بازگشت

لماذا حمل الامام النساء و الاطفال معه؟


فـي السـحـر الذي أرتـحـل فـيه الامام الحسين (ع) خارجاً عن مكّة الي العراق كان أخوه محمد بن الحـنـفـيـة (رض) قـد هـرع إليـه، حـتـي إذا أتـاه أخـذ زمـام نـاقـتـه التـي ركـبـهـا «فقال له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك!؟

قال (ع): بلي!

قال: فما حداك علي الخروج عاجلاً؟

فـقـال (ع): أتـانـي رسـول اللّه (ص) بـعـدمـا فـارقـتـك فقال: يا حسين، أخرج فإنّ اللّه شأ أن يراك قتيلا!

فـقـال له ابـن الحـنـفـيـة: إنـّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معني حملك هؤلأ النسأ معك وأنت تخرج علي مثل هذه الحال!؟

فقال له (ع): قد قال لي: إنّ الله قد شأ أن يراهنّ سبايا!

وسلّم عليه ومضي». [1] .

وفي إحدي محاوراته (ع) مع ابن عباس (رض):


قـال له ابـن عـبـّاس: «جـُعـلتُ فـداك يـا حسين، إن كان لابدّ من المسير إلي الكوفة فلا تَسِر بأهلك ونسائك، فوالله إنّي لخائف أن تُقتل...

فـقـال (ع): يـا ابـن العمّ، إني رأيت رسول الله (ص) في منامي وقد أمرني بأمرٍ لا أقدر علي خـلافـه، وإنـه أمـرنـي بـأخـذهـم مـعـي، إنـهـنّ ودائع رسول الله (ص)، ولا آمن عليهنّ أحداً، وهنّ أيضاً لايفارقنني...». [2] .

وفي محاورته (ع) مع أمّ سلمة (رض) في المدينة:

كان (ع) قد قال لها: «يا أمّاه، قد شأ الله عزّ وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شـأ أن يـري حـرمـي ورهـطـي ونـسـائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولامعيناً». [3] .

لقد علّل الامام (ع) حمله لاهله ونسائه معه ـ في محاوراته مع ثلاثة من أشدّ الناس إخلاصاً له ـ بـأنّ ذلك تـحـقـيـق لمـشـيـئة الله سـبـحـانـه، وامـتـثـال لامـر رسـول الله (ص)، وأنـه (ع) يـخـاف أن تـتـعـرض ودائع رسـول الله (ص) للاذي والمـكـروه مـن بـعـده إذا فـارقـنـه و بـقين في المدينة أو في مكّة! كما علّل ذلك بإصرارهن علي الخروج معه! [4] .


فـكـيـف نـفـهـم مـلامـح الحكمة في هذه المشيئة الالهية وهذا الامر النبوي وفي مخافة الامام (ع) علي ودائع النبوّة وفي إصرارهن علي الخروج معه!؟

ماذا سيجري علي عقائل بيت الرسالة لو بقين خلاف الامام (ع) في المدينة أو في مكّة مثلاً؟

يـري الشـيـخ المـرحـوم عـبـدالواحـد المـظـفـّر فـي كـتـابـه: (توضيح الغامض من أسرار السنن والفـرائض) أنّ: «الحـسـيـن (ع) لو أبـقي النسأ في المدينة لوضعت السلطة الاموية عليها الحجر، لا بل اعتقلتها علناً وزجّتها في ظلمات السجون، ولابدّ له حينئذٍ من أحد أمرين خطيرين، كلّ منهما يشلّ أعضأ نهضته المقدّسة!

إمـّا الاسـتـسـلام لاعـدائه وإعـطـأ صـفـقته لهم طائعاً ليستنقذ العائلة المصونة، وهذا خلاف الاصـلاح الذي يـُنـشـده وفـرض ‍ علي نفسه القيام به مهما كلّفه الامر من الاخطار، أو يمضي في سـبـيـل إحـيـأ دعـوتـه ويـتـرك المـخـدّرات اللواتـي ضـرب عـليـهـنّ الوحـي سـتـراً من العظمة والاجلال، وهذا ما لاتطيق إحتماله نفس الحسين الغيور.

ولايـردع أمـيـّة رادع مـن الحيأ، ولايزجرها زاجرٌ من الاسلام، إنّ أميّة لايهمّها اقتراف الشائن في بـلوغ مـقـاصـدها وإدراك غاياتها، فتتوصل إلي غرضها ولو بارتكاب أقبح المنكرات الدينية والعقلية!

ألم يطرق سمعك سجن الامويين لزوجة عمرو بن الحمق الخزاعي، وزوجة عبيدالله بن الحرّ الجعفي، وأخيراً زوجة الكُميت الاسدي؟». [5] .


وهـذا الاحـتمال الذي نظر إليه الشيخ المظفّر(ره) وارد بقوّة، لانّ السلطة الامويّة كانت تريد مـنـع الامـام (ع) مـن القـيـام والخـروج الي العـراق بـكـلّ وسـيـلة، حـتـي وإن كـانـت هـذه الوسـيلة اعـتـقـال الودائع النـبوية من نسأ وأطفال يعزُّ علي الامام الحسين (ع) تعرّضهم للاذي والاهانة والسجن، فيضطّر الي التحرّك لانقاذهم، الامر الذي يشلّ حركة النهضة أو يقضي عليها!

وإمـكـان إقـدام السـلطـة الامـويـة عـلي مـثـل هـذه الفـعـلة لايـحـتـاج إلي أدنـي تـأمـّل، لقـد كـان ضـغـط السـلطـة الامـويـة عـلي المـنـاهـضـيـن لهـا وإحـراجـهـا إيـاهـم مـن خـلال إيـذأ عـوائلهـم وإرهـابـها وسجنها سنّة من سنن الحكم الاموي، وإضافة الي الا مثلة التي قـدّمها الشيخ المظفّر(ره)، فإنّ ما قامت به السلطة الاموية في واقعة الحرّة من انتهاك حرمات الاعـراض ‍ واسـتـبـاحـتـهـا، بـل ما فعلته السلطة الاموية بالودائع النبوية نفسها في السبي بعد استشهاد الامام (ع) دليل علي سهولة مثل هذه الجسارة العظيمة عند طغاة بني أميّة، وبهذا قد يتجلّي لنا هنا بعد من أبعاد الحكمة في الامر النبوي بحملهن!

وهـذا المـحـذور ـ حـدث تـعـرّض الودائع النـبـويـة للاذي والسـجـن ـ سـوأ وقـع قـبـل خـروج الامـام (ع) (مـن المـديـنـة أو مـكـّة)، أو بـعـد خـروجـه (وقبل استشهاده)، سيكون حدثاً خارجاً عن مسار حركة أحداث النهضة وأجنبياً عنها، وذا أثر مضادّ لمـتـّجـه آثـارهـا، بـخـلاف مـا إذا وقـع هذا الحدث في إطار حركة أحداث هذه النهضة وفي مسارها المرسوم، إذ إنه يكون حينذاك امتداداً لها، وتبليغاً بحقائقها، وتحقيقاً لغاياتها.


فـكـان لابدّ للامام (ع) من حمل هذه الودائع العزيزة ونسائه معه كيلا يعوّق العدوّ من خلالها علي مسار النهضة المقدّسة.

ومـع تـفـويـت الامـام (ع) الفـرصـة عـلي أعـدائه بـذلك ـ والحـمـد لله الذي جـعـل أعـدأ أهـل البـيـت (ع) مـن الحـمـقـي ـ كـان الامـام (ع) عـالمـاً مـنـذ البـدء بـضـرورة حمل هذه الودائع النبوية معه تحقيقاً (لمسيرة التبليغ الكبري) ـ بعد استشهاده ـ بدواعي النهضة الحـسـيـنـيـة، وبـأهـدافـهـا، وبـمـظـلومـيـة أهـل البـيـت (ع) وأحـقيتهم بالخلافة، وبحقيقة كفر آل أميّة ونفاقهم وعدائهم للاسلام الحقّ وأهله.

كان الامام (ع) عالماً منذ البدء بضرورة هذه المسيرة الاعلامية التبليغية الكبري من بعده، والتي يـنـهـض بـأعـبـائهـا بـقـيـّة الله الامـام السـجـّاد(ع) وودائع النـبـوة فـي أيـّام السـبـي والتـرحـيـل مـن بـلد إلي بـلد، إذ لولا هـذه المـسـيـرة الاعـلامـيّة التبليغية لما كان يمكن للثورة الحـسـيـنـيـة أن تحقّق كامل أهدافها في عصرها وفي مابعده من العصور إلي قيام الساعة، ولعلّ هاهنا مكمن السرّ في «إنّ الله قد شأ أن يراهنّ سبايا»، وفي الامر النبوي بحملهنّ.

إذن فـحـمـل الامـام (ع) لودائع النـبـوّة مـعه ضرورة من ضرورات نجاح الثورة الحسينية، وكان لابـدّ للامـام (ع) أن يـقـوم بـذلك حـتـي ولو لم يـكـن هـنـاك احـتـمـال لتعرّض هذه الودائع النبوية للاذي والسجن إذا بقين خلاف الامام (ع) في المدينة أو مكّة! فما بالك واحتمال سجنهنّ وارد بقوّة؟

والمـتـأمـل في تفاصيل ماجري علي بقيّة الركب الحسيني بعد استشهاد الامام (ع) حتي عودتهم الي المـديـنـة المـنـوّرة يـشـاهـد بـوضـوح الاثـر العـظـيـم المـتـرتـب عـلي العـمـل الاعـلامـي والتـبـليـغـي الكبير الذي قام بأعبائه أعلام بقية الركب الحسيني،


ويؤمن أنّ الثـورة الحـسينية لم تكن لتصل إلي تمام غاياتها لولم تكن تلك الودائع النبوية في الركب الحسيني. [6] .


أمّا قوله (ع): «وهنّ أيضاً لايفارقنني!» الحاكي عن إصرارهنّ علي السفر معه وملازمته في رحلة الفتح بالشهادة، فيمكن أن يُفسّر بأنّ الودائع النبوية (خصوصاً بنات أمير المومنين (ع) وعـلي رأسـهـن زيـنـب الكـبري (س» كنّ قد أصررن علي ملازمة الامام (ع) في نهضته لانهنّ ـ إضـافـة الي البـُعـد العـاطـفـي والتـعـلّق الروحي بالامام (ع) ـ كنّ يعلمن بأهمية الدور الاعلامي والتـبـليـغي الذي بإمكانهن القيام به في مسار النهضة خصوصاً بعد استشهاد الامام (ع)، إذ من المـحـتـمـل جـدّاً أنّ [7] الامـام (ع) كـان قـد أطـلعـهـنّ عـلي تـفـاصـيـل مـا يـجـري عـليـه وعـلي مـن مـعـه، وكشف لهنّ عن أهميّة الدور الذي يمكنهنّ أن يضطلعن بـأعـبـائه من بعده، وإن كان من الثابت عندنا أنّ العقيلة زينب (س) كانت تعلم كلّ ذلك بالعلم اللدنـّي مـوهـبـة من الله تبارك وتعالي، فقد وصفها الامام السجّاد(ع) ذات مرّة بأنها: «عالمة غـيـر مـعـلّمـة وفـهـمـة غير مفهّمة!»، [8] ولقد كشفت هي (س) عن علمها حتي بما يجري


علي جـثـمـان أخـيـهـا(ع) الي قيام الساعة حينما رأت الامام السجّاد(ع) يجود بنفسه حزناً وهو ينظر الي مـصـارع شـهـدأ الطـفّ، فـقـالت: «مـالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فوالله إنّ هذا لعهدٌ من الله إلي جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس ‍ لاتعرفهم فراعنة هـذه الارض، وهـم مـعـروفـون فـي أهـل السـمـوات أنـهـم يجمعون هذه الا عضأ المقطّعة والجسوم المـضـرّجـة، فـيـوارونـهـا ويـنـصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهدأ، لايُدرس أثره ولايـمـحـي رسـمـه عـلي كـرور الليـالي والايـام، وليـجـتـهـدنّ أئمـة الكـفـر وأشـيـاع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ علوّاً!». [9] .



پاورقي

[1] اللهوف: 128.

[2] مدينة المعاجز، 3: 454.

[3] بحار الانوار، 44: 331.

[4] بـعـدمـا أنـهـي الامـام (ع) قـوله لابـن عـبـّاس (رض): «... وإنـهـن ودائع رسـول الله (ص) ولا آمـن عـليـهـن أحـداً وهـنّ ايـضـاً لايفارقنني.» سمع ابن عبّاس بکأً من ورائه وقـائلة تـقـول: «يـا ابـن عـبّاس، أتشير علي شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا و يمضي وحده!؟ وهـل أبـقـي الزمـان لنـا غـيـره!؟ لا والله بـل نـحيي معه ونموت معه!». (راجع: مدينة المعاجز، 3:454).

[5] حـيـاة الامام الحسين بن علي (ع)، 2:300؛ وروي أطلق من سجن الحجاج ثلثمائة الف ما بـيـن رجـل وامرأة - ومات في حبسه خمسون الف رجل وثلاثون الف إمرأة، منهن ستة عشر ألفا مجردات، عاريات، (حياة الحيوان 1: 96 و 241). وأنّ أمّ خالد (الاحمسية) حبست بأمر من يوسف بـن عـمـر ـ حـاکـم العـراق ـ ثـمّ أيـام ثـورة زيـد ـ ثـم أمـر بـهـا فـقـطـعـت يـداها. (انظر: معجم رجال الحديث،4:109).

[6] يـقـول المـرحـوم المـحـقـّق الکـبـيـر السـيـّد المـقـرّم: «ان الکـلمـة النـاضـجـة فـي وجه حـمـل الحـسـيـن عـيـاله الي العـراق مـع عـلمـه بـمـا يـقـدم عـليـه ومـن مـعـه عـلي القتل هو أ نه (ع) لمّا علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعاً لو لم يتعقبها لسان ذرب وجنان ثابت يـعـرِّفان الامة ضلال ابن ميسون وطغيان ابن مرجانة باعتدائهما علي الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنکر ودحض ما ابتدعوه في الشريعة المقدسة.

کـمـا عـرف «أبـيّ الضـيـم» خـوف رجـال الديـن مـن التـظـاهر بالانکار وخضوع الکلّ للسلطة الغـاشـمـة ورسـوف الکـثـيـر مـنـهـم بـقـيـود الجـور بـحـيـث لايـمـکـن لاکـبـر رجل الاعلان بفظاعة اعمالهما، وما جري علي ابن عفيف الازدي يؤکد هذه الدعوي المدعومة بالوجدان الصحيح.

وعـرف سـيـد الشـهـدأ مـن حرائر الرسالة الصبر علي المکاره وملاقاة الخطوب والدواهي بقلوب أرسـي مـن الجـبـال، فـلا يـفـوتـهـن تـعـريـف المـلا المـغـمـور بـالتـرهـات والاضاليل نتائج اعمال هؤلأ المضلين وما يقصدونه من هدم الدين، وان الشهدأ ارادوا بنهضتهم مع امامهم قتيل الحنيفية إحيأ شريعة جده (ص).

والعـقائل من آل الرسول وان استعرت اکبادهن بنار المصاب وتفاقم الخطب عليهن وأ شجاهن الاسي لکنهن علي جانب عظيم من الاخذ بالثأر والدفاع عن قدس الدين.

وفـيـهـن «العـقـيـلة» ابـنـة أمـيـر المـؤمـنـيـن (س) التـي لم يـرعـهـا الاسـر وذل المـنـفـي وفـقـد الا عـزأ وشـمـاتـة العـدو وعـويـل الايـامـي وصـراخ الاطـفـال وأ نـيـن المـريـض، فـکـانـت تـلقـي خـواطـرهـا بـيـن تـلک المـحـتـشـدات الرهـيـبـة أو فـقـل بـيـن المخلب والناب غير متلعثمة، وتقذفها کالصواعق علي مجتمع خصومها فوقفت أ مام ابن مـرجـانـة ذلک الالدّ، وهـي امـرأة عزلأ ليس معها من حماتها حمي ولامن رجالها ولي، غير الامام الذي أنـهـکـتـه العـلّة ونـسـوة مـکـتـنـفـة بـهـا، بـيـن شـاکـيـة وبـاکـيـة، وطفل کظّه العطش، إلي اخري أقلقها الوجل، وأ مامها رأس علّة الکائنات ورؤوس صحبه وذويه، وقـد تـرکـت تـلک الا شـلأ المـقطّعة في البيدأ تصهرها الشمس، والواحدة من هذه تهد القوي وتبلبل الفکر.

لکـن «ابـنـة حـيـدرة» کـانـت علي جانب عظيم من الثبات والطمأنينة، فأفرغت عن لسان أبيها بـکـلام أنـفـذ مـن السـهـم، وألقـمت ابن مرجانة حجراً إذ قالت له: «هؤلأ قوم کتب الله عليهم القـتل فبرزوا الي مضاجعهم، وسيجمع الله بينک وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج ثکلتک أ مّک يا ابن مرجانة».

وأوضـحـت للمـلا المـتـغـافـل خـبـثـه ولؤمه وأ نه لن يرحض عنه عارها وشنارها، کما انها أدهشت العـقـول وحـيـّرت الفـکـر فـي خـطـبـتـها بکناسة الکوفة والناس يومئذ حياري يبکون لايدورن ما يـصـنـعـون «وأنَّي يـرحـض عـنـهـم العـار بـقـتـلهـم سـليـل النـبـوة ومـعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة، وقد خاب السعي وتبّت الايدي، وخسرت الصفقة، وبأوا بغضب من الله وخزي في الاخرة، ولعذاب الله أکبر لو کانوا يعلمون»

وبـعـد أن فـرغـت مـن خـطـابـهـا انـدفـعـت فـاطـمـة ابـنـة الحـسـيـن بـالقـول الجـزل مـع ثـبـات جـأش وهدوء بال، فکان خطابها کوخز السنان في القلوب، ولم يتمالک الناس دون أن ارتفعت اصواتهم بالبکأ، وعرفوا عظيم الجناية والشقأ فقالوا لها: حسبک يا ابنة الطاهرين فقد احرقت قلوبنا وانضجعت نحورنا!

ومـا سـکتت حتي ابتدرت أ م کلثوم زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) فعرّفت الحاضرين عظيم ما اقترفوه، فولول الجمع وکثر الصراخ ولم يُرَد إذ ذاک أکثر باک وباکية.

فـهـل يا تري يمکنک الجزم بأن أحداً يستطيع في ذلک الموقف الرهيب الذي تحفّه سيوف الجور أن يـتـکـلم بـکـلمـة واحـدة مـهـمـا بـلغ مـن المـنـعـة فـي عـشـيـرتـه؟ وهل يقدر احد أن يعلن بموبقات ابن هند وابن مرجانة غير بنات أمير المؤمنين (ع)؟... کلا.

إن علي الالسن أوکية، والايدي مغلولة، والقلوب مشفقة!

علي أ نّ هذا إنما يقبح ويستهجن اذا لم يترتب عليه إلا فوائد دنيوية مثارها رغبات النفس الامارة، وأ مـّا إذا تـرتـّبـت عـليـه فـوائد ديـنـيـة أهـمـهـا تـنـزيـه ديـن الرسول عما ألصقوه بساحته من الباطل فلا قبح فيه عقلاً ولا يستهجنه العرف، ويساعد عليه الشرع.

والمـرأة وإن وضـع الله عـنـهـا الجـهـاد ومـکـافحة الاعدأ، وأ مرها سبحانه وتعالي أن تقرّ في بـيـتـهـا، فـذاک فـيـمـا إذا قـام بـتـلک المـکـافـحـة غـيـرهـا مـن الرجـال، وأ مـّا إذا تـوقـف إقـامة الحق عليها فقط بحيث لولا قيامها لدرست أ سس الشريعة وذهبت تـضـحـيـة اولئک الصـفـوة دونه أدراج التمويهات کان الواجب عليها القيام به. ولذلک نهضت سيدة نسأ العالمين «الزهرأ» عليها السلام للدفاع عن خلافة الله الکبري حين أ خذ العهد علي سـيـد الاوصيأ بالقعود، فخطبت في مسجد النبي (ص) الخطبة البليغة في محتشد من المهاجرين والانصار.

عـلي أ نّ الحـسـيـن (ع) کان علي علم بأخبار جدّه الامين بأن القوم وان بلغوا الغاية وتناهوا في الخـروج عـن سـبيل الحمية لايمدّون الي النسأ يد السوء، کما أنبأ عنه سلام الله عليه بقوله لهـنّ سـاعـة الوداع الاخيرة: «إلبسوا أ زرکم واستعدّوا للبلأ واعلموا أ نّ الله حاميکم وحافظکم وسـيـنـجـيـکـم مـن شـر الاعـدأ ويـجـعـل عـاقـبة أ مرکم الي خير، ويعذّب أعاديکم بأنواع العذاب ويعوّضکم عن هذه البليّة بأنواع النعم والکرامة! فلا تشکوا ولا تقولوا بألسنتکم ما ينقص من قدرکم»، (مقتل الحسين (ع): 115 ـ 118).

[7] بـل کـان الامام أميرالمؤمنين عليّ(ع) قد أطلع زينب (س) علي جميع ما يجري عليها (راجع: کتاب زينب الکبري: 36).

[8] الاحتجاج، 2: 31.

[9] کامل الزيارات: 259، باب 88 فضل کربلأ وزيارة الحسين (ع).