بازگشت

هل لقي الامام ابن عباس و ابن عمر في الطريق الي مكة


قـال ابـن الاثـيـر فـي الكـامل: (وقيل إنَّ ابن عمر كان هو وابن عبّاس بمكّة فعادا إلي المدينة، فلقيهما الحسين وابن الزبير فسألاهما: ماوراء كما!؟

فقالا: موت معاوية وبيعة يزيد!

فقال ابن عمر: لاتفرّقا جماعة المسلمين). [1] .

أمـا الطـبـري فقال: (فزعم الواقدي أنّ ابن عمر لم يكن بالمدينة حين ورود نعي معاوية وبيعة يـزيـد عـلي الوليـد، وأنّ ابـن الزبـيـر والحـسين لمّا دعيا إلي البيعة ليزيد أبيا، وخرجا من ليـلتـهـمـا إلي مـكـّة، فـلقـيـهـمـا ابـن عـبـّاس وابـن عـمـر جـائيـيـن مـن مـكـّة


فـسـألاهـمـا: مـا وراءكما...) [2] إلي آخر خبر ابن الاثير بتفاوت يسير.

وأمـّا ابـن كـثـيـر فـي تـأريـخـه [3] فـقـال: (وقال الواقدي...) ثمّ أورد نفس رواية الطبري بتفاوت يسير.

والظـاهـر أنّ هذه الرواية لم يروها أحدٌ من المؤرّخين غير هؤلاء الثلاثة إضافة إلي الواقدي الذي نسبها إليه إثنان منهما!

وقـول ابـن الاثـيـر فـي تـصـديـر الروايـة: (وقـيـل)، وقول الطبري: (فزعم الواقدي)، يشعران بعدم اطمئنانهما إلي هذا الزعم وبضعف هذه الرواية، خـاصـّة وأنـّهـمـا قد رويا في تأريخيهما أنّ عبداللّه بن عمر كان في المدينة حينما كان الامام الحـسـيـن (ع) فيها قبل خروجه منها. [4] كما أنّ هذه الرواية مخالفة لما هو مشهور من أنّ عـبـداللّه بـن عـبّاس خاصّة كان في مكّة حينما دخلها الامام الحسين (ع)، ومن روايات هذا المشهور قـول الديـنـوري فـي الاخـبـار الطـوال: (وأمـّا عـبـداللّه بـن عـبـّاس فـقـد كـان خـرج قـبـل ذلك بأيّام إلي مكّة)، [5] وقول ابن أعثم الكوفي وقد نقله عنه الخوارزمي: (وأقـام الحـسـيـن بـمـكـّة بـاقـي شـهـر شـعـبـان، وشـهـر رمـضـان، وشـوّال، وذي القـعـدة، وبـمـكـّة يـومـئذٍ عـبـداللّه بـن عـبـّاس ‍ وعـبـداللّه بـن عـمـر بـن الخـطـّاب...). [6] .

هـذا فـضلاعن أنّ هذه الرواية مخالفة لما ذهب إليه جلّ المؤرّخين من


الفريقين من أن عبداللّه بن الزبـيـر خـرج إلي مـكـّة قبل الامام الحسين (ع)، إذ خرج ابن الزبير في سواد نفس الليلة التي اسـتدعاه إلي البيعة فيها الوليد بن عتبة، فيكون الفارق الزمني بين مسيره إلي مكّة ومسير الامـام (ع) ليـلتـيـن أو ليـلة عـلي الاقـلّ، هـذا فضلاعن أنّ ابن الزبير تنكّب عن الطريق الاعظم الذي أصـرّ الامـام الحـسـيـن (ع) عـلي السـيـر عـليـه، مـمـّا يـدلّ عـلي أنـّهـمـا لم يـجـمـعـهـمـا مـنـزل مـن مـنازل الطريق، خصوصا وأنّ ابن الزبير قد جدّ في السير إلي مكّة كما يجدّ الهارب حتّي أنّ واحدا وثمانين راكبا من موالي بني أميّة طلبوه فلم يدركوه ورجعوا. [7] .

إذن فكيف يصحّ ما في هذه الرواية من أنّهما كانا معا حتّي لقيهما ابن عبّاس وابن عمر!؟

هـذه الروايـة إذن مخالفة للحقيقة التأريخيّة فضلاعن إرسالها وضعفها. [8] أمّا مـارواه ابن عساكر في تأريخه حيث قال: (وخرج الحسين وعبداللّه بن الزبير من ليلتهما إلي مـكـّة، وأصـبـح النـاس وغـدوا إلي البـيـعـة ليـزيـد وطُلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا... ولقـيـهـمـا عـبـداللّه بن عمر، وعبداللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة بالابواء منصرفين من العمرة، فـقـال لهـمـا ابـن عـمـر: أذكـّركـمـا اللّه إلاّ رجـعـتـمـا فـدخـلتـمـا فـي صـالح مـا يـدخل فيه الناس، وتنظرا، فإن اجتمع الناس ‍ عليه لم تشذّا عنهم، وإن افترق الناس عليه كـان الذي تـريـدان... وقـال له ابـن عـيـّاش: [9] أيـن تـريـد يـا ابـن


فـاطـمـة!؟ قـال: العـراق وشـيـعتي. فقال: إنّي لكاره لوجهك هذا، أتخرج إلي قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك حتّي تركهم سخطة ومَلَّةً لهم!؟ أذكّرك اللّه أن تغرر بنفسك...). [10] .

فـهـذه الروايـة كـتلك مخالفة للحقيقة التأريخيّة أيضا علي ضوء المناقشة التأريخيّة التي قدّمناها في ردّ الرواية الاولي، هذا فضلاعن ضعفها سندا [11] علي الاقلّ بجويرية بـن أسـمـاء الذي قـال فـيـه الامـام الصـادق (ع): (وأمـّا جـويـريـّة فـزنـديـق لايـفـلح أبدا). [12] .

ولو فرضنا صحّة وقوع المحاورة الاخيرة في رواية ابن عساكر بين ابن عيّاش ‍ وبين الامام (ع)، فـإنّ الدلائل التـأريـخـيـّة تـشـيـر إلي أنّ مـثـل هـذه المـحـاورات التي تحدّث فيها الامام (ع) بـصـراحـة عـن تـوجـّهـه إلي العـراق وشـيـعـتـه هناك لم تقع إلاّ في مكّة أثناء إقامته فيها أو قـبـيـل خـروجه منها، لانّ الامام (ع) لم يكشف عن نيّة عزمه علي التوجّه إلي العراق لكلّ محاور إلاّ في مكّة، وأمّا في المدينة وفي الطريق منها إلي مكّة فلم يكشف الامام (ع) عن هذه النيّة إلاّ لمن يثق بـهـم كـأمّ سلمة رضي اللّه عنها ومحمّد بن الحنفيّة (ر) مثلا، أمّا عبداللّه بن مطيع العدوي وأمثاله فكان (ع) لايكشف لهم إلاّ عن توجّهه إلي مكّة.

وعـبـداللّه بـن عـيـّاش [13] هـذا لم يـعـرف له قـرب مـن أهـل البـيـت: أو ولاء لهم، بل


الظاهر من نصّ هذه المحاورة التي رواها ابن عساكر هو أنّ عبداللّه هـذا ـ عـلي فـرض حـصـول هـذه المحاورة ـ لم يكن يُحسن حتّي مراعاة الادب مع الامام (ع) فضلاعن مـعـرفـة إمـامـته إذ يقول له: (أذكرّك اللّه أن تغرر بنفسك!)، فهو من نوع عبداللّه بن مطيع العـدوي بـل هـو أسـواء مـنـه لانّ هـذا الاخـيـر عـلي الاقـلّ كـان يحسن مراعاة الادب مع الامام (ع) والتودّد إليه في محاوراته معه.


پاورقي

[1] الکامل في التأريخ، 4: 17.

[2] تاريخ الطبري، 4: 254.

[3] البداية والنهاية، 8: 158.

[4] الکامل في التأريخ، 4: 17؛ وتاريخ الطبري، 4: 253 ـ 254.

[5] الاخبار الطوال: 228.

[6] مقتل الحسين (ع) (للخوارزمي)، 1: 190.

[7] راجع الارشاد: 222.

[8] لقـد ضـعـّف رجـاليـّو السـنـّة الواقـدي أشدّ التضعيف، راجع: سير أعلام النبلاء للذّهبي، 9: 454 ـ 469 رقم الترجمة 172.

[9] قـال المـحـمـودي فـي حـاشـيـة الصـفـحـة 201: هـذا هو الصواب المذکور في الطبقات الکـبـري، وفـي أَصـْلَيٍّْ کـليـهـمـا مـن تـأريـخ دمـشـق: (وقال له ابن عبّاس...).

[10] تـأريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع) تحقيق المحمودي:198ـ201،الحديث 225.

[11] وسندها هو:قال ابن سعد:وأنباءنا عليّبن محمّد، عن جويريّة بن أسماء، عن مسافع بن شيبة قال.

[12] اختيار معرفة الرجال (رجال الکشّي)، 2: 700، حديث 742.

[13] هـو عـبـداللّه بـن عـيـّاش بـن أبـي ربـيـعـة المـخـزومـي: قـيـل: کـان أبـوه قـديـم الاسـلام فـهـاجـر إلي الحـبـشـة فـولد له عـبـداللّه فـيـهـا، وقـيـل: إنّ عـبـداللّه هـذا أدرک مـن حـيـاة النـبـي (ص) ثـمـانـي سـنـيـن، وقـيـل: مـات حـيـن جـاء نـعـي يـزيـد بـن مـعـاوية سنة أربع وستّين. راجع: الاصابة في تمييز الصحابة، 2: 348، حديث 4877.