بازگشت

منزل الامام الحسين بمكة


صـرّح الذهـبـي بـأنّ الامـام الحـسـيـن (ع) «نـزل بـمـكـّة دار العـبـّاس»، [1] وكـذلك قال المزّي، [2] ومن قبلهما ابن عساكر، [3] غير أنّ بعضاً آخر من المؤرخين ذكروا أنـه (ع) «نـزل فـي شـِعـب عـليّ(ع»)، [4] ولامنافاة بين القولين و لانّ دارالعبّاس بن عبدالمطلب كانت في شعب عليّ(ع).

لكن السؤال الذي قد يفرض نفسه هنا هو:

لماذا اختار الامام الحسين (ع) دار العبّاس بن عبدالمطّلب؟

هـل هـناك غرض سياسي أو اجتماعي أو تبليغي من ورأ ذلك؟ أم أنه (ع) لم يُرد أن يكون لاحدٍ عـليـه مـنـّة بـذلك؟ أو أنـّه (ع) خـشـي أن يـنـزل عـلي أحـدٍ فـيـكـلّف المـنـزول بـه ثـمـناً باهضاً وحرجاً شديداً، لانّ السلطة الاموية بعد ذلك سوف تضطهد صاحب المـنـزل بـأشـدّ عـقـوبـاتـهـا؟ أو أنـه (ع) لم يـُرد أن يـمـنـح رجـلاً مـن أهـل


مـكـّة بـنـزوله عنده اعتباراً اجتماعياً ومنزلة في قلوب الناس لا يستحقّها أو يستثمرها بعد ذلك لمنافعه الخاصة؟

أم أنّ الامـام (ع) لم ينزل من دور بني هاشم في مكّة إلا دار العباس بن عبدالمطلب لانّ بني هاشم لم تبق لهم دار في مكّة إلاّ دار العبّاس، ذلك لانّ عقيل ابن أبي طالب كان قد باع دور المهاجرين مـن بـنـي هـاشـم خشية أنّ تستولي عليها قريش وتصادرها، لانّ قريشاً عمدت حينذاك الي مصادرة مـنازل المهاجرين من المسلمين الي المدينة انتقاماً وإرهاباً، ولم يكن العبّاس بن عبدالمطلب قد هاجر آنذاك علي فرض إسلامه حين هجرة النبي (ص) فسلمت داره من المصادرة.

يـقـول الواقـدي: «قـيـل للنـبـي: ألا تـنـزل مـنـزلك مـن الشـعـب؟ قـال: فـهـل تـرك لنـا عـقـيـل مـنـزلاً؟ وكـان عـقـيـل قـد بـاع [5] منزل رسول اللّه (ص) ومنزل إخوته من الرجال والنسأ بمكّة». [6] .

ويـعـلل السـيـد عـلي خـان الشـيـرازي هـذه المـصـادرة قـائلاً: «كـان عـقـيـل قـد بـاع دور بـنـي هـاشـم المـسـلمـيـن بـمـكـّة، وكـانـت قـريـش تـعـطـي مـن لم يـُسـلم مـال مـن أسـلم، فـبـاع دور قـومـه حـتـي دار رسـول اللّه (ص)، فـلمـا دخـل رسـول اللّه (ص) مـكـّة يـوم الفـتـح قـيـل: ألا تـنـزل دارك يارسول اللّه (ص)؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من دار؟». [7] .

أمـّا الشـيـخ الطـوسـي فـيـعـلّل هـذه المـصـادرة بـسـبـب الهـجـرة لا بـسـبـب الاسـلام فـقـط حـيـث يـقـول: «.. قـول النـبـي (ص) يـوم فـتـح مـكـّة وقـد قـيـل له: ألا تنزل دارك؟ فقال:


وهل ترك لنا عقيل من ربع؟ لانه كان قد باع دور بني هاشم لمّا خرجوا الي المدينة..». [8] .

وفـي الاجـابـة عـن السـؤال المـثـار حـول سـبـب اخـتـيـار الامـام (ع) دار العـبـّاس بـن عـبدالمطّلب نـقول: مما لاشك فيه أنّ سبب هذا الاختيار لاينحصر في كون دار العبّاس هي الدار السانحة آنذاك، وذلك لانّ الامـام (ع) كـان مـقـتـدراً ذا سـعـة، وكـان بـإمـكـانـه بـل مـن اليـسـيـر عليه أن يهيأ داراً أو أكثر من دار في مكة له ولغيره من أفراد الركب الحسينيّ، ونري ألا منافاة بين جميع الدواعي المعقولة لهذا الاختيار، سوأ التي ذكرناها في معرض التساؤل أو التـي لم نـذكـرهـا، فـمـن المـمـكـن أن يجتمع السبب السياسي مع السبب الاجتماعي مع السبب التـبـليـغـي مـع الاسـبـاب الاخـري وتـتـعـاضـد جـمـيـعـهـا فـي مـتـّجـه واحـد لتشكّل العلّة التامّة لهذا الاختيار.


پاورقي

[1] تأريخ الاسلام: حوادث سنة 61، صفحة 8.

[2] تهذيب الکمال، 4: 489.

[3] تأريخ دمشق، 14: 182.

[4] الاخبار الطوال: 229، وحياة الامام الحسين 2: 308.

[5] ولعـل عـقـيـلاً قـد قـام بـذلک بـرضـا أصـحـاب المـنـازل مـن بـنـي هـاشـم أو مـحـرزاً لرضـاهـم وتـوکـيـلهـم إيـّاه، لانّ عـقـيـلاً أجل شأناً وأنزه من أن يدفع غصباً بغصب.

[6] المغازي 2: 829.

[7] الدرجات الرفيعة: 154. وراجع الذريعة 8: 60.

[8] التبيان 9: 369، ومجمع البيان 9: 147.