بازگشت

من هو قيس بن مسهر الصيداوي؟


لم نـعـثـر عـلي تـرجـمة وافية لهذا البطل الفذّ رغم التتبع والاستقصأ! فجميع من ترجموا له اكتفوا بأنه حمل كتاباً من أهل الكوفة إلي الامام الحسين (ع)، وأنه رجع مع مسلم إلي الكوفة، ثـمّ إنـّه حـمـل كـتـابـاً مـن مـسـلم إلي الامـام (ع) فـي الطـريـق إلي الكـوفـة، ثـم إنـه حـمـل كـتـابـاً مـن الامـام (ع) إلي أهـل الكـوفـة، وتـعـرّض أثـنـأ الطـريـق إليـهـا إلي الاعتقال في القادسية، ثمّ كان منه ذلك الموقف الصلب الذي عبّر عن شجاعته وولائه وعظمته.

إنـّه: «قيس بن مُسَهَّر بن خالد بن جندب... الاسديّ الصيداوي، وصيدا بطن من أسد. كان قيس رجـلاً شـريـفـاً فـي بـنـي الصـيـدا شـجـاعـاً مـخـلصـاً فـي مـحـبـّة أهل البيت (ع).

قـال أبـو مـخـنـف: اجـتـمـعـت الشـيـعـة بـعـد مـوت مـعـاويـة فـي مـنـزل سـليـمـان بـن صـرد الخـزاعـي، فكتبوا للحسين بن علي (ع) كتباً يدعونه فيها للبيعة، وسـرّحـوهـا إليـه مـع عـبـداللّه بـن سـبـع وعـبـداللّه بـن وال، ثـم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع قيس بن مسهّر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبداللّه الارحبي، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد


بن عبداللّه وهاني بن هاني...

فـدعـا الحـسـيـن (ع) مـسـلم بـن عـقـيـل وأرسـله إلي الكـوفـة، وأرسـل مـعـه قـيس بن مسهّر وعبدالرحمن الارحبي، فلما وصلوا إلي المضيق من بطن خبت كما قدّمنا جـار دليلاهم فضلّوا وعطشوا، ثم سقطوا علي الارض، فبعث مسلم قيساً بكتاب إلي الحسين (ع) يـخبره بما كان، فلمّا وصل قيس إلي الحسين بالكتاب أعاد الجواب لمسلم مع قيس ‍ وسار معه إلي الكوفة [1] قال: ولمّا رأي مسلم اجتماع الناس علي البيعة في الكوفة للحسين كتب إلي الحسين (ع) بذلك، وسرّح الكتاب مع قيس وأصحبه عابس الشاكري وشوذباً مولاهم، فأتوه إلي مكّة ولازموه، ثمّ جأوا معه.

قـال أبـو مـخنف: ثمّ إنّ الحسين لما وصل إلي الحاجر من بطن الرمّة كتب كتاباً إلي مسلم وإلي الشـيـعـة بـالكـوفـة وبـعـثـه مـع قـيـس، فـقـبـض عـليـه الحـصـيـن بـن تـمـيـم، وكان ذلك بعد قـتـل مـسـلم، وكان عبيداللّه نظّم الخيل ما بين خفّان إلي القادسيّة وإلي القطقطانة [2] والي لعلع [3] وجعل عليها الحصين، وكانت صورة الكتاب:

«مـن الحـسـين بن علي إلي إخوانه من المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم. فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلاّ هـو. أمـّا بـعـدُ: فـإنّ كتاب مسلم جأني يخبرني


فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم علي نصرنا والطلب بحقّنا، فسألت اللّه أن يحسن لنا الصنع، وأن يثيبكم علي ذلك أحسن الاجـر، وقـد شخصتُ إليكم من مكّة يوم الثلاثأ لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قـدم رسـولي عليكم فانكمشوا في أمركم وجدّوا، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شأ اللّه، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته».

قـال: فـلمـّا قـبـض الحـصـيـن عـلي قـيـس بـعـث به إلي عبيداللّه، فسأله عبيداللّه عن الكتاب، فقال: خرقته.

قال: ولمَ!؟

قال: لئلا تعلم مافيه.

قال: إلي من؟

قال: إلي قوم لا أعرف أسمأهم.

قال: إنْ لم تخبرني فاصعد المنبر وسبّ الكذّاب بن الكذّاب يعني به الحسين (ع).

فصعد المنبر فقال:

أيـّهـا النـاس، إنّ الحـسـيـن بـن عـليّ خـيـر خـلق اللّه، وابـن فـاطـمـة بـنـت رسول اللّه، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر، فأجيبوه.

ثـمّ لعـن عـبـيـداللّه بن زياد وأباه، وصلّي علي أميرالمؤمنين، فأمر به ابن زياد، فأُصعد القصر، ورمي به من أعلاه، فتقطّع ومات.

وقال الطبري: لمّا بلغ الحسين (ع) إلي عذيب الهجانات في ممانعة الحرّ


جأه أربعة نفر ومعهم دليـلهـم الطـرمـّاح [4] بـن عديّ الطّائي، وهم يجنبون فرس نافع المرادي، فسألهم الحسين (ع) عن الناس وعن رسوله، فأجابوه عن الناس، وقالوا له: رسولك من هو؟

قال: قيس!

فقال مجمع العائذي:

أخـذه الحـصـين فبعث به إلي ابن زياد، فأمره أن يلعنك وأباك، فصلّي عليك وعلي أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعانا إلي نصرتك، وأخبرنا بقدومك، فأمر به ابن زياد فأُلقي من طمار القصر، فمات رضي اللّه عنه.

فترقرقت عينا الحسين (ع) وقال:

فـمـنـهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر، اللّهمَّ اجعل لنا ولهم الجنّة منزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك» [5] .


فـهـو رضـوان اللّه تـعالي عليه من شهدأ الثورة الحسينيّة في الكوفة وليس من شهدأ الطف، لكـنـّه شـريـكـهـم فـي الاجـر والشـرف، ولذا خـُصَّ بـالسـلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة والرجبية [6] .

وليـس صـحـيـحـاً مـا ورد فـي المـنـاقـب أنـّه كـان حاملاً رسالة الامام الحسين (ع) من كربلأ إلي سـليـمـان بـن صـرد والمـسـيـّب بـن نـجـبـة ورفـاعـة بـن شـدّاد وعـبـداللّه بـن وال وآخرين، وذلك لانّ قيساً قتل قبل ورود الامام (ع) كربلأ [7] .

نـعـم، لقـد كـان قيس بن مسهّر رضوان اللّه تعالي عليه رسولاً أساسياً بين مكّة والكوفة أو عـلي وجـه الدقـّة بـيـن الامـام الحسين ومسلم (ع)، فقد بعثه الامام (ع) مع مسلم في النصف من شهر رمضان، وعلي فرض صحة أصل وقوع حادثة المضيق من بطن الخبت فقد أرسله مسلم إلي الامام (ع)، ثـم حـمـل جـواب الامـام (ع) إلي مـسـلم. ثم «لمّا رأي مسلم اجتماع الناس علي البيعة في الكـوفـة للحـسـيـن كـتـب إلي الحـسـيـن (ع) بـذلك، وسـرّح الكـتـاب مـع قيس وأصحبه عابساً الشـاكري وشوذباً مولاهم، فأتوه إلي مكّة ولازموه، ثمّ جاؤوا معه»، [8] ثم بعثه الامام (ع) من بطن الرمّة في الثامن من ذي الحجّة أو بعده.


پاورقي

[1] فـيـمـا مـضـي مـن هـذا الکـتـاب کـنـا قـد نـاقـشـنـا صـحـة أصـل وقـوع هـذه القـصـة وتـفـاصـيـلهـا. ويـبـدو أنّ صـاحـب (إبـصـار العـيـن) يـري هنا صحة أصـل القـصـة ولايـري صـحـة أنّ مسلماً طلب من الامام (ع) أن يعفيه، أو أنّ الامام (ع) اتهم مسلماً بالجبن (حاشاهما).

[2] بضم القاف وسکون الطأ موضع فوق القادسية في طريق من يريد الشام من الکوفة. (إبـصـار العين: 114)؛ وعن الحموي: انه قرب الکوفة من جهة البرية بالطف به کان سجن النعمان بن المنذر (معجم البلدان 4:374).

[3] بـفـتـح اللام وسـکـون العـيـن، جبل فوق الکوفة. (إبصار العين: 114)؛ وانظر معجم البلدان، 5:18.

[4] عـدة الشـيخ الطوسي في رجاله في اصحاب علي (ع) قائلاً: رسوله (ع) الي معاوية، وفـي اصـحـاب الحـسـيـن (ع) وکـان الطرماح مع الحسين (ع) حتي سقط بين القتلي، فحمله قومه وبـه رمـق، وداووه، فـبـريء. ولکـن التـسـتـري يـري خـلاف ذلک حـيـث قـال: بـل لحـقه (ع) في الطريق واستأذنه للرواح إلي أهله ثم رجع، فأذن (ع) له فرجع فـسـمـع نـعـيـه ـ عـليـه السـلام ـ فـي الطـريـق (قـامـوس الرجال، 5: 560 عن الطبري، 5: 404).

وعن النمازي: «من اصحاب أمير المؤمنين والحسين صلوات الله عليهم في غاية الجلالة والنبالة وهـو رسـول أمـيـر المـؤمـنـيـن الي معاوية. وله کلمات شريفة ظريفة فصيحة بليغة مع معاوية، بـحـيـث أظـلم الدنـيا في عينيه... وذکر شهادته يوم الطف في الناسخ ويظهر من المامقاني أنه سـقـط جـريـحـاً فـأخـذه قـومـه وحـمـلوه وداووه، فـبـري وعـوفـي» (مـسـتـدرکـات عـلم الرجال، 4:294) و(انظر: معجم رجال الحديث، 9:261).

[5] إبصار العين: 112 ـ 114.

[6] انظر: تنقيح المقال 2: 34.

[7] انظر: قاموس الرجال 8: 550، والبحار 44: 381 ـ 382.

[8] تاريخ الطبري 3: 277، وإبصار العين: 112.