بازگشت

محمد بن الحنفية... النصيحة و الوصية


فـي صـبـاح آخـر نـهـار للامـام الحـسـيـن (ع) فـي المـديـنـة أقـبل إليه أخوه محمّد بن الحنفيّة (ر)، وقد غلبه الاسي والحزن، وطغي عليه القلق والخوف علي حياة الامام (ع)، وقد قلّب أوجه التفكير في الامر، ورأي أن يقدّم النصيحة بين يدي أخيه (ع)، فلمّا استقّر به المقام:

قـال: (يـا أخـي أنـت أحـبُّ الناس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولستُ أدّخر النصيحة لاحد من الخلق إلاّ لك، وأنـت أحقّ بها، تنحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت، ثمّ ابعث رسلك إلي النـاس فـادعـهـم إلي نـفسك، فإن بايعك الناس ‍ وبايعوا لك حمدت اللّه علي ذلك، وإن اجـتـمـع النـاس علي غيرك لن يُنقص اللّه بذلك دينك ولاعقلك ولاتذهب به مروّتك ولافضلك، إنـّي أخـاف عـليـك أن تـدخـل مـصـرا مـن هـذه الامصار، فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخري عليك، فيقتتلون، فتكون لاوّل الاسنّة غرضا، فإذا خير هذه الامّة كلّها نفسا وأبا وأمّا أضيعها دما وأذلّها أهلا!!

فقال له الحسين (ع): فأين أذهب يا أخي؟

قـال: إنـزل مـكـّة، فـإن اطـمـأنـّت بـك الدار بـهـا فـسـبـيـل ذلك، وإن نـبـت بـك لحـقـت بـالرمـال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلي بلد، حتّي تنظر إلي ما يصير أمر الناس إليه، فإنّك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا.

فقال: يا أخي، قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفّقا. [1] .


وفي رواية الفتوح: أخرج إلي مكّة، فإن اطماءنّت بك الدار فذاك الذي تحبُّ وأُحبُّ، وإن تكن الاخـري خـرجـت إلي بـلاد اليـمـن، فـإنـّهـم أنـصـار جدّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقـّهـم قـلوبا، وأوسع الناس بلادا، وأرجحهم عقولا،


فإن إطماءنّت بك أرض اليمن وإلاّ لحـقـت بـالرمـال وشـعـوب الجـبـال، وصـرت مـن بـلد إلي بـلد، لتـنـظـر مـا يـؤول إليه أمر الناس ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين.

فقال له الحسين (ع): يا أخي، واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجاء ولاماءوي لما بايعتُ واللّه يزيد بن معاوية أبدا، وقد قال (ص): (أللّهمّ لاتبارك في يزيد).

قال: فقطع عليه محمّد بن الحنفيّة الكلام وبكي، فبكي معه الحسين ساعة..

ثـمّ قـال: (جـزاك اللّه يـا أخـي عنّي خيرا، ولقد نصحت وأشرتَ بالصواب، وأنا أرجو أن يـكـون إن شـاء اللّه رأيـك مـوفـّقـا مـسدّدا، وإنّي قد عزمت علي الخروج إلي مكّة، وقد تهيّاءتُ لذلك أنا وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأمّا أنت يا أخي فلاعليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم، ولاتخف عليّ شيئا من أمورهم). [2] .

(ثمّ دعا الحسين (ع) بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لاخيه محمّد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

هـذا مـا أوصي به الحسين بن عليٍّّ بن أبي طالب إلي أخيه محمّد المعروف بابن الحنفيّة: أنّ الحـسـيـن يـشهد أن لاإله إلاّاللّه وحده لاشريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لاريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور، وإنّي لم أخـرج أشـرا ولابـطـرا ولامفسدا ولاظالما وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدّي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليٍّّ بن أبي طالب (ع)، فـمـن قـبلني بقبول الحقّ فاللّه أولي بالحقّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتّي يقضي اللّه بيني وبين


القـوم بـالحـقّ وهـو خـيـر الحـاكـمـيـن، وهـذه وصـيّتي يا أخي إليك وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أُنيب.

قـال: ثـمّ طـوي الحـسـيـن الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلي أخيه محمّد، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل). [3] .


پاورقي

[1] الارشاد: 222 ـ 223؛ ومحمّد بن الحنفيّة: هو محمّد بن الامام عليّ بن أبي طالب (ع): والحـنـفـيـّة لقـب أمـّه، وهـي خـولة بـنـت جـعـفـر بـن قـيـس بـن سـلمـة بـن ثـعـلبـة بـن الدول بـن حـنـيـفـة، وهـي مـن سـبـي اليـمـامـة الذيـن سبوا لولاية أمير المؤمنين (ع) وأرادوا بيعها فـتزوّجها أمير المؤمنين (ع)، وکان محمّد2 يتولّي الحسين (ع) ويتولّي عليّ بن الحسين (ع) بعد ما نطق له الحجر الاسود شاهدا بإمامته.

وکـان أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) يـقذف محمّدا2 في لهوات الحروب ولايسمح في ذلک بالحسنين (ع): وکـان يـقـول: هـو ولدي، وهـمـا إبـنـا رسـول اللّه (ص): وقـال بـعـض الخـوارج لمـحـمـّد بـن الحـنـفـيـّة 2: کـيـف يـسـمـح أبـوک بـک فـي الحـروب ويـبـخـل بـهـمـا!؟ فـقـال: أنـا يـمـيـنـه وهـمـا عـيـناه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه. (راجع تنقيح المـقـال، 3: 111 ـ 112)؛ وتـوفـّي مـحمّد بن الحنفيّة سنة ثمانين أو إحدي وثمانين (علي ما في تـنـقـيـح المـقـال) أو سـنـة أربـع وثـمـانـيـن (عـلي مـا فـي کـمـال الديـن وتـمـام النـعـمـة، 1:36)؛ وأمـّا تـخـلّفـه عـن الالتـحـاق برکب الامام الحسين (ع) فـالمـشـهـور أنّ ذلک بـسـسـب مـرضٍ کـان قـد ألمّ بـه، وقـد قـال العـلاّمـة الحـلّي فـي ذلک: (وأمـّا تـخـلّفـه عـن نـصـرة الحـسـيـن (ع) فـقـد نـقـل أنـّه کـان مـريـضـا، ويـحـتـمـل فـي غـيـره عـدم العـلم بـمـا وقـع عـلي الحـسـيـن (ع) مـن القتل وغيره...) (البحار، 42:110).

لکـنّ احـتـمـال عـدم عـلمـه بـمـصـيـر الامـام (ع) مـسـتـبـعـدٌ جـدّا لوجـود روايـات الاخـبارات الکثيرة بـمـقـتـل الحـسـيـن (ع) عـن النـبـي (ص) وعـن أمـيـر المـؤمـنـيـن (ع) وعـن الحـسـيـن (ع) نـفـسـه، ولايـحـتمل أنّ محمّد بن الحنفيّة 2 لم يکن علي علمٍ ببعضها علي الاقلّ!، کيف وقد روي عن محمّد نفسه حول أصحاب الامام الحسين (ع) قوله: (وإنّ أصحابه عندنا لمکتوبون بأسمائهم وأسماء آبـائهـم!!) (مـنـاقـب آل أبـي طـالب، 4: 53)؛ هـذا فـضـلاعـن الروايـات التـي تـقـول إنّ الامـام الحـسـين (ع) کان قد أخبر أخاه محمّدا بأنّه سوف يستشهد في مسيره هذا: ومنها الرواية الصحيحة (أو الموثّقة علي الاقلّ) والتي تخبر أنّ الامام (ع) بعث برسالة إلي محمّد بـن الحـنـفـيـّة وبـنـي هـاشـم يـقـول فـيـهـا: (... مـن لحـق بـي أسـتـشـهـد...) (کـامـل الزيـارات: 75، بـاب 24، حـديـث 10)، والروايـة الاخـري المـرويـّة بـأسـانـيد والتي تـقـول إنّ الامـام (ع) قـال لمـحـمـّد2: (واللّه يـا أخـي لو کـنـت فـي جـحـر هـامـّة مـن هـوامّ الارض لاستخرجوني منه حتّي يقتلوني) (البحار، 45: 99، باب 37).

[2] الفتوح، 5: 20 ـ 21.

[3] البـحـار، 44: 329 ـ 330، بـاب 37 نـقـلاعـن کـتـاب المقتل للسيّد محمّد بن أبي طالب.