بازگشت

تمام الحق في القول


وأقول: لاشك في دقّة جلّ المضامين التي طرحها الشيخ التستري أعلي اللّه مقامه، خصوصاً في الالفـات إلي أنّ للامـام (ع) تـكـليـفـيـن أحـدهـمـا ظـاهـري وآخـر واقـعـي هـمـا فـي طـول بـعـضـهـمـا ولا تـنـافـي بـيـنـهـمـا، وقـد أجـاد(ره) فـي تفصيل هذه الا لتفاتة التي هي من جديد ما قدّمه الشيخ التستري في وقته، لكنّ لنا تحفّظاً علي قـوله (ره): «مـع أنـه لو لم يـرجـع إليـهـم ــأي إلي أهـل الكـوفـة فإلي أين يتوجّه وقد ضاقت عليه الارض بما رحبت...» ذلك لانّ هناك أكثر من روايـة تـأريـخـيـة تفيد أنه كان بإمكانه (ع) أن يتوجّه إلي اليمن مثلاً ومناطق أخري غيرها، فهذا محمّد بن


الحنفيه يقول له:

«تخرج إلي مكة، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك، وإن تكن الاخري خرجت إلي بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدّك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً وأوسع الناس بلاداً، فإن اطـمـأنـت بـك الدار وإلا بـالرمـال وشـعـوب الجـبـال، وجـزت من بلد الي بلد، حتي تنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم اللّه بيننا وبين القوم الفاسقين» [1] .

وهذا الطرمّاح يقول له:

«فـإن أردت أن تـنـزل بـلداً يـمنعك اللّه به حتي تري من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فـسـر حـتـي أنـزلك مـنـاع جـبـلنـا الذي يـُدعـي (أجـأ)، فـأسـيـر مـعـك حتي أُنزلك (القُرَيّة»). [2] .

وفي نصّ آخر:

«فـإن كـنـت مـجـمـعـاً عـلي الحـرب فـانـزل (أجـأ) فـإنـه جبل منيع، واللّه ما نالنا فيه ذلٌ قطّ، وعشيرتي يرون جميعاً نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم». [3] .

إذن فـالحـقّ فـي هـذه النـقطة ليس كما ذهب إليه الشيخ التستري (ره) في أنه (ع) لم يكن له ملجأ يتوجّه إليه من مكّة إلا الكوفة.

ولعـلّ الصـواب فـي هـذه المـسـألة إضـافـة إلي مـا تفضّل به العلامة المجلسي (ره) والشيخ التستري (ره) هو: أنّ الامام (ع) أراد أن (ينجو) من أن يـُقـتـل فـي المـديـنـة أو


في مكّة خاصة، قتلة يُقضي بها علي ثورته في مهدها، وتهتك بها حرمة البيت:

«يـاأخـي، قـد خـفـت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البـيـت.»، [4] حيث يتمكّن الامويون في كلّ ذلك أن يدّعوا أنهم بريئون مما جري علي الامـام (ع) سـوأ فـي المـدينة أو في مكّة أو في الطريق، فيحافظوا بذلك علي الاطار الديني لحـكـمـهـم، أو أن تـزداد المـصـيبة سوءً حين يطالبون هم بدم الامام (ع)، فيقتلون من أمروه هم بـقـتـله! أو يـتـّهـمـون بريئاً ليقتلوه! فيخدعون الناس بادعائهم أنهم أصحاب دمه الاخذون بـثأره، فيزداد الناس ‍ انخداعاً بهم ومحبّة لهم وتصديقاً بما يستظهرون من التدين والالتزام، فـتـكـون المـصـيـبـة عـلي الاسـلام والامـة الاسـلامـيـة أدهـي وأمـرّ!!... فـحـيـث إن لم يـبـايـع يـقـتـل، فـقـد سـعـي (ع) ألاّ يـقـتل في ظروف زمانية ومكانية وبكيفية يختارها ويخطط لها ويعدّها العدوّ، وسعي (ع) بمنطق الشهيد الفاتح أن يتحقّق مصرعه الذي لابدّ منه علي أرض يختارها هـو، ولا يـستطيع العدوّ فيها أن يعتّم علي مصرعه، فتختنق الاهداف المرجوّة من ورأ هذا المصرع الذي سـيـهزّ الاعماق في وجدان الامة ويحرّكها بالاتجاه الذي أراده الحسين (ع)، كما سعي (ع) أن تـجـري وقـائع المـأسـاة فـي وضـح النـار لا فـي ظـلمـة الليـل ليـري جـريـان وقـائعـهـا أكـبـر عـدد مـن الشـهـود، فلا يتمكّن العدوّ من أن يعتّم علي هذه الوقـائع الفـجـيـعـة ويـغـطـّي عـليـهـا، ولعـل هـذا هـو الهـدف المـنـشـود مـن ورأ العـامـل الاعـلامـي والتـبـليـغـي فـي طـلب الامـام (ع) عـصـر تـاسـوعـأ أن يـمـهلوه إلي صبيحة عاشورأ!» [5] فتأمّل!



پاورقي

[1] الفتوح 5: 22.

[2] تاريخ الطبري 3: 308.

[3] مثير الاحزان: 39 ـ 40.

[4] اللهوف: 27.

[5] راجع الجزء الاوّل من هذا الکتاب: مقالة بين يدي الشهيد الفاتح: 156.