بازگشت

مع العامل الاول من عوامل الثورة الحسينية


كـان العـامـل الاوّل مـن العـوامـل المـؤثـّرة فـي قـيـام الثـورة الحـسـيـنـيـّة المـقـدّسـة وهـو عـامـل رفض البيعة ليزيد قد أعلنه الامام الحسين (ع) في زمن معاوية أيّام سعيه إلي أخذ الامّة بالبيعة ليزيد بولاية العهد.

وكانت قاطعيّة الامام (ع) في رفض البيعة ليزيد منذ تلك الايّام وإلي أن صار يزيد حاكما هي هي لم تتذبذب ولم يعتورها ضعف أو فتور.

وكـان مـعـاوية قد أغمض عن موقف الامام (ع) الصارم في رفض البيعة ليزيد لانّه كان يؤثّر الحـفاظ علي حالة المتاركة مع الامام (ع) ويحرص علي عدم التحرّش به وإثارته لاسباب كنّا قد قدّمنا التفصيل فيها قبل ذلك.

ومـع أنّ الامـام (ع) كـان قـد أعـلن عـن رفـضـه القـاطـع للبيعة بولاية العهد ليزيد في زمن مـعـاويـة، فـإنّ عـامل رفض البيعة لم يُشعل فتيل الثورة الحسينيّة أيّام معاوية لانّ الامام (ع) كان بدوره أيضا يؤثر آنذاك الصبر علي حالة المتاركة مع معاوية وعدم القيام مادام معاوية حيّا لاسـبـاب قـدّمـنـا التفصيل فيها أيضا فيما مضي تحت عنوان: (لماذا لم يثر الامام الحسين (ع) عـلي مـعـاويـة!؟)، ولانّ يـزيـد آنـذاك لم يـكـن قـد صـار بالفعل حاكما بعد أبيه.


عـلي هـذا، فـالمـواجـهـة بـيـن الامـام الحـسـيـن (ع) وبـيـن الحـكـم الامـويّ كـانـت مـعـلنـة مـن قـبل الامام (ع) منذ ذلك الوقت، لكنّها كانت مؤجّلة مادام معاوية في الحياة، ومادام يزيد لم يصبح حاكما بعده بالفعل.

وهنا قد يُثار هذا السؤال وهو:

لو أنّ يـزيـد بـعـد أن أصـبـح حـاكـمـا بـعـد أبـيـه بـالفـعـل لم يـكـن قـد طـلب البـيـعـة مـن الامـام الحسين (ع)، وترك الامام الحسين (ع) وشأنه، هل كان الامام (ع) سيسكت عن حكومة يزيد، ويؤثر القعود والمتاركة وعدم القيام!؟

وفي الاجابة عن هذا السؤال لابدّ من التذكير بهذه الحقيقة وهي:

أنّ التـفـكـيـك بـيـن عـامـل رفـض البـيـعـة ليـزيـد وبـيـن عـامـل طـلب الاصـلاح فـي الامـّة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر تفكيك إعتباريّ غير حقيقيّ، هذا التـفـكـيـك نـتعاطاه في الذهن ولاحقيقة له في الخارج، إذ إنّ هذين العاملين ممتزجان في الحقيقة منذ البـدء، فـمـا رَفـْضُ الامـام (ع) لهـذه البـيـعـة إلاّ كـي لاتـتحقّق المفسدة ويُقضي علي الصلاح ويـتـلاشي المعروف ويستحكم المنكر، وما طلب الامام (ع) الاصلاح والتغيير في أمّة جدّه والامر بـالمـعـروف والنـهـي عـن المنكر إلاّ كي يقضي علي الفساد والمنكر الذي من أهمّ مصاديقه الحكومة الفاسدة التي علي رأسها رجل متهتّك مثل يزيد.

والمتأمّل في البيانات الاولي التي صرّح بها الامام (ع) يكتشف بوضوح حقيقة الامتزاج الذي لايـقـبـل التفكيك بين هذين العاملين، إنّ رفض الامام (ع) البيعة ليزيد في مجلس والي المدينة آنـئذٍ الوليـد بـن عـتـبـة كـان قـد امـتـزج مـنـذ اللحـظـات الاولي بـعـامـل طـلب الاصـلاح فـي الامـّة وإقـامـة الخـلافـة الحـقـّة فـي احـتـجـاجـه (ع) حـيـن قال للوليد بن عتبة:


(أيّها الامير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، وبنا فتح اللّه وبـنـا خـتـم، ويـزيـد رجـل فـاسـق، شـارب خـمـر، قـاتـل النـفـس ‍ المـحـرّمـة، مـلعـنٌ بالفسق، ومثلي لايبايع مثله، ولكنّ نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة). [1] .

كـمـا يـلحظ المتأمّل أيضا حقيقة الامتزاج بين هذين العاملين في احتجاجات الامام الحسين (ع) علي معاوية في قضيّة البيعة ليزيد بولاية العهد.

وامـتـزاج عامل رفض البيعة بعامل طلب الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني أنّ الامـويـّيـن لو تـركـوا الامـام الحـسين (ع) وشأنه، ولم يطالبوه بالبيعة لماتركهم وشأنهم ولماكفّ عنهم.

ولايـخـفـي أنّ قـاطـعـيـّة الامام الحسين (ع) في رفض البيعة ليزيد، والتي عبّر عنها الامام (ع) بقوله لاخيه محمّد بن الحنفيّة قائلا:

(يـا أخـي واللّه لو لم يـكـن فـي الدنـيـا مـلجـاء ولامـأوي لمـابـايـعـتُ واللّه يـزيـد بـن مـعاوية أبـدا)، [2] لم تـنـشـاء عـن سـبـب شـخـصـيٍّ، بل عن سبب مبدئيٍّ.

لقـد آثـر الامـام الحسين (ع) أن يقتل ولايقبل بالبيعة ليزيد لانّ خطر مبايعة يزيد كان موجّها للاسـلام وليـس لشـخـص الامـام (ع)، أي أنّ هـذا الخـطـر كـان يـهـدّد النـظـام الكليّ للاسلام وفـلسـفـة قـيـام الحـكـم الاسـلامـي، وهـي ليـسـت مـسـألة جـزئيـّة أو فـرعـيـّة تتحمّل التقيّة.

كـانـت بـيـعـة الامـام (ع) ليـزيـد تـعـنـي إضـفـاء المـشـروعـيـّة والمـصـادقـة عـلي تـحـوّل


شـكـل الحـكم الاسلامي إلي ملك وراثيٍّّ عضوض، وهذا يعني في جملة ما يعنيه بقاء الحكم والسـلطـة فـي البـيت الامويّ، الامر الذي يعني بدوره أيضا بقاء الحكم والسلطة في يد أخطر فصيل من فصائل حركة النفاق التي دأبت تسعي ـ منذ رحلة النبيّ (ص) إلي القضاء التدريجي علي الاسلام المحمّديّ الخالص.

ولمـّا انـتـهـي الامـر إلي مـعـاويـة بـن أبـي سـفـيـان، تـمـكـّن هـذا الرجـل الداهـيـة مع طول المدّة وعمق الحيلة وتعدّد الاساليب من أن يخدع جلّ هذه الامّة الاسلاميّة علي كـلّ الاصـعـدة، فـلم يـعـد أكـثـر هـذه الامّة يري إلاّ ما يطرحه الامويّون تحت عنوان الاسلام أو يـرتـضـونـه مـن الاسـلام عـلي صـعـيـد الاعـتقاد والتشريع والاخلاق، حتّي صار أكثر الناس لايـعـرفون إلاّ (الاسلام الامويّ)، ولايرون فصلابين الامويّة والاسلام، ولايدرون أنّ الحقيقة شي آخر غير هذا!!.

فـلو أنّ الامـام الحـسـيـن (ع) كـان قـد بـايـع يـزيـد، لكـان بذلك قد صادق علي أُكذوبة عدم الفـصـل بـيـن الامـويـّة والاسلام، وصادق علي مشروعيّة وحقّانيّة (الاسلام الامويّ)، وصادق علي مـشروعيّة كلّ مبتدعات حركة النفاق، ووقّع معترفا بصحّة الانحراف وبمشروعيّة استمراره... وهذا لايعني إلاّ المصادقة علي القضاء التامّ علي الاسلام المحمّدي الخالص.

مـن هـنـا أكـّد الامـام الحـسـيـن (ع) عـلي أنّ مـبـايـعـتـه ليـزيـد هـي القـضـاء عـلي الاسـلام حـيـن قال لمروان بن الحكم:

(إنـّا للّه وإنـّا إليـه راجـعـون، وعـلي الاسـلام السـلام إذ قـد بـُلِيـت الامـّة بـراعـٍ مثل يزيد). [3] .


ومـن نـافـلة القـول بـعد هذا أن نذكّر بأنّ مبايعة الامام الحسين (ع) ليزيد كانت تعني أيضا ـ فـضـلاعـن القـضاء التامّ علي الاسلام ـ إضفاء المشروعيّة والمصادقة علي كلّ سوءات ومساءات الحكم الامويّ، ومنها سبّ الامام عليٍّ (ع) ولعنه، وهو ما كان قد شرع به في زمن معاوية.



پاورقي

[1] الفتوح، 5: 14.

[2] الفتوح، 5: 21.

[3] الفتوح، 5: 17.