بازگشت

تعليقة العلامة المجلسي


قـال العلامة المجلسي في بحار الانوار: «قد مضي في كتاب الامامة وكتاب الفتن أخبار كثيرة دالّة عـلي أنّ كـلاّ مـنـهـم (ع) كـان مأمورا بأمور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة عـلي الرسـول (ص) فـهـم كانوا يعملون بها. ولاينبغي قياس الاحكام المتعلّقة بهم علي أحكامنا، وبـعد الاطّلاع علي أحوال الانبيأ(ع)، وانّ كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادي علي ألوف من الكفرة،..... ويـدعـونـهـم الي ديـنـهـم، ولايـبـالون بـمـايـنـالهـم مـن المـكـاره والضـرب والحـبـس والقتل والا لقاء في النار وغير ذلك. لايـنـبـغـي الاعـتـراض عـلي أئمـّة الديـن فـي أمـثال ذلك، مع أنه مع ثبوت عصمتهم بالبراهين والنـصـوص المـتـواتـرة لا مـجـال للاعـتـراض عـليـهـم، بل يجب التسليم لهم في كلّ ما يصدر عنهم.

عـلي أنـّك لو تـأمـلت حـقّ التـأمـّل عـلمـت أنـه (ع) فـدي نـفـسـه المـقـدسـّة ديـن جـده، ولم يـتـزلزل أركان دولة بني أميّة إلاّ بعد شهادته، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلاّ عند فـوزه بـسـعـادتـه. ولوكـان (ع) يـسـالمهم ويوادعهم كان يقوي سلطانهم، ويشتبه علي الناس أمـرهـم، فـتـعـود بـعـد حـين أعلام الدين طامسة، وآثار الهداية مندرسة، مع أنه قد ظهر لك من الاخـبـار السـابـقـة أنـه (ع) هـرب مـن المـديـنـة


خـوفـا مـن القـتل الي مكّة، وكذا خرج من مكّة بعدما غلب علي ظنّة أنهم يريدون غيلته وقتله، حتّي لم يتيسّر له ـفداه نفسي وأبي وأمي وولدي أن يتمّ حجّه،فتحلّل وخرج منها خائفاً يترقّب، وقد كانوا لعنهم اللّه ضيّقوا عليه جميع الاقطار، ولم يتركوا له موضعاً للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم، وولاّه أمـر المـوسم، وأمّره علي الحاجّ كلهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين (ع) سرّاً، وإن لم يـتـمـكـّن منه يقتله غيلة، ثمّ إنه دسَّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أميّة، وأمـرهـم بـقـتـل الحـسـيـن (ع) عـلي أي حـال اتفق، فلمّا علم الحسين (ع) بذلك حلّ من إحرام الحجّ وجعلها عمرة مفردة. [1] .

وقـد روي بـأسـانـيـد أنـّه لمـّا مـنـعـه (ع) مـحـمـد بـن الحـنـفـيـة عـن الخـروج الي الكـوفـة قال:

واللّه ياأخي لو كنت في حُجر هامة من هوامّ الارض لاستخرجوني منه حتي يقتلوني! [2] .

بـل الظـاهر أنّه صلوات اللّه عليه لو كان يسالمهم ويبايعهم لايتركونه لشدّة عداوتهم وكثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكلّ حيلة، ويدفعونه بكلّ وسيلة، وإنّما كانوا يعرضون البيعة عـليـه أوّلاً لعـلمـهـم بأنّه لا يوافقهم في ذلك، ألا تري إلي مروان لعنه اللّه كيف كان يشير علي والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه، وكان عبيداللّه بن زياد عليه لعائن اللّه إلي يـوم التـنـادِ يـقـول: إعـرضـوا عـليـه فلينزل علي أمرنا ثمّ نري فيه رأينا، ألا تري كيف أمّنوا مسلماً ثم قتلوه!!


فـأمـّا مـعـاويـة لعـنـه اللّه فـإنـه مـع شـدّة عـداوتـه وبـغـضـه لاهـل البـيـت (ع) كـان ذا دهـأ ونـكـرأ وحـزم، وكان يعلم أنّ قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهـاب مـلكـه وخـروج النـاس عـليـه، فـكـان يـداريـهـم ظـاهـراً عـلي أيـّ حـال، ولذا صـالحـه الحـسـن (ع) ولم يتعرّض له الحسين، ولذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرّض للحسين (ع) لانه كان يعلم أنّ ذلك يصير سبباً لذهاب دولته...» [3] .


پاورقي

[1] سـيـأتـي في ص 93، أنّ الدليل التأريخي والفقهي يُثبت أنه (ع) أحرم منذ البدء لعمرة مفردة لا لعمرة التمتع.

[2] انظر تاريخ الطبري 3: 296 و 300.

[3] بحار الانوار 45: 98 ـ 100.