بازگشت

تعليل الشيخ جعفر التستري


وللشيخ التستري كلام عميق في تفسير سرّ إصدار الامام الحسين (ع) علي مغادرة مكّة أيّام الحجّ والخروج الي العراق، يقول (ره):

«كان للحسين (ع) تكليفان واقعي وظاهري:

أمـّا الواقـعـيّ الذي دعـاه للاقدام علي الموت، وتعريض عياله للاسر وأطفاله للذبح مع علمه بـذلك، فـالوجـه فـيه أنّ عتاة بني أميّة قد اعتقدوا أنهم علي الحق وأنّ علياً وأولاده وشيعتهم عـلي البـاطـل [1] حـتـي جـعـلوا سـبـّه مـن أجـزأ صـلاة الجـمـعـة، وبـلغ الحـال بـبـعـضـهـم أنّه نسي اللعن في خطبة الجمعة فذكره وهو في السفر فقضاه! وبنوا مسجداً سمّوه «مسجد الذكر»، فلو بايع الحسين (ع) يزيد وسلّم الامر إليه لم يبق من الحقّ أثر، فإنّ كـثـيـراً مـن النـاس يـعـتـقـد بـأنّ المـحـالفـة لبـنـي أمـيـّة دليـل اسـتـصـواب رأيـهـم وحـسـن سيرتهم، وأمّا بعد محاربة الحسين (ع) لهم وتعريض نفسه المـقـدّسـة وعـيـاله وأطـفـاله للفـوادح التـي جـرت عـليـهـم فـقـد تـبـيـن


لاهل زمانه والاجيال المتعاقبة أحقيّته بالامر وضلال من بغي عليه.

وأمـّا التـكـليـف الظـاهري فلانه (ع) سعي في حفظ نفسه وعياله بكلّ وجه فلم يتيسّر له، وقد ضـيـّقـوا عـليـه الاقطار حتي كتب يزيد إلي عامله علي المدينة أن يقتله فيها، فخرج منها خائفاً يـتـرقـّب، فلاذ بحرم اللّه الذي هو أمن الخائف وكهف المستجير، فجدّوا في إلقأ القبض عليه أو قـتـله غـيـلة ولو وجـد مـتـعـلّقـاً بـأسـتـار الكـعـبـة، فـالتـزم بـأن يـجـعـل إحـرامـه عـمرة مفردة وترك التمتع بالحجّ، فتوجّه إلي الكوفة لانهم كاتبوه وبايعوه وأكـّدوا المـصـيـر إليـهـم لانـقـاذهـم مـن شـرور الامويين، فألزمه التكليف بحسب الظاهر الي مـوافـقتهم إتماماً للحجّة عليهم لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنّهم لجأوا إليه واستغاثوا به مـن ظـلم الجـائريـن فـاتـهـمـهـم بالشقاق ولم يُغثهم، مع أنه لو لم يرجع إليهم فإلي أين يتوجّه وقد ضاقت عليه الارض بما رحبت، وهو معني قوله لابن الحنفية: لو دخلتُ في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتي يقتلوني!» [2] .


پاورقي

[1] الامـر ليـس کـمـا ذهـب إليـه الشـيـخ التـسـتـري (ره)، بل بنو أميّة عرفوا الحقّ وأنّ أهله محمد وآله (ص)، ولکنهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، حسداً لاهـل البـيـت (ع) لمـا فـضـّلهـم اللّه بـه عـلي النـاس أجـمعين، فأصرّوا علي الصدّ عن الحق بکل ما أوتوا من حيلة وقوّة.

[2] الخصائص الحسينية: 83.