بازگشت

ماذا يعني كتمان الامر هنا؟


هـل يـعـنـي أن يـكـتـم مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) أمـر سـفـارتـه مادام في الطريق حتي يصل الي الكوفة؟ أم يعني أن يتّبع مسلم بن عقيل (ع) الاسلوب السرّي في تعبئة أهل الكوفة للنهضة مع الامام (ع)؟ أم يعني أن يكتم أمر مـكـانـه وزمـان تـحـركـاتـه ومـواقـع مـخـازن أسـلحـتـه وأشـخـاص قـيـاداتـه ومـعـتـمـديـه مـن أهل الكوفة وكلمة السرّ في وثبته؟ أم غير ذلك؟

ومـاذا يـعـنـي اللطـف هـنـا؟ هل هو اللطف مع الناس وهو من أخلاق الاسلام؟ أم اللطف هنا بمعني عدم المـواجـهـة المـسـلّحـة مـع السـلطـة المـحـلّيـة الامـويـة فـي الكـوفـة حـتـي يصل إليها الامام (ع) أو يأذن بذلك؟

وهل كانت مهمة مسلم بن عقيل (ع) ـعلي ضوء هذه الرواية منحصرة في معرفة الرأي العام الكوفي، ومـعـرفـة صـدق أهـل الكـوفـة فـيـمـا كـتـبـوا بـه إلي الامـام (ع)؟ هـنـاك روايـة أخـري تقول إنّ رسالة الامام (ع) إلي أهل الكوفة حوت أيضاً هذه العبارات:

«... وقـد بـعـثـت إليـكـم أخـي وابـن عـمـّي مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأمرته


أن يكتب إليَّ بحالكم وخبركم ورأيكم ورأي ذوي الحجي والفضل منكم، وهو متوجّه إليكم إن شأ اللّه، ولا قـوة إلاّ بـاللّه، فـإن كـنـتـم عـلي مـا قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فقوموا مع ابن عمّي وبـايـعـوه ولا تـخـذلوه، فلعمري ما الامام العامل بالكتاب القائم بالقسط كالذي يحكم بغير الحقّ ولا يهتدي سبيلاً...» [1] .

ومن هذا النصّ يتجلّي لنا أنّ مهمة مسلم بن عقيل (ع) في الكوفة لم تنحصر في استطلاع الرأي العـام الكـوفـي ومـعـرفـة حـقـيـقـة ومـصـداقـيـة التـوجـهـات فـيـهـا، بـل كـانـت مـهـمـتـه الاسـاسـية فيها هي الثورة بأهل الكوفة ضد السلطة المحلّية الاموية فيها والتمهيد للقضأ علي الحكم الاموي كلّه، والدليل علي هذا قوله (ع):

«فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه ولا تخذلوه..».

ويتابع ابن أعثم الكوفي روايته التأريخية قائلاً:

«ثـم طـوي الكـتـاب، وخـتـمـه، ودعـا بـمـسـلم بـن عـقـيـل فـدفـع إليـه الكـتـاب، وقال:

إنـّي مـوجّهك إلي أهل الكوفة، وسيقضي اللّه من أمرك مايحبّ ويرضي، وأنا أرجو أن أكون أنـا وأنـت فـي درجـة الشـهـدأ، فـامـضِ بـبـركـة اللّه وعـونـه حـتـي تـدخـل الكـوفـة، فـإذا دخـلتـهـا فانزل عند أوثق اهلها، وادع الناس الي طاعتي، فإن رأيتهم مـجـتـمـعـيـن عـلي بـيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتي أعمل علي حساب ذلك إن شأ اللّه تعالي. ثم عانقه الحسين (ع) وودّعه وبكيا جميعاً» [2] .

ومـن هـذه الروايـة نـسـتـفـيـد أنّ «كـتـمـان الامـر» فـي الروايـة الاولي لايـعـنـي اتـّبـاع


مـسلم بن عـقـيـل أسـلوب العـمـل السـرّي فـي الدعوة إلي طاعة الامام (ع) ذلك لان ظاهر قوله (ع) «وادع النـاس إلي طـاعـتي» هو العلانية في العمل. نعم قد يلزم الامر أن تكون البداية والمنطلق من أهـل الثـقـة والولأ، وهـذا مـا يـشـعـر بـه قـوله (ع): «فـإذا دخـلتـهـا فانزل عند أوثق أهلها».

ويـسـتـفـاد مـن هـذه الروايـة أيـضـاً أنّ الامـام (ع) قـد أشـعـر مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) أو أخـبـره بـأنّ عـاقـبـة أمـره الفـوز بـالشـهـادة مـن خـلال قـوله (ع): «وأنـا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهدأ!» والعلم بأن المصير هـو القـتـل لايـمـنـع مـن المـضـيّ فـي أدأ التـكـليـف إذا كان الامر متعلقاً بإحدي مصالح الاسلام العـُليـا. ومـمـا يـدلّ عـلي أنّ مـسـلم بـن عـقـيـل (ع) قـد عـلم مـن قـول الامـام (ع) أنـه مـتـوجـّه إلي الشهادة، وأنّ هذا آخر العهد بابن عمّه الامام الحسين (ع) هو أنهما تعانقا وودّع أحدهما الاخر وبكيا جميعاً!

وتـقـول روايـة تـأريـخـيـة: «فـخرج مسلم من مكّة في النصف من شهر رمضان، حتي قدم الكوفة لخمس خلون من شوّال..» [3] .


پاورقي

[1] الفتوح 5: 35، ومقتل الخوارزمي 1: 195 ـ 196.

[2] الفتوح 5: 36، ومقتل الخوارزمي 1: 196.

[3] مروج الذهب 2: 89.