولن يـتـركـه أهـل العـراق حـتـي يخرجوه، فإنْ خرج وظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسّة وحقاً عظيماً وقرابة من محمّد». [7] .


وكـان النـعـمـان بـن بـشـير مؤمناً بصحة نظر معاوية في هذا الصدد، وقد أراد أن يذكّر يزيد نـفـسـه بـذلك، حـيـنـمـا اسـتـدعـاه يـزيـد الي القـصـر بـعـد مـقـتـل الامـام (ع) وبـعد نصب الرأس المقدّس بدمشق، فلمّا جأه سأله يزيد قائلاً: كيف رأيت ما فعل عبيداللّه بن زياد؟

قال النعمان: الحرب دُوَل.

فقال يزيد: الحمد للّه الذي قتله!

قال النعمان: قد كان أميرالمؤمنين ـيعني به معاوية يكره قتله. [8] .

ولا شـك أن مـعـاويـة ـكما قلنا من قبل يكره قتل الامام (ع) في مواجهة علنية، أمّا في مواجهة سريّة فـمـا أكـثـر مـن قـتـلهـم مـعـاويـة بـالسّم أو الاغتيال، ومنهم الامام الحسن المجتبي (ع)، فمعاوية لايتورّع قيد أنملة في المبادرة الي قتل الامام الحسين (ع) في مواجهة سرية بسمّ أو اغتيالاً مادعته الضرورة إلي ذلك.

مـن كـلّ مـا تـقدّم نرجّح أنّ موقف النعمان بن بشير من الثوّار ومن بوادر الثورة إنّما اتسم ظاهراً بـالليـن والتسامح لانه كان يري ـإيماناً بنظرة معاوية أنّ المواجهة العلنيّة مع الامام الحسين (ع) ليست في صالح الحكم الاموي.

فلم يكن النعمان ضعيفاً، بل كان يتضعّف مكراً وحيلة، معوّلاً علي الاسلوب السرّي والخدعة الخفية للقـضـأ عـلي الثـورة والتـخـلّص مـن مـسـلم بـن عـقـيـل (ع)، بل حتي من الامام الحسين (ع).

فـالنـعـمـان لم يـكـن «حـليـمـاً نـاسكاً يحبّ العافية!» كما صوّرته رواية الطبري، أو «يحب العـافـيـة ويـغـتـنـم السـلامـة!» كـمـا صـوّرتـه روايـة الديـنـوري، بـل كـان شـيـطـاناً يحذو


حذو معاوية كبيرهم الذي علّمهم الشيطنة في رسم الخطط الماكرة، لكنّه أخـطـأ هـذه المـرّة فـي حـسـابـاته، تماماً كما صوّرت ذلك التقارير المرفوعة إلي يزيد من عـمـلأ وجـواسـيـس الحـكـم الامـويّ في الكوفة، لانّ الزمن آنذاك كان يجري في صالح النهضة الحـسـيـنـيـة، وكان لابدّ من المسارعة الي عزل النعمان والاتيان بوالٍ غشوم كعبيد اللّه بن زياد، يـبـادر إلي اتـخـاذ الاجـراءات اللازمـة التـي تـقـلب مـسـار حـركـة الاحـداث فـي العاجل لصالح الحكم الاموي، وهكذا كان.

ونـحـن ــمـع هـذا لانـنفي احتمال أن يكون لسخط النعمان علي يزيد، ولوجود صلة المصاهرة بينه وبـيـن المـختار تأثير علي موقفه من الثوار، لكننا نرجّح أنّ السبب الذي بيّناه كان هو السبب الاهم.


پاورقي

[1] هـرب هو وأخوه (يحيي) يوم الجمل بعد أن شججوا بالجراحات، فأجارهم عصمة بن أبير حولاً. (راجع: تاريخ الطبري، 3: 56).

[2] حياة الامام الحسين بن علي (ع)، 2: 349.

[3] راجع: حياة الامام الحسين بن علي (ع)، 2: 188 ـ 190.

[4] راجع: نفس المصدر، 2: 349.

[5] وقـد کـشـف النـعـمـان عـن مـعـرفـتـه بـمـوقـف مـعـاويـة مـن قتل الامام الحسين (ع) في محاورته مع يزيد (کما في رواية الصفحة التالية).

[6] شرح نهج البلاغة، 18: 409.

[7] الکامل في التأريخ، 2: 523.

[8] راجع: مقتل الحسين (ع) للخوارزمي، 2: 59 ـ 60.