بازگشت

حركة السلطة الاموية في الايام المكية من عمر النهضة الحسينية


وصـل الامـام الحسين (ع) إلي مكّة المكرّمة بعد أن استطاع (ع) النفاذ من حصار خطة (البيعة أو القتل) في المدينة المنورة، تلك الخطّة التي أرادها يزيد، وتمنّاها وسعي إلي تنفيذها مروان بن الحكم، لكنّ الوليد بن عتبة والي المدينة آنذاك تردّد في تنفيذها وتمني النجاة من تبعاتها.

وبـذلك كـان الامـام الحـسـين (ع) بدخوله مكّة المكرّمة قد اخترق المرحلة الاولي من الحصار العام الذي بادرت السلطة الاموية إلي فرضه عليه.

ولقـد انـتـاب السـلطـة الامـوية خوف شديد، واعتراها اضطراب لا تماسك معه، وقلق لا استقرار فـيـه، حـيـنما علمت بدخول الامام (ع) مكّة المكرّمة في الايّام التي تتقاطر إليها جموع المعتمرين والحجّاج من جميع أقطار العالم الاسلامي آنذاك.

فـهرعت هذه السلطة علي جميع مستوياتها إلي اتخاذ التدابير اللازمة لمواصلة فرض الحصار عـلي حـركـة الامـام (ع) مـن جديد، ولمنع انفلات الامور في الولايات المهمّة عامة وفي الكوفة منها خاصة.

فما إن رُفعت الي يزيد تقارير جواسيسه في الكوفة عن ضعف موقف واليها النعمان بن بشير فـي مـواجـهـة التـحـوّلات النـاشـئة عـن تـواجـد مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) فـيـهـا، حـتـي اجـتمع يزيد مع مستشار القصر الامويّ سرجون النصراني ليتلقي منه


تعليماته في كيفية معالجة مستجدّات الامور قبل انفلاتها وفقدان السيطرة عليها.

وينتهي الاجتماع باتخاذ قرارات خطيرة شملت عزل بعض الولاة ونشر سلطة بعض آخر، وتوجيه رسـائل إلي بـعـض ‍ وجـهـأ الامـة تـدعـوهـم إلي التـدخـل ومـمـارسـة الضـغـط عـلي الامام (ع) وبـذل قـصـاري سـعـيـهـم لاخـراج السـلطـة الامـويـّة مـن مـأزقـهـا الكـبـيـر، ورسـائل أخـري أيـضـاً تـضـمـّنـت تـهـديـداً وإنـذاراً لاهل المدينة عامة وبني هاشم خاصة، تحذّرهم من مغبّة الالتحاق بالامام (ع) والانضمام الي حركته. ومـن قـرارات هـذا الاجـتـمـاع أيـضـاً أن خـطـّطـت حـركـة النـفـاق الحـاكـمـة أن تـغـتـال الامـام (ع) فـي مـكـّة، وقـد بـعـثـت جـمـعـاً مـن جـلاوزتـهـا بـالفـعل الي مكّة لتنفيذ هذه المهمّة، إذا لم تُوفّق هذه الزمرة الغادرة بمساعدة السلطة المحلّية فـي مـكـّة فـي مـحـاولة لالقاء القبض علي الامام (ع) وإرساله الي دمشق، هذا علي صعيد قرارات السلطة المركزية في الشام.

ولم يـقـلّ حـال السـلطـات المـحـلّيـة فـي المـديـنـة ومـكـّة والكـوفـة والبـصرة في خوفها وقلقها واضـطـرابـهـا عن حال السلطة المركزية في الشام، ففي مكّة يجتهد واليها في متابعة الصغيرة والكـبـيـرة مـن حـركـات الامـام (ع)، ويـطـلب مـنـه البـقـأ فـي مـكـة ويـبـذل له الامـان والصـلة ويـتـعـهـّد له بـذلك، ثمّ حيث يُصرّ الامام (ع) علي الخروج نري هذا الوالي يـبـعث بقوة عسكرية لمنع الامام (ع) من ذلك، ثمّ يكفّ عن منع الامام (ع) خشية من تفاقم الامر وانقلابه عليهم.

وفـي البـصـرة نـري ابـن مـرجـانة يبادر الي تهديد أهلها ويحذّرهم من مغبّة التمرّد والاستجابة لنـدأ الامـام (ع) والانـضـمـام إلي حـركـتـه، كـمـا يـبـادر ابـن مـرجـانـة قـبـيـل تـركـه البـصـرة الي قـتـل سـليـمـان بـن رزيـن (ره) رسول الامام (ع) إلي أشراف البصرة ورؤسأ الاخماس فيها، ثم يبادر مسرعاً لايثنيه شيء فـي سـفـره الي الكـوفـة ليـسـتـبـق الزمـن والاحـداث فـي الوصـول إليها، وليدير دفّة الامور هناك في أصعب


أيّامه والكوفة تكاد تسقط حينها في يد سفير الامام (ع) مسلم بن عقيل رضوان اللّه تعالي عليه.

نـشـر ابـن مـرجـانـة فـي الكـوفـة جـوّاً رهـيـبـاً مـن الرعـب والخـوف وحـبـس الانـفـاس مـن خـلال أعـمـال مـنـوّعـة بـادر إليـهـا، مـنـهـا خـطـب وبـيـانـات التـهـديـد والوعـيـد بـالتـعـذيـب والتنكيل، ومنها حملة واسعة من ممارسات القمع والاعتقالات، ومنها محاولات اختراق صفوف الثوّار بـواسـطـة جـواسـيـس ذوي خبرة وفنّ من اجل الوصول الي مكان ومخبأ قيادة الثورة في الكوفة، ومـنـهـا سـلسـلة مـن الاعـدامـات كـان مـن أبـرز ضـحـايـاهـا نـخـبـة مـن سـفـرأ النـهضة الحسينية، مـثـل مـسـلم بن عقيل (ع)، وقيس بن مسهر الصيداوي (رض)، وعبداللّه بن يقطر(رض)، ومن أبرز ضحاياها أيضاً الوجيه الكوفي الصحابي الشيعي المبرز هاني بن عروة المرادي (رض).

هـذا اسـتعراض مجمل لاهم معالم تحرّك السلطة الاموية في مواجهة حركة الاحداث الناشئة عن قيام الامام الحسين (ع) في الايام المكيّة من عمر نهضته المباركة.

وفـي المـتـابـعـة التـأريخية لتفاصيل حركة السلطة الاموية في مواجهة قيام الامام الحسين (ع) يحسن بنا علي ضوء التسلسل التأريخي أن نقرأ حركة الاحداث في إطار الترتيب التالي:

1ـ حركة السلطة الاموية المحلّية في الكوفة.

2ـ حركة السلطة الاموية المركزية في الشام.

3ـ حركة السلطة الاموية المحلّية في البصرة.

4ـ حركة السلطة الامويّة المحلّية الجديدة في الكوفة.

5ـ حركة السلطة الامويّة المحلّية في مكّة.