بازگشت

رسالته الي البصرة


كانت الشيعة بعد استشهاد الامام الحسن المجتبي (ع) علي صلة بالامام أبي عبداللّه الحسين (ع) رغـم الاضـطـهـاد والارهـاب والمـراقـبـة الشـديـدة مـن قـبـل الحـكـم الامـويّ عـلي مـحـبـّي أهل البيت (ع)، فكانت الشيعة في أنحأ البلاد الاسلامية تبعث الي الامام الحسين (ع) المكاتيب وتـسـأله عـمـّا يـهمّها من أمور دينهم، وكان للبصرة نصيبها من الصلة بالامام (ع)، وقد أثبت التـأريخ بعض رسائل شيعتها إليه، كالرسالة التي بعثوا بها إلي الامام (ع) يسألونه فيها عن معني الصمد، وبعث إليهم


بجوابها... [1] .

لكـنّ المـلفـت للانتباه في الرسالة التي بعث بها الامام (ع) إلي اشراف البصرة ورؤسأ الاخـمـاس [2] فـيـهـا هو أنَّ الامام (ع) كان الباديء بالمكاتبة، وقد دعا فيها أولئك الاشـراف والرؤسأ ومن يتبعهم من أهل البصرة إلي نصرته، في وقت لم يكن أحدٌ من أولئك قد بـعـث مـن قـبـل إلي الامـام (ع) بـكتاب يدعوه فيه إلي القيام والنهضة ضد الحكم الاموي، كما فـعـل أشـراف الكـوفـة ووجـهـاؤهـا وكـثـيـر مـن أهـلهـا الذيـن كـانـت رسـائلهـم تنهال علي مكّة حتي بلغت في يوم واحدٍ ستمائة رسالة!

فـمـا هـي علّة مبادرة الامام (ع) الي الكتابة إلي أشراف البصرة ورؤسائها؟ لايشك مطّلع علي التـأريـخ الاسـلامـي بـالاهـمـية الخاصة التي كانت تتمتع بها كلٌ من ولايتي الكوفة والبصرة وأثـرهـمـا البـالغ عـلي حـركـة أحـداث العـالم الاسلامي آنذاك، خصوصاً وأنّ هاتين الولايتين المـهـمـتـيـن لم تـنـغـلقـا لصـالح الحكم الاموي كما انغلق الشام تماماً لصالحه آنذاك، فمحبّو أهـل البـيـت (ع) وشـيـعـتـهـم فـي كـلّ مـن هاتين الولايتين برغم الارهاب والقمع الامويّ كانت لهم اجتماعاتهم ومنتدياتهم السريّة، وتطلّعاتهم الي يوم الخلاص من كابوس الحكم الامويّ.

نعم، هناك فارق واضح بين الكوفة والبصرة من حيث تأريخ كلّ منهما في نصرة أمير المؤمنين (ع)، ومن حيث عدد الشيعة في كلّ منهما، ومن حيث درجة


تحفّزهم للتحرّك ضد الحكم الامويّ.

ويُضافُ الي ذلك أنّ البصرة آنذاك كانت تحت سيطرة والٍ قويّ وإرهابي مستبدّ هو عبيداللّه بن زيـاد الذي كـان قـد هـيـمـن عـلي إدارة أمورها، وأحكم الرقابة الشديدة علي أهلها، في وقت كانت الكوفة قد تراخت أزمّة أمورها بيد والٍ ضعيف يميل الي العافية والسلامة هو النعمان بن بشير، فـكـان الشـيـعـة فـي الكـوفـة أقـدر علي الحركة والفعل من الشيعة في البصرة عموماً، مما قد يـفـسـّر سـبـب مـبـادرة أهـل الكـوفة وبهذا الكمّ الكثير إلي المبادرة في الكتابة إلي الامام (ع) ودعـوتـه إليـهـم، فـي وقـت لم تـصـل إلي الامـام (ع) رسـالة مـن أهل البصرة يدعونه فيها إليهم أو يظهرون فيها استعدادهم لنصرته. [3] .

فبادر الامام (ع) إلي الكتابة إلي أهل البصرة عن طريق أشرافها ورؤسأ الاخماس فيها، لانَّ أهـلهـا ــعـدا خـُلَّص الشـيـعـة منهم لايتجاوزون أشرافهم في اتخاذ موقف وقرار، فكان لابدَّ من مـخـاطـبـتـهـم عـن طـريـق أشـرافـهـم ورؤسـأ الاخـمـاس، وإن كـان بـعـض هـؤلأ مـمـّن يميل إلي بني أميّة، وبعضهم ممن لايؤتمن، وبعضهم ممن لا تتسق مواقفه باتجاه واحد..

ولعـل ّالامـام (ع)أرادإلقـأالحـجـّة عـلي الجـمـيـع، [4] مـع ما قد تثمره رسالته من صدّ


المـتـردّد مـن الاشـراف ورؤسـأ الاخـمـاس عـن الانـضـمـام إلي أيـّ فـعـل مـضـاد لحـركـة الامـام (ع)، وما تثمره هذه الرسالة أيضاً من إعلام البصريين الراغبين في نـصـرتـه بـأمـر نـهـضـتـه وتـعـبـئتـهـم لذلك مـن خـلال أشـرافـهـم المـواليـن لاهل البيت (ع) كمثل يزيد بن مسعود النهشلي وأمثاله.


پاورقي

[1] راجع: مکاتيب الائمّة 2: 48 نقلاً عن التوحيد: 90 / وکذلک: سير أعلام النبلأ 3:293.

[2] أخـمـاس البـصـرة: کـانـت البـصـرة قـد قـسـّمـت خـمـسـة أقـسـام، ولکـل خـمـس مـنها رئيس من الاشراف. (وقعة الطف: 104) / وأخماس البصرة خمسة: فالخمس الاوّل: العـاليـة، والخـمـس الثـانـي: بـکر بن وائل، والخمس الثالث: تميم، والخمس الرابع: عبدالقيس، والخمس ‍ الخامس: الازد. (لسان العرب: مادة خَمَسَ: 6: 71).

[3] هـذا هـو المـشـهـور الثـابـت، لکـنّ الشـيـخ مـحـمـد السـمـاوي فـي کـتـابه إبصار العين يقول: «وبلغ أهل البصرة ما عليه أهل الکوفة، فاجتمعت الشيعة في دار مارية بنت منقذ العبدي ــوکـانـت مـن الشـيـعة فتذاکروا أمر الامامة وما آل إليه الامر، فأجمع رأي بعض علي الخروج فخرج، وکتب بعض بطلب القدوم..» (إبصار العين: 25).

لکـنـه لم يـذکـر مـن الذي کـتـب ولا مـاذا کـتـب! کـمـا لم يـذکـر عـمـّن أخـذ هـو هـذا القول!.

[4] يـقـول الشـيـخ بـاقـر شـريـف القـرشـي: «إنَّ رسـالة الحـسـيـن إلي أهـل البـصـرة تـريـنـا کـيـف کـان يـعـرف مـسـؤوليـتـه ويـمـضـي مـعـهـا، فـأهـل البـصـرة لم يـکـتـبـوا إليـه ولم يـدعـوه إلي بـلدهـم کـمـا فـعـل أهـل الکـوفـة، ومع هذا فهو يکتب إليهم، ويعدّهم للمجابهة المحتومة، ذلک أنّه حين قرّر أن يـنـهـض بـتـبـعات دينه وأمّته کان قراره هذا آتياً من أعماق روحه وضميره، وليس من حرکة أهل الکوفة ودعوتهم إيّاه» (حياة الامام الحسين (ع) 2:322).