بازگشت

المنذر بن الجارود العبدي


ولاّه الامام عليّ(ع) بعض أعماله فخان فيه، فكتب (ع) إليه:

«أمّا بعد، فإنّ صلاح أبيك غرَّني منك، وظننت أنّك تتبع هديه وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقـي إليَّ عـنـك لا تـدع لهـواك انـقـيـاداً، ولا تبقي لاخرتك عتاداً، أتعمّر دنياك بخراب آخرتك!؟ وتـصـل عـشـيـرتـك بـقـطـيـعـة ديـنـك!؟ ولئن كـان مـا بـلغـنـي عـنـك حـقـاً لجـمـل أهـلك وشـسـع نـعـلك خـيـر مـنـك، مـن كـان بـصـفـتـك فـليـس بأهل أن يُسدَّ به ثغر أو ينفذ به أمر أو يُعلي له قدر أو يُشرك في أمانة أو يؤمن علي جباية، فأقبل إليَّ حين يصلُ إليك كتابي هذا إن شأ اللّه».». [1] .

وقال (ع) في المنذر بن الجارود هذا أيضاً:

«إنّه لنظّارٌ في عطفيه، مختالٌ في بُردَيْه، تفّال في شِراكَيْه». [2] .


أي أنـه ذو زهـوٍ، معجب بنفسه ومظهره، متكبر، همّه في نظافة ظاهره لا في طهارة الباطن وتزكية النفس وتهذيب المحتوي والعروج إلي آفاق المعنويات السامية.

و«كـان عـليّ(ع) ولاّه فـارسـاً فـاحـتـاز مـالاً مـن الخـراج.. وكـان المـال أربـعـمـائة ألف درهـم، فـحـبـسـه عـليّ(ع)، فشفع فيه صعصعة وقام بأمره وخلّصه». [3] .

ولقـد شـفـّع المنذر بن الجارود خيانته في الاموال بخيانته في النفوس حيث قدّم نسخة رسالة الامـام الحـسـيـن (ع) إليـه مـع رسول الامام (ع) سليمان بن رزين إلي عبيداللّه بن زياد تقرّباً إليـه وطـمـعـاً فـي الزلفـة مـنـه، وكـانـت نـتـيـجـة هـذه الخـيـانـة أن قُتل رسول الامام (ع) صبراً.

ولقـد كـافـأ ابـن زيـاد ابـن الجـارود عـلي خـيـانـتـه فـولاه السـنـد حـيـث تـوفـي فـيهاسنة 61 ه‍، [4] فلم يهنأ بجائزته إلا شهوراً قليلة.

هـذه صـورة مـوجـزة لمـجـمـوعـة مـن أشـراف البـصـرة آنـذاك، قـد تـمـثّل جلّ أشراف البصرة المعروفين يومها، ورأيناها مؤلّفة من ذي هويً أموي خالص كمالك بـن مـسـمع، ومعادٍ لاهل البيت (ع) كمسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم السلمي، أو ذي معرفة بحقّ أهـل البـيـت (ع) ضـعـيـف اليقين مترددٍ واهن المواقف كالاحنف بن قيس، أو طالبٍ للدنيا متكبّر معجب بنفسه متملّق للامرأ غير مؤتمن كالمنذر بن الجارود العبدي.

وكـمـا قلنا من قبل، فقد اضطرّ الامام (ع) إلي الكتابة إلي هؤلأ لانهم المنفذ الوحيد إلي جلّ أهـل البـصـرة الذيـن كـانـوا تـبعاً لاشرافهم في فهم الاحداث وتبنّي


المواقف، وكان لابدّ من إلقأ الحجّة علي الجميع من خلال هذا الطريق، فلعلَّ ثمّة من يهتدي ويُسعد بإبلاغ الحجّة.

وهـنـا لابـدّ مـن التـنـبـيـه أنّ مـن أشـراف البـصـرة مـجـمـوعـة تـعـرف حـقـّ أهـل البـيـت (ع) وتواليهم ولها مواقف كريمة ورائعة في المبادرة إلي نصرة الامام الحسين (ع) كمثل يزيد بن مسعود النهشلي الذي دعا قومه إلي نصرة الامام (ع) وعبّأهم روحياً بهذا الاتجاه، وهـو مـن الاشـراف الذيـن كـتـب إليـهـم الامـام (ع) بـتـلك النـسـخـة أيـضـاً، وسـيـأتـي تـفـصـيـل مـوقـفه في فصل حركة الامّة فيما يأتي من البحث، وقد دعا له الامام (ع) بهذا الدعأ المبارك:

«مالكَ، آمنك اللّه يوم الخوف، وأعزّك وأرواك يوم العطش الاكبر». [5] .

وكـيـزيـد بـن ثـبيط العبدي، وهو من أشراف البصرة أيضاً، ومن الشيعة، وقد بادر ـبعدما علم بـمـا عـزم عـليه الامام الحسين (ع) إلي الالتحاق بركب الامام (ع) في مكّة، مع ولديه عبداللّه وعـبـيـداللّه وجـمـاعة آخرين من الشيعة البصريين، ورزقوا الشهادة بين يدي الامام أبي عبداللّه الحسين (ع) في كربلأ يوم العاشر من المحرم. [6] .


پاورقي

[1] نهج البلاغة: 461 ـ 262، کتاب رقم 71.

[2] بحار الانوار 33: 506.

[3] بحار الانوار 34: 333، و الغارات: 357.

[4] الغارات: 358 (الهامش).

[5] اللهوف: 19.

[6] راجع: کتاب إبصار العين: 189 ـ 192.