بازگشت

و لولا هواي في يزيد لابصرت رشدي و عرفت قصدي


(الفتوح، 4: 344؛ والبداية والنهاية، 8:126) هذه العبارة من أقوال معاوية التي لايمكن لمؤرّخ يتلمّس حقائق الامور في ماوراء السطور أن يمرَّ عـليـها مرور الكرام دون أن يتأمّل في أبعاد دلالتها، ذلك لانّها من نوع العبارات التي تصدر عـن الطـواغـيـت فـي حـالة من حالات الاسترخاء والضعف النفسي التي تتكشف فيها الاعماق المكنونة وتظهر فيها المضمرات علي فلتات اللسان.

تُري ما هو هذا الرشد الذي عناه معاوية بقوله هذا!!؟

هـل هـو الايـمـان والاسـتـقـامـة عـلي الصراط المستقيم وردّ حقّ كلّ ذي حقٍّ إليه والانابة إلي اللّه تبارك وتعالي والتوبة إليه..!؟

لاشك أنّ الرشد الذي عناه معاوية ليس هذا، لانّ وجود يزيد وحبّ معاوية الشديد له وتعلّقه به لم يـكـن يـومـا مـا عـائقـا عـن نـيـل هـذا الرشـد والوصـول إليـه، بـل العـكـس هـوالمـحـتـمـل احـتـمـالاقـوّيـا، وهـو أنّ رشـاد مـعـاويـة لو كـان راشـدا يحتمل احتمالاكبيرا أن يكون سببا في رشاد يزيد وهدايته.

وقد يتصوّر البعض أنّ معاوية كان علي يقين بأنّ يزيد ليس أهلالتولّي زمام


الحـكـم، وكـان إصـرار مـعـاويـة عـلي اسـتخلاف يزيد إصرارا علي ذنب كبير متيقّن، كما صرّح مـعـاويـة بـذلك ليـزيـد فـيـمـا نـسـب إليـه: (مـا ألقـي اللّه بـشـيٍ أعظم من استخلافي إيّاك.) [1] وقـد اقـتـرف مـعـاويـة وزرا عـظـيـمـا فـيـمـا جـنـاه عـلي الامـّة بتحويل الخلافة إلي ملك عضوض لايُعني فيه بإرادة الامّة واختيارها!!

ولكـن، مـتـي كـان الاب أهـلاوصـالحـا حـتـّي يـري عـدم تأهّل إبنه وزرا!؟

وهـل حـكم الاب بإرادة الامّة واختيارها حتّي يري تحوّل الحكم إلي ملك عضوض وزرا كبيرا يلقي اللّه بـه!؟ والاب هـو القـائل: رضـيـنـا بـهـا مـلكـا، وأنـا أوّل الملوك، مستهزئا بالخلافة وباختيار الامّة!!

إنّ الرشـد الذي عـنـاه مـعـاويـة هـو: تـهـيـئة كـلّ عوامل دوام الحكم الامويّ وبقائه، واستمرار آثار ضلاله علي الارض!!

وتوضيح ذلك: أنّ معاوية بما لديه من خبرة عميقة، وتجربة طويلة، ودهاء نادر، كان يعلم أنّ استمرار نجاح جهود حركة النفاق التي انتجت الحكم الامويّ الجاهلي المتستّر بالمظهر الاسلامي، يقتضي فيما يقتضيه أن يأتي بعد معاوية حاكم آخر داهية أيضا يتصنّع الايمان والحكمة والحلم، ولايـرتـكـب مـن الحـمـاقات ما يفضح خطّة التستّر بلباس الدين، حتّي تستمرّ الخدعة إلي وقت لايبقي من الدين إلاّ إسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه، ومن التشريع إلاّ ما وافق الشرعة الامويّة.. هذا هوالرشد الذي عناه معاوية!!

ومـعـاويـة يـعـلم أنّ هـذه المـتـطـلّبـات لاتـتـوفـر فـي يـزيـد، بـل في يزيد من الرعونة والحماقة والافتضاح ما يكفي لهدم ما بنته حركة النفاق طيلة خمسين سنة بعد


رسول اللّه (ص)...

لكـنّ مـعـاوية في حبّه لذاته وليزيد كامتداد وجودي ونسبي له كان قد أصرَّ علي استخلاف يزيد انقيادا لهذا الهوي، وهذا هو معني التعارض الذي عناه في عبارته:

ولولاهواي في يزيد لابصرت رشدي..

وقـد ظـنّ مـعـاويـة عـلي مـا يـبـدو أنّ نـقـاط الضـعف في شخصيّة يزيد يمكن أن تعالج بوصايا تـفـصـيـليـّة يـوصـي بها، وبإحاطته بمستشارين أكفاء يحولون بينه وبين أن يرتكب حماقة كبري لايجبر كسرها ولايرتق فتقها.

وهـكـذا كـان، ومـن أهـمّ وصـايـا مـعـاويـة لابـنـه يـزيـد الوصـيـة التـي رسـم له فـيـهـا كـيـفـيـّة التعامل مع روؤس المعارضة، والتي ورد فيها:

(أنـظـر أهـل الحـجـاز فـإنـّهـم أصـلك، فـأكـرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وأنظر أهـل العـراق فـإنْ سـألوك أن تـعـزل عـنـهـم كـلّ يـوم عـامـلافـافـعـل، فـانّ عـزل عـامـل أحـبّ اليّ مـن أن تـُشـهـر عـليـك مـائة ألف سـيـف، وانـظـر أهـل الشـام فـليـكـونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شي من عدوّك فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلي بلادهم، فإنّهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم.

وإنـّي لست أخاف من قريش إلاّ ثلاثة، حسين بن عليّ، وعبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن الزبير، فـأمـّا ابـن عـمـر فرجلٌ قد وقذه الدين (!) فليس ملتمسا شيئا قبلك. وأمّا الحسين بن عليّ فإنّه رجـل خـفـيـف (!) وأرجـو أن يـكـفـيـكـه اللّه بـمـن قـتـل أبـاه وخـذل أخـاه، وإنّ له رحـمـا مـاسـّة وحـقـّا عـظـيـمـا وقـرابة من محمّد صلّي اللّه عليه وسلّم ولاأظنّ أهـل العـراق تـاركـيه حتّي يخرجوه، فإن


قدرت عليه فاصفح عنه، فإنّي لو أنّي صاحبه عـفـوت عـنه. وأمّا ابن الزبير فإنّه خَبُّ ضبُّ، فإذا شخص لك فالَّبد له، إلاّ أن يلتمس منك صلحا، فإن فعل فاقبل، واحقن دماء قومك ما استطعت). [2] .

هـذه الوصـيـة ـ مـع ما أريد فيها من ثناء علي ابن عمر وإسأة للامام (ع) ـ تنسجم تماما مع الخطّ العـام لمـنـهـج مـعـاويـة، خاصّة في نوع التعامل المطلوب مع الامام الحسين (ع)، ذلك لانّ معاوية يـدرك تـماما أن قتل الامام الحسين (ع) في مواجهة علنيّة عموما وبالطريقة التي يختارها ويرسم حـركـة أحـداثـهـا الامـام الحـسـيـن (ع) خـصـوصـا سـيـقـلب السـحـر عـلي السـاحـر، وسيفصل الاسلام عن


الامويّة، ويمزّق الاطار الديني الذي يتشبّث به الحكم الامويّ، ويمنح الامّة روحـا ثـوريـّة وتـضـحـويـّة جـديـدة خـالصـة مـن كـلّ شـوائب وآثـار الشلل النفسي، وبذلك تتتابع الثورات ضدّ الحكم الامويّ، وعندها يبداء العدّ التنازلي لعمر هـذا الحـكـم حـتـّي يـصـل إلي نـهـايـته المحتومة، فيمسي خبرا من أخبار تأريخ الامم، وحديثا من أحاديث الحضارات البائدة، ولن تجد لسنّة اللّه تبديلا.

من هنا..يطمئنّ الباحث المتأمّل إلي أنّ معاوية ـ لهذه الاسباب ـ لابدّ أن يوصي يزيد بالمتاركة مـع الامـام الحـسـيـن (ع) وبـعـدم إثـارتـه والتـعـرّض له بـمـا يـدفعه إلي التمرّد والخروج والثورة، وبالعفو عنه في حال المقدرة عليه.

وليـس ذلك مـن مـعـاويـة حبّا للامام (ع)، بل حرصا علي بقاء واستمرار الحكم الامويّ، وخوفا من النتائج الضارّة التي تفرزها المواجهة العلنيّة معه.

وقـد رويـت هـذه الوصـيـّة فـي المـصـادر التأريخيّة بصورة أخري [3] ، فيها أنّ مـعاوية تخوَّف علي يزيد من أربعة لامن ثلاثة، والرابع هو عبدالرحمن بن أبي بكر، في حين أنّ هـذا الاخـيـر كـان قـد تـوفـّي قـبل معاوية، ممّا دفع ببعض ‍ المحقّقين [4] إلي رفـض هـذه الوصـيـّة والقـول بـأنـّهـا مـكـذوبـة، لهـذا السـبـب ولاسـبـابٍ أخـري مـنـهـا أنـّه لايُعقل أن يوصي معاوية ابنه يزيد بالعفو عن الامام الحسين (ع) إن ظفر به!

إذ: (لم يـكـن مـعـاويـة بـالذي يـرعـي لرسـول اللّه (ص) حـرمـة أو قـرابة حتّي يوصي إبنه برعاية آل محمّد، كلاّ أبدا، فقد حارب الرسول في الجاهليّة حتّي أسلم كرها يوم فتح مكّة، ثمّ حـارب صـهـر الرسـول وخـليفته وابن عمّه عليّا، ونزا علي خلافة


المسلمين، وانتزعها قهرا، وسمَّ ابـن بـنـت الرسـول الحـسـن، فـهـل يـُصـدَّق بـعـد هـذا كـلّه أن يـوصـي بمثل ما أوصي به!؟) [5] .

والمـتـامّل يري أنّ استبعاد هذا المحقّق لهذه الوصيّة علي أساس هذا السبب، إنّما نشاء عن الخلط بـين المواجهة العلنيّة مع الامام (ع) والمواجهة السرية معه من حيث نوع الاثار والنتائج، أو عن تـصـوّر أنّ الامـر مـنـحـصـر فـي المـواجـهـة السـريـّة التـي يـتـمّ فـيـهـا قـتـل الامـام (ع) بـتـدبـيـر وتـخطيط من الحكم الامويّ في ظروف زمانيّة ومكانيّة يختارها ويصنعها الحكم الامويّ نفسه.

نـعـم، فـي المـواجـهـة السـريـّة يـمـكـن لمـعـاويـة أو يـزيـد أن يـتـوسـّل لقـتـل الامـام (ع) بـوسـائل مـتـعـدّدة، مـنـهـا السـمّ والاغـتـيـال، وغـير ذلك، ثمّ يُموِّهُ علي مقتله بأكثر من ادّعاء كاذب لتبرئة ساحته من تلك الجريمة، فـتـنـطـلي الحـيـلة عـلي الامـّة، ولايـكـون لمـقـتـله (ع) فـي مثل هذه المواجهة تلك الاثار المحذورة التي تكون لمقتله في مواجهة علنيّة مكشوفة.

ولكـنّ الامـر ليـس مـنـحـصـرا فـي احـتـمـال المـواجـهـة السـريـّة، بـل هـناك احتمال حصول المواجهة العلنيّة التي يستطيع فيها الامام (ع) نفسه أن يختار ظروفها الزمـانـيـّة والمـكـانـيّة ويصنع أجوأها الاعلاميّة والتبليغيّة كما يريد هو لاكما يريد معاوية أو يـزيـد، فـتـكـون كـلّ آثـارهـا ونـتـائجـهـا فـي صـالح الامـام (ع) وفـي ضرر الحكم الامويّ، كما حصل ذلك بالفعل في واقعة عاشوراء سنة إحدي وستّين للهجرة، الامر الذي كان يخشاه معاوية ويتحاشاه طيلة أيّام المواجهة بينه وبين الامام الحسين (ع).

لقد كان معاوية يعلم يقينا أنّه: في إطار مواجهة علنيّة وخصوصا المواجهة


التي تتمّ في ظروف زمـانـيـّة ومـكـانيّة وعسكريّة وإعلاميّة بتخطيط من الامام (ع) يكون العفو عن الامام (ع) عملاإعلاميّا لصـالح النـظـام الامـويّ، ولذا فـإنّ هـذه الوصـيـّة في هذه الحدود منطقيّة ومنسجمة مع دهاء معاوية ونمط تفكيره، ولايصحّ استبعادها.

وقال هذا الكاتب في الختام:

(ولو أنّ الوصـيـّة المـزعـومـة كـانـت صـحـيـحـة لمـا كـان يـزيـد لاهـمَّ له بـعـد مـوت أبيه إلاّ تـحـصـيـل البـيـعـة مـن الحـسـيـن وتـشـديـده عـلي عامله بالمدينة بلزوم إجبار الحسين علي البيعة). [6] .

و واضـحٌ أنـّه لاتـلازم بـيـن وجـود الوصـيـّة وبـيـن تـنـفـيـذهـا مـن قـبـل يـزيـد، فـمـن الممكن أن يوصي معاوية يزيد بأمور ثمّ لاينفّذها ولايأخذ بها يزيد، وقد أوصـي مـعـاويـة يـزيـد بـأمـور لم يـطـعـه فـيـهـا أيّام حياته، منها مثلاعدم إظهار التهتّك، والتستّر عليه، والفارق بين الشخصيّتين واضح وكبير!

وقد يُقال:

إنّ هـذه الوصيّة كانت في غياب يزيد، وقد حمّلها معاوية كلاّ من الضحاك بن قيس ‍ الفهري ومسلم بـن عـقـبـة المـرّي ليـوصـلاهـا إلي يـزيـد، ومـن المـحـتـمـل أنـّهـا لم تصل إليه!

وهـذا أمـر مستبعد، لم تحمل أيّة رواية تأريخيّة إشارة ما إلي احتماله. ومع هذا فإنّ من البعيد جـدّا أيـضـا أنّ مـعاوية منذ أن عزم علي استخلاف يزيد من بعده


لايكون قد شافه وطارح يزيد بـآرائه ووصـايـاه فـي كـلّ القـضـايـا المـهمّة التي ستواجه يزيد أثناء حكمه، ولاشك أنّ هذه القضيّة هي الاهمّ.

نعم، يمكن أن يقال في ختام بحث هذه المسألة:

إنّ معاوية بإصراره علي تنصيب يزيد من بعده، وأخذه الناس بالبيعة له بولاية العهد كان قد أمضي عمليّا قتل الامام الحسين (ع) من بعده، وذلك لانّه يعلم أنّ يزيد سيرتكب هذه الجريمة الشنعاء من طريقين علي الاقلّ هما:

أولا: كـان قـد انـتـشـر فـي الامـّة أن الامـام الحـسـيـن (ع) يـُقـتـل فـي أرض فـي العـراق يـقـال لهـا كـربـلاء مـع كـوكـبـة مـن أهـل بـيـتـه وأصـحـابـه، وكـان قـد انـتـشـر أيـضـا أنّ يـزيـد قـاتـله، بـل كـان عـمـر بـن سـعـد إذا دخـل مـسـجـد الكـوفـه أشـار النـاس إليـه قـائليـن: هـذا قاتل الحسين، حتّي شكا ذلك إلي الامام الحسين (ع) نفسه، كلُّ ذلك نتيجة ما تناقلته الامّة من الاخبارات الكثيرة بذلك، مأثورة عن النبيٍّّ (ص) وعن أمير المؤمنين والحسن والحسين (ع) وعن جمع من الصحابة.

فـهـل يـُعـقـل أنّ مـعـاويـة لم يـسـمـع بـذلك، وهـوالذي كـان يـتـابـع كلّ شاردة من أخبار الملاحم المـأثـورة عـن النـبـيٍّّ (ص) وعـن أمـيـرالمـؤمـنـيـن (ع) وخـصـوصـا فـيـمـايـتـعـلّق بمستقبل بني أميّة وعدد حكّامهم وكم يحكمون وما إلي ذلك.

ثـانـيـا: كـان مـعـاويـة يـتـبـاهـي أنـّه أعـرف النـاس بـالرجـال عـامـّة وبـقـريـش خـاصـّة، فـهل يُتصوّر أنّه لم يعرف يزيد ابنه وهو منه علي هذا القرب، من حيث التركيب النفسي والمؤثـرات الحـاكـمـة في شخصيّته والميول الطاغية عليه، وكيفيّة نظره في الامور وطريقة معالجته المـشـاكـل، بـل وحـقـده وحـنـقـه عـلي الامـام الحـسـيـن (ع) خـاصـّة، أليـس ‍ مـعـاويـة هـو القائل في رسالة للامام الحسين (ع): (ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة وبودّي أن يـكـون ذلك فـي زمـانـي فـأعـرف لك قـدرك


وأتجاوز عن ذلك، ولكنّي واللّه أتخوّف أن تُبتلي بمن لاينظرك فواق ناقة...) [7] يعني يزيد!؟

مـن هـنـا، فـإنّ النـتـيـجـة العـمـليـّة الاولي لاصـرار مـعـاويـة عـلي اسـتـخـلاف يـزيـد بـعـده هـي قـتـل الامـام الحـسـيـن (ع) عـلي عـلم مـن مـعـاويـة بـذلك، ولايـنـافـي هـذا أنـّه حاول أن يحول دون تحقّق هذا الامر بالتأكيدات والوصايا التي حثّ فيها يزيد علي المسامحة مع الامام (ع) والعفو عنه إن ظفر به.

وهـذا الاصـرار مـن معاوية علي استخلاف يزيد يعني أيضا أنّ معاوية الذي أشاد كيان الحكم الامويّ كان أوّل من أهوي بمعول الهدم علي هذا الكيان بتنصيبه يزيد حاكما بعده.

وقد حقّ له أن يقول:

ولولا هواي في يزيد لابصرت رشدي وعرفت قصدي!!


پاورقي

[1] حياة الامام الحسين (ع)، 2:197.

[2] تـاريـخ الطـبـري: 238 ـ 239؛ وقد روي الشيخ الصدوق (ره) في أماليه: 129 المجلس الثلاثون: حديث 1 هذه الوصية بتفاوت: عن الصادق: عن الباقر، عن السجّاد(ع)

وفـيـهـا: (لمـا حـضـرت مـعـاويـة الوفـاة دعـا إبـنـه يـزيـد لعـنـه الله فـأجـلسـه بـين يديه فقال له:...) وهذا کاشف عن أنّ يزيد تلقّي الوصيّة حضورا عن أبيه.

وفـيها:(..فأمّا عبداللّه بن عمر فهو معک فالزمه ولاتدعه..) وهذا کاشف عن انتماء ابن عمر في الحـقـيـقـة إلي حرکة النفاق، وعن تأييده للحکم الامويّ وإن أظهره الحکم الامويّ نفسه کأحد المـعـارضـيـن الذيـن يـُخـشـي مـنـهـم! إنـّه صـوت أمـويّ قـد انـدسّ فـي رجـال المـعـارضـة کـذبـا وزورا، والمـتـأمـّل في محاوراته مع الامام الحسين (ع) يري هذه الحقيقة واضحة تماما.

وفـيـهـا:(..وأمـّا الحـسـيـن (ع) فـقـد عـرفـتَ حـظـّه مـن رسـول اللّه (ص): وهـو مـن لحـم رسول اللّه ودمه: وقد علمتُ لامحالة أنّ أهل العراق سيخرجونه إليهم ثمّ يخذلونه ويضيّعونه، فـإن ظفرت به فاعرف حقّه ومنزلته من رسول اللّه (ص) ولاتؤاخذه بفعله، ومع ذلک فإنّ لنا به خلطةً ورحما وإيّاک أن تناله بسوء ويري منک مکروها...). وهذا کاشف عن أنّ موقف معاوية فـي ألاّيـواجـه الامـام (ع) مـواجـهـة عـلنـيـّة، وأن يـعـفـي عـنـه فـي حـال وقـوع مثل هذه المواجهة العلنيّة ـ وقد فسّرنا أسباب هذا الموقف في المتن ـ قد ذکرته منابع القريقين، الامر الذي يُضعف جدّا احتمال کون هذه الوصيّة مکذوبة علي معاوية.

[3] تاريخ الطبري، 4: 238؛ والکامل في التأريخ، 4: 6.

[4] راجع حياة الامام الحسين (ع)، 2: 236 ـ 238.

[5] حياة الامام الحسين (ع)، 2: 239.

[6] حـيـاة الامـام الحـسـيـن (ع)، 2: 239 نـقـلاعن بحث للاستاذ عبدالهادي المختار في مجلة الغري: السنة الثامنة: العدد 9 و10.

[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 18: 327.