بازگشت

لماذا طلب الامام ان يدعـي الي البيعة علنا مع الناس


ويلاحظ أيضا في هذا اللقـاء أنّ الامـام (ع) بـأسلوب الحكيم الواثق المطمئن قد أجاب الوالي حين طلب منه البيعة ليزيد قائلاـ علي ما في رواية الفتوح ـ:

(إنّ مـثـلي لايعطي بيعته سرّا، وإنّما أحبّ أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة، ولكن إذا كـان مـن الغـد ودعـوتَ النـاس إلي البـيـعـة دعـوتنا معهم فيكون أمرنا واحدا)، ولاشك أن أيّ مطّلع يقطع بأنّ الامام الحسين (ع) لايبايع يزيد وإن


حضر اجتماع الناس في المسجد للبيعة، أ ليس هو القائل لاخيه محمّد بن الحنفيّة:

(يا أخي، واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجاء ولامأوي لمابايعت يزيد بن معاوية؟).

إذن مـا هـوالهـدف المـنـشـود مـن وراء هـذا الطـلب الذي عـرضـه الامـام (ع)؟ هـل كـان السـبـب وراء هـذا الطـلب هـو أنّ الامـام (ع) أراد أن يـتخلّص من ضغط الاحراج في دعوة الوالي إيـّاه لبـيـعـة يـزيـد فـي هـذا اللقـاء، فـسـعـي إلي تأجيل ذلك رغبة في الحصول علي مهلة أوسع للتخلّص من هذه الورطة!؟

إذا تذكّرنا أوّلا: أنّ الامام (ع) لايبايع يزيد لاسرّا ولاعلنا، وثانيا: أنّه (ع) قد احتاط لكلّ مـكـروه مـحـتـمـل فـي هـذا اللقـاء وللامـتناع علي أيّ قهرٍ فيه بقوّة عسكريّة كافية لدي الباب، وثـالثـا: أنـّه (ع) في ختام هذا اللقاء كان قد أعلن عن استحالة مبايعته ليزيد (مثلي لايبايع مـثـله)، بـل أعـلن عـن خـروجـه وقـيـامـه فـي نـفـس هـذا اللقـاء حـيـن قـال: (ولكـنّ نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة)، علمنا أنّ التـأجـيـل رغـبة في الحصول علي مهلة أوسع للتخلّص من ورطة إحراج المطالبة بالبيعة لم يكن السبب وراء هذا الطلب.

إنّ مـا أوصلنا إليه التأمّل في هذه المسألة هو: أنّ الامام الحسين (ع) أراد في إجابته علي طـلب الوالي مـنـه البـيـعـة ليـزيـد بـأن يـُدعـي إليـهـا علنا مع الناس: إستثمار قوّة وسعة تـأثـيـر العـامـل الاعـلامـي والتـبليغي في الاجتماع الجماهيري العام الذي تدعي إليه الامّة في المـديـنـة للبـيـعـة عـادة، ذلك لانـّه (ع) لو أعـلن عـن رفـضـه البـيـعـة ليـزيـد أمـام جـمـاهير أهـل المدينة، وفضح أمام هذه الجموع الحاشدة حقيقة يزيد في فسقه واستهتاره، وحرّضهم علي رفـض البـيـعة له، واستنهضهم للثّورة ضدّه، وأعلن أمامهم عن قيامه هو (ع)، وبيّن لهم ما هو عـازم عـلي النـهـوض بـه، ودعـاهـم


بـمـا هـو مـأثـور وشـائع مـن الاخـبـار عـن رسـول اللّه (ص) فـي حـقـّه إلي تـأيـيـده ونـصـرتـه والخـروج مـعـه، لكـان لهـذا العمل أثرٌ كبيرٌ جدّا علي أهل المدينة باتّجاه تعبئتهم لرفض البيعة ليزيد ولنصرة الامام (ع)، لوكان قد تحقّق للامام (ع) بالفعل ما كان يرجوه من وراء هذا الطلب.

ولكـنّ مـروان الخـبـيـث كـان قـد فـطـن إلي خـطـورة نـتـائج هـذا الطـلب، فـتدخّل ليحول دون نجاحه حيث طلب من الوليد أن يحبس الامام (ع) عنده حتّي يبايع أو يضرب عـنـقه، فاضطرّ الامام (ع) إلي التعجيل بالكشف عن موقفه صراحة في رفض البيعة ليزيد، والاعـلان عـن ذلك فـي نـفـس اللقـاء مـتـخـلّيـا عـمـّا كـان يـرجـوه فـي الاجـتـمـاع العـامّ مـن أثـر العامل الاعلاميّ والتبليغيٍّّ في كسب التأييد الجماهيري لنصرة قيامه (ع).