بازگشت

مسلم بن عقيل في الكوفة


كان الامام الحسين (ع) قد أوصي مسلم بن عقيل (ع) ـكما مرَّ بنا أن يكون نزوله في الكوفة عند أوثق أهلها «فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها»، [1] ذلك لان من الطبيعي أن تكون انـطـلاقـة عـمـله السـيـاسـي الثوري في دعوة الناس الي طاعة الامام (ع) وتعبئتهم للقيام معه، وتـخـذيـلهـم عـن آل أبـي سـفـيـان، مـن مـنـزل يـكـون صـاحـبـه مـن أوثـق أهل الكوفة في الولأ لاهل البيت (ع).

قـال ابـن كـثـيـر فـي تـأريـخـه: «فـلمـّا دخـل الكـوفـة نزل علي رجل يُقال له مسلم بن عوسجة الاسدي [2] .


وقيل نزل في دار المختار بن أبي عبيدالثقفي..» [3] [4] .


وقـال الشـيـخ المـفـيـد(ره): «... ثـمّ أقـبـل مـسـلم حـتـي دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة، وهي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيّب، وأقـبلت الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين (ع) وهم يـبـكون، وبايعه الناس حتي بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً. فكتب مسلم الي الحسين (ع) يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً، ويأمره بالقدوم..» [5] .

لكـنّ مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) بـعـد قـدوم عـبـيـداللّه بـن زيـاد الي الكـوفـة واليـاً عـليـهـا مـن قـبـل يـزيـد، وحـصـول التـطـورات السـريـعـة المـتـلاحـقـة التـي أدّت إلي ضـرورة تحوّل عمل مسلم بن عقيل من حالة العلانية إلي السرّ، اضطرّ الي تغيير مقرّه فتحوّلَ الي دار هاني بن عروة [6] زعيم مراد وشيخها وهو شريف من أشراف الكوفة ومن


وجوه الشيعة فيها.


پاورقي

[1] الفتوح 5: 36.

[2] مـسـلم بـن عـوسـجـة الاسـدي: ويـکـنـّي أبـا حـجـل، الاسـدي السـعـدي، کـان رجـلاً شـريـفـاً سـريـّاً عـابـداً مـتـنسکاً. وکان صحابياً ممن رأي رسـول اللّه (ص)، وکـان فـارسـاً شـجـاعـاً له ذکـر فـي المـغـازي والفـتـوح الاسـلامـيـة. قال أهل السير: إنّه ممن کاتب الحسين (ع) من الکوفة ووفي له، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مـسـلم بـن عـقـيـل الي الکـوفـة. ولمـّا دخـل عـبـيـداللّه بـن زيـاد الکـوفـة وسـمـع بـه مـسـلم بـن عـقـيـل خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بن عوسجة علي ربع مذحج وأسد، و...، فنهدوا إليه حتي حبسوه في قصره، ثمّ لمّا دارت رحي الاحداث علي غير مايتمنّاه أنصار الحق وقبض علي مسلم بـن عـقـيـل وهـانـي بـن عـروة اختفي مسلم بن عوسجه مدّة، ثمّ فرّ بأهله إلي الحسين (ع) فوافاه بـکـربـلا وفـداه بـنـفـسـه رضـوان اللّه تـعـالي عـليـه. وهـو القـائل للامـام (ع) لمـّا رخـّص أنـصـاره ليلة العاشر بالانصراف عنه: أنحن نخلّي عنک ولم نـعـذر الي اللّه فـي أدأ حـقّک!؟ أم واللّه لا أبرح حتي أکسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ماثبت قائمه بيدي ولا أفارقک، ولو لم يکن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونـک حتي أموت معک. ولمزيد من معرفة فضائل وتأريخ هذا الشهيد المقدّس راجع ترجمته في کتاب (إبصار العين في أنصار الحسين (ع): 107 ـ 111).

[3] المـخـتـار بـن أبـي عـبـيـد بـن مـسـعود الثقفي: ولد عام الهجرة، وحضر مع أبيه بعض الحروب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وکان يتفلّت للقتال فيمنعه عمّه، فنشأ مقداماً شجاعاً لا يتّقي شـيـئاً، وتـعـاطـي مـعـالي الامـور، وکـان ذا عـقـل وافـر، وجـواب حـاضـر، وخلال مأثورة، ونفس ‍ بالسخأ موفورة.

وهـو الذي فـتـک بـمـعظم الذين شرکوا في دم الامام الحسين (ع) وزعمائهم أيّام ولايته التي دامت ثمانية عشر شهراً. وقُتل علي يد مصعب بن الزبير وعمره 67 سنة.

وقـد اخـتـلفـت الروايـات فـيـه، فـبـعضها مادحة، وبعضها ذامة، والذامّة منها ضعيفة السند، ومنها قاصرة الدلالة، أو صدرت تقيّة، والمادحة فيها روايات صحيحة.

کما اختلفت الاقوال فيه، ويکفينا هنا قول خمسة من المعاصرين:

1ـ الخـوئي: «يـکـفـي فـي حـسـن حـال المـخـتـار إدخـاله السـرور فـي قـلوب أهـل البـيـت (ع) بـقـتـله قـتـلة الحـسـيـن (ع)، وهـذه خـدمـة عـظـيـمـة لاهـل البـيـت (ع) يـسـتـحـق بـهـا الجـزأ مـن قـبـلهـم، أفـهـل يحتمل أنّ رسول اللّه (ص) وأهل البيت (ع) يغضّون النظر عن ذلک وهم معدن الکرم والاحسان.. وهذا محمد بن الحنفية بينما هو جالس في نفر من الشيعة وهو يعتب علي المختار ـفي تأخير قتله عمر بـن سـعـد فـمـا تـمّ کـلامـه إلا والرأسـان عـنـده، فـخـرَّ سـاجـداً وبـسـط کـفـيـه وقـال: اللّهـمَّ لا تـنـس هـذا اليـوم للمـخـتـار وأجـزأه عـن أهـل بـيـت نـبـيـّک مـحـمـّد خـيـر الجـزأ، فـواللّه مـا عـلي المـخـتـار بـعـد هـذا مـن عـتـب..». (مـعـجـم رجال الحديث 18: 100).

2ـ المـحـدّث القـمـي: الروايـات فـي المـخـتـار الثـقـفـي مـخـتـلفـة، لکـن المـُسـلّم بـأنـه أدخـل السـرور والفـرح الي قـلب الامـام زيـن العـابـديـن، بـل إنـّه أدخل السرور والفرح الي قلوب آل الرسول (ع) والثکالي واليتامي الذين إستشهد آبـاؤهـم مـع الامام الحسين (ع)، فخمس سنوات کان العزأ والحزن يخيمان علي بيوت أصحاب المـصـيـبة، فلم تُر مکحلة ولاخاضبة ولادخانٌ يتعالي من بيوتهن حتي شاهدن رأس عُبيد الله بن زيـاد فـخـرجن من العزأ، وبالاضافة إلي ذلک فإنّ المختار أشاد البيوت التي هُدمت، وبعث بـالعـطـايـا الي المـظـلومـيـن، فـهـنـيـئاً للمـخـتـار الذي بـعـمـله هـذا أدخل الفرح إلي قلوب أهل بيت رسول الله (ع) المطهرين (وقايع الايام ص 40).

3ـ النمازي: «والمختار ـيعني الذي أنا أختاره أنه المختار لطلب الثار، شفي اللّه به صدور الاطـهـار، وسـرَّ بـه قـلوب الابـرار، ويـنـجـو بشفاعة سيدنا الحسين صلوات اللّه عليه من درک النـار، جـزاه اللّه خـيـراً مـن لطـف الغـفـّار». (مـسـتـدرکـات عـلم الرجال 7: 385).

4ـ الامـيـنـي: «مـن عـطـف عـلي التـأريـخ والحـديـث وعـلم الرجـال نـظـرة تـشـفـعـهـا بصيرة نفّاذة علم أنّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدي والاخـلاص، وأنّ نـهـضـتـه الکـريـمـة لم تـکـن إلا لاقـامـة العدل باستيصال شأفة الملحدين، واجتياح جذوم الظلم الامويّ، وأنّه بمنزح من المذهب الکيساني، وأنّ کـلّ مـانـبـزوه مـن قـذائف وطـامـات لا مـقيل لها من مستوي الحقيقة والصدق وقد أکبره ونزّهه العـلمـأ الاعـلام مـنـهـم: ابـن طـاووس فـي رجـاله، والعـلامـة فـي الخـلاصـة، وابـن داود فـي الرجال، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته.. والمحقق الاردبيلي في حديقة الشيعة، وصـاحـب المـعـالم في التحرير الطاووسي، والقاضي نور اللّه في المجالس، وقد دافع عنه الشيخ أبوعلي في منتهي المقال (6: 240) وغيرهم». (الغدير 2: 343).

5ـ المـامـقـانـي: «ولا إشـکـال فـي إسـلامـه بـل کـونـه إمـامـيّ المـذهـب، بـل الظـاهـر اتـفـاق الخـاصـة والعـامـة عـليـه، بـل الحـق أنـّه کـان يـقـول بـإمـامـة مـولانـا السـّجـاد(ع).. فـتـلخـّص مـن جـمـيـع مـا ذکـرنـا أن الرجـل إمـامـيّ المذهب، فإنّ سلطنته برخصة الامام، وإنّ وثاقته غير ثابتة، نعم هو ممدوح مدحاً مدرجاً له في الحسان». (تنقيح المقال 3: 206).

هذا وقد توقّف المجلسيّ في شأنه فلم يمدحه ولم يذمّه.

وإذا ثـبـت تـأريخياً نزول مسلم بن عقيل (ع) دار المختار ـکما صرّح بذلک المؤرّخون فإنَّ ذلک يـثـبـت وثـاقته، بل يثبت أنه من أوثق أهل الکوفة، وذلک لان الامام الحسين (ع) أمر مسلماً(ع) أن يـنـزل عـنـد أوثـق أهـلهـا فـنـزل عـنـد المـخـتـار، فـيـکـون هـذا النـزول مـن بـاب تـعـيـيـن المـصـداق لکـلام الامـام الحـسـيـن (ع)، إن لم يـکـن هـذا النزول بأمر من الامام نفسه (ع)، واللّه العالم.

ولعـلّ هـنـاک عـلّة أخـري لاخـتـيـار مسلم دار المختار دون غيرها ـمع فرض ثبوت ذلک وهو أنه کان صهراً للنعمان بن بشير حاکم الکوفة يومها ـأي کان زوجاً لابنته عمرة فلاتمدُ يد سوء إلي مسلم (ع) طالما هو في بيت صهر والي الکوفة.

[4] البداية والنهاية 3: 279.

[5] الارشاد: 205، وتاريخ الطبري 3: 279 بتفاوت يسير.

[6] هـانـي بـن عروة المرادي: کان هاني من أشراف الکوفة وأعيان الشيعة ومن رؤسائهم، وشـيـخ مـراد وزعـيـمـهـا، يـرکـب فـي أربـعـة آلاف درع وثـمـانـيـة آلاف راجـل. روي أنـه أدرک النـبـي (ص) وتشرّف بصحبته، واستشهد وله من العمر تسع وثمانون سنة (انظر: سفينة البحار 8: 714 و قاموس الرجال 9: 292 / الطبعة القديمة).

ويـشهد علي کماله وجلالة قدره وعظيم شأنه الزيارة التي نقلها السيّد ابن طاووس له: «سلام اللّه العظيم وصلواته عليک ياهاني بن عروة، السلام عليک أيها العبد الصالح، الناصح للّه ولرسـوله ولامـيـر المـؤمـنين والحسن والحسين (ع)، أشهد أنّک قتلت مظلوماً، فلعن اللّه من قتلک واستحلّ دمک، وحشي اللّه قبورهم ناراً، أشهد أنک لقيت اللّه وهو راضٍ عنک بما فعلت ونصحت، وأشـهـد أنـک قد بلغت درجة الشهدأ، وجعل روحک مع أرواح السعدأ بما نصحت للّه ولرسوله مـجـتـهـداً، وبـذلت نـفسک في ذات اللّه ورضائه، فرحمک اللّه ورضي عنک، وحشرک مع محمد وآله الطـاهـريـن، وجـمـعـنـا وإيـاکـم معهم في دار النعيم، وسلام عليک ورحمة اللّه..» (بحار الانوار 100: 429 نقلاً عن مصباح الزائر والمزار الکبير ومزار الشهيد).

کما أنه شارک في حرب الجمل بين يدي أميرالمؤمنين، ومن شعره فيها:



يالک حرباً حثّها جمّالُها

قائدة ينقصها ضُلاّلها



هذا عليٌ حوله أقيالُها

(البحار 32: 181).



: مؤاخذات وردود:

رغـم المـوقـف المشرّف لهاني وتضحيته بنفسه الزکيّة دون سفير الحسين (ع) لم يسلم هذا الشهيد البطل من المؤاخذات والانتقادات، وأهم هذه المؤاخذات:

الاولي: إنّ دفـاعـه عـن مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) لم يـکـن عـن بـصـيـرة ديـنـيـة، بـل لمـجـرّد الحـمـيـّة وحـفـظ الذمـام ورعـايـة حـقّ الضـيـف، فـهـو مـثـل مـدلج بـن سـويـد الطـائي الذي يـضـرب بـه المـثـل فـيقال: أحمي من مجير الجراد. وقصته معروفة وهي أنه خلا ذات يوم في خيمته فإذا بقوم من طيء ومـعـهـم أوعـيـتـهم، فقال: ما خطبکم؟ قالوا: جراد وقع بفنائک فجئنا لنأخذه، فرکب فرسه وأخـذ رمـحـه وقـال: واللّه لا يـتـعـرّض له أحـد مـنکم إلا قتلته، أيکون الجراد في جواري ثم تـريـدون أخـذه. ولم يـزل يـحـرسـه حـتـي حـمـيـت عـليـه الشـمـس فـطـار، فـقـال: شـأنـکـم الان بـه فـقـد تـحـوّل عـن جـواري! (راجـع مـجـمـع الامثال 1: 393 والکني والالقاب 3: 152).

قـد أُجـيـب عـلي هـذه المـؤاخـذة أنه: «اتفقت الاخبار علي أنّ هانياً قد أجار مسلماً وحماه في داره، وقام بأمره، وبذل النصرة وجمع له الرجال والسلاح في الدور حوله، وامتنع من تسليمه لابن زيـاد، وأبـي کـلّ الابـاء واخـتـار القـتـل عـلي التـسـليـم حـتـي أُهـيـن وضـرب وعـذّب وحـبـس ‍ وقـتـل صـبـراً عـلي يـد الفـاجـر اللعـيـن، وهـذه کـافـيـة فـي حـسـن حـاله وجميل عاقبته ودخوله في أنصار الحسين وشيعته المستشهدين في سبيله، ويدلّ عليه أمور:

1ـ قوله لابن زياد: فإنه قد جأ من هو أحقّ من حقّک وحقّ صاحبک.

2ـ قـوله: لو کـانـت رجـلي عـلي طـفـل مـن أطـفـال أهل البيت مارفعتها حتي تقطع.

3ـ قـول الحـسـيـن (ع) لمـّا بـلغـه قـتـله وقـتـل مـسـلم: قـد أتـانـا خـبـرٌ فـظـيـع، قتل مسلم وهاني وعبداللّه بن يقطر.

4ـ بـعـدمـا أُخـبـر الحـسـيـن (ع) بـقـتـل مـسـلم وهـانـي اسـتـعـبـر بـاکـيـاً ثـم قال: اللّهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً کريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتک.

5ـ زيـارتـه المـعـروفـة التـي ذکـرهـا أصـحـابـنـا رضـوان اللّه عـليـهـم. (تـنـقـيـح المقال 3: 289).

أقول: قد تضمّنت هذه الاجابة علي دلائل ومؤکدات علي أنَّ ما فعله هاني کان عن بصيرة دينية لا مجرّد حميّة وحفظ للذمام ورعاية لحقّ الضيف.

الثـانـيـة: دخول هانيء علي ابن زياد حين أتي الکوفة، واختلافه إليه فيمن اختلف إليه من أعيانها وأشرافها حتي جأ مسلم، مما يدلّ علي أنه کان مع السلطة.

وقـد أجـيـب عـنـهـا بـأنّ: «هـذا أيـضـاً لا يُعدُ طعناً فيه لانّ أمر مسلم کان مبنياً علي التستر والاسـتـخـفـأ، وکـان هـاني رجلاً مشهوراً يعرفه ابن زياد ويصادفه، فکان انزواؤه عنه يحقق عليه الخـلاف، وهـو خـلاف ما کانوا عليه من التستر، فلذا ألزمه الاختلاف ـأي المراودة إليه دفعاً للوهم. فلمّا لجأ إليه مسلم انقطع عنه خوفاً، وتمارض حتي يکون المرض عذراً، فجأه من الامر مالم يکن في حسابه». (تنقيح المقال 3: 289).

الثالثة: أنّ هانياً نهي مسلماً عن الخروج علي ابن زياد!

وأجـيـب عـنـهـا: «فـلعـلّه رأي أنّ المـصـلحـة فـي التـأخـيـر حـتـي يـتـکـاثـر النـاس وتـکـمـل البيعة ويصل الحسين (ع) الي الکوفة، ويتهيأ لهم الامر بسهولة، ويکون قتالهم مع الامام مرّة واحدة». (تنقيح المقال 3: 289).

الرابعة: أنّ هانياً منع مسلماً من قتل ابن زياد في داره!

وأجـيـب عـنـها: «فقد عرفت اختلاف الاخبار في ذلک، إذ في بعضها: أنه هو الذي أشار بقتله، وتمارض لابن زياد حتي يأتيه عائداً فيقتله مسلم، وأنه عاتبه علي ترک قتله بعد تهيؤه له بسهولة، وقد اعتذر مسلم تارة: بتعلّق المرأة وبکائها في وجهه ومناشدتها في ترک ما همّ به، وأخـري: بـحديث الفتک، وهو المشهور عنه، وأشار إليه المرتضي في تنزيه الانبيأ». (تنقيح المقال 3: 289).

(وراجـع: فـي أن هانياً هو الذي أشار بقتل اين زياد: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 102).

الخـامـسـة: قـوله لابـن زيـاد: واللّه مـا دعـوتـه إلي منزلي، ولاعلمت بشيء من أمره حتي جأني يسألني النزول فاستحييت من ردّه وداخلني من ذلک ذمام...

وأجيب عنها بـ: «أنّه قال ذلک يريد التخلّص منه، ومن البعيد أن يأتيه مسلم من غير ميعاد ولا اسـتـيثاق، ويدخل في أمانه وهو لايدري به ولم يعرفه ولم يختبره، وکذا عدم اطّلاع هاني ـ وهو شـيـخ المـصـر وسـيـّده ووجـه الشـيـعـة ـ عـلي شـيء مـن أمـره فـي تـلک المـدّة حـتـي دخل عليه بغتة وفاجأه باللقأ مرّة». (تنقيح المقال 3: 289).

السـادسـة: تـصـريـح صـاحـب ـ (روضـة الصـفـا) و(حـبـيـب السـيـر) بـأنّ هـانـيـاً قال لمسلم حين دخل عليه: لقد أوقعتني في عنأ وتکليف، ولولا أنّک دخلت داري لرددتک!

أقـول: إن سـائر الکـتـب المـعـتـبـرة خـاليـة مـن هـذا القـول، فـهـمـا قـد تـفـرّدا بـهـذا النقل، ولم يثبت ذلک.

السـابـعـة: ولعـلّهـا من أشدّ المؤاخذات عليه، وهي أنّ هانياً کان مروّجاً ومبلّغاً لولاية عهد يزيد فـي الکـوفـة عـلي عـهـد معاوية إستناداً إلي ما أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج: «وفد أهـل الکـوفـة عـلي مـعـاويـة حـيـن خـطـب لابـنـه يـزيـد بـالعـهـد بـعـده، وفـي أهـل الکـوفـة هـانـي بـن عـروة المـرادي وکـان سـيـّداً فـي قـومـه، فـقـال يـومـاً فـي مـسـجـد دمشق والناس حوله: العجب لمعاوية يريد أن يقسرنا علي بيعة يزيد، وحـاله حـاله، ومـا ذاک واللّه بـکـائن. وکـان فـي القـوم غـلام مـن قـريـش جـالسـاً، فـتـحـمـّل الکـلمـة الي مـعـاويـة، فـقـال مـعـاويـة: أنـت سـمـعـت هـانـئاً يـقـولهـا؟ قـال: نـعـم. قـال: فـاخـرج فـأتِ حـلقـتـه، فـإذا خـفّ النـاس عـنـه فـقـل له: أيها الشيخ، قد وصّلت کلمتک إلي معاوية، ولستَ في زمن أبي بکر وعمر، ولا أحبّ أن تـتـکـلم بـهـذا الکـلام فـإنهم بنو أميّة، وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم، ولم يدعني الي هذا القـول لک إلاّ النـصـيـحـة والاشـفـاق عـليـک، فـانـظـر مايقول فإتني به. فأقبل الفتي الي مجلس هانيء، فلمّا خفّ مَن عنده دنا منه فقصّ عليه الکلام، وأخرجه مخرج النصيحة له، فقال هانيء: واللّه يابن أخي ما بلغت نصيحتک کلّ ما أسمع، وإنّ هـذا الکـلام کـلام مـعـاويـة أعـرفـه! فـقـال الفـتـي: ومـا أنـا ومـعـاويـة! واللّه مـا يـعـرفـني. قـال: فـلا عـليـک، إذا لقـيـتـه فـقـل له: يـقـول لک هـانـيء: واللّه مـا إلي ذلک مـن سـبـيـل، انـهـض يـاابـن أخـي راشـداً. فـقـام الفـتـي فـدخـل عـلي مـعـاويـة فـأعـلمـه، فقال: نستعين باللّه عليه. ثم قال معاوية بعد أيّام للوفد: إرفعوا حوائجکم ـوهانيء فيهم. فـعـرض عليه کتابه فيه ذکر حوائجه، فقال: ياهانيء، ما أراک صنعت شيئاً! زد. فقام هانيء فـلم يـدع حـاجـة عـرضـت له إلا وذکـرهـا، ثـم عـرض عـليـه الکـتـاب، فـقـال: أراک قـصـّرت فـيـمـا طـلبـت! زد. فـقـام هـانـي فـلم يـدع حـاجـة لقـومـه ولا لاهـل مـصـره إلاّ ذکـرهـا، ثـم عـرض عـليـه الکـتـاب، فـقـال: مـاصـنـعـت شـيـئاً! زد. فـقـال: يـاأمـيـر المـؤمـنـيـن، حـاجـة بـقـيـت! قـال: مـاهـي!؟ قـال: أن أتـولّي أخـذ البـيـعـة ليـزيـد بـن أمـيـر المـؤمـنـيـن بـالعـراق! قـال: افـعل، فما زلت لمثل ذلک أهلاً. فلمّا قدم هاني العراق قام بأمر البيعة ليزيد بمعونة من المغيرة بن شعبة وهو الوالي بالعراق يومئذٍ». (شرح النهج 18: 408).

وقـد أُجـيـب عن هذه المؤاخذة من وجوه: «أولاً: أنها قصة مرسلة تفرّد الحديدي بنقلها، ولم يذکر لهـا مأخذاً رغم أنّ طريقته غالباً نقل المأخذ والمستند. ثانياً: المتن يستظهر منه الکذب، إذ کيف يـقـول هـانـي بـمـلامن قومه وأهل الشام جهراً: إنّ معاوية يريد أن يقسرنا علي بيعة يزيد، ثم يـکـون هو الطالب للقيام ببيعة يزيد!!. ثالثاً: إنّ ما ختم به لهاني من ردّه بيعة يزيد وقيامه بـنـصـر الحـسـيـن (ع) حـتـي قـتـل يـأتـي عـلي کـلّ مـا فـرط مـنـه قـبـل ذلک لو کـان، ومـا أشـبـه حـاله بـحـال الحـرّ إذ تاب وقبلت توبته بعدما وقع وصدر ما صـدر، وقـد کـان الامـر فـيـه أشـدّ، وفـي هـانـي أهـون، فـهـو إلي القبول أقرب». (تنقيح المقال 3: 289، وانظر الفوائد 4: 41، ونفس المهموم: 115).

ويـلاحـظ فـي کـلّ الردود التـي أوردنـاهـا عـن صـاحـب تـنـقـيـح المقال أنه ينقلها عن السيد الطباطبائي وهو بحر العلوم (ره).).

الثـامـنـة: وقـوفـه بـوجـه عـليّ(ع) واعـتـراضـه عـليـه حـيـنـمـا عـزل الاشـعـث بـن قـيـس عـن رئاسـة کـنـدة ونـصـب حـسّان بن مخدوج مکانه، حيث قام إلي عليّ(ع) وقـال: إنّ رئاسـة الاشـعـث لاتـصـلح إلاّ لمـثـله! ومـا حـسـّان مثل الاشعث

وأجـيـب عـنـهـا: أولاً: لم يـکن هو المعترض فحسب، بل کان الاشتر، وعدي بن حاتم الطائي، و... ضـمن المعترضين. ثانياً: أنهم رجعوا عن قولهم ورضوا بما فعله أميرالمؤمنين (ع) کما يظهر من نص (وقعة صفين: 137).