بازگشت

الرواية 1


يقول ابن عساكر في مطلع ترجمته للامام الحسين (ع):

(ووفد علي معاوية، وتوجّه غازيا إلي القسطنطينيّة في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية). [1] .

لاشـك أنّ مـن له أدنـي مـعـرفـة بـشـخصيّة الامام الحسين (ع) وحكمته وإبائه ومعرفته بزمانه وأهـل زمانه ومنهم معاوية ويزيد خاصّة، لايحتاج في تفنيد هذه الرواية المكذوبة إلي تحقيق في سند ومناقشة في متن.

ومـع هـذا فـإنـّنـا نـقـول هـنـا: إنّ ابـن عـسـاكـر تـفـرّد بـهـذا الادّعـاء المُرسَل، ولم يأتِ له حتّي بشاهدٍ واحدٍ، ولو بخبرٍ ضعيفٍ!

وقـصـّة غـزوة القـسـطنطينية ذكرها ابن الاثير في (الكامل في التأريخ) في أحداث سنة تسع وأربـعـيـن ه كـذا: (فـي هـذه السـنّة، وقيل: سنة خمسين، سيَّرَ معاوية


جيشا كثيفا إلي بلاد الروم للغـزاة، وجـعـل عـليـهـم سـفـيـان بـن عـوف، وأمـر ابـنـه يـزيـد بـالغـزاة مـعـهـم، فـتـثـاقل واعتلَّ، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض ‍ شديد، فأنشاء يزيد يقول:



ما إن أبالي بما لاقت جموعهم

بالفرقدونة من حُمّي ومن مومِ



إذا اتكاءتُ علي الانماط مرتفقا

بدَيْرِ مُرّانَ عندي أمُّ كلثومِ



وأمّ كلثوم امرأته، وهي بنت عبداللّه بن عامر.

فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس، فـسـار مـعـه جـمـع كـثـيـر أضـافـهـم إليـه أبـوه، وكـان فـي هـذا الجيش ابن عبّاس ‍ وابن عمر وأبو أيّوب الانصاري وغيرهم، وعبدالعزيز بن زرارة الكلابي... ثمّ رجع يزيد والجيش إلي الشـام، وقـد تـوفـّي أبـوأيـّوب الانـصـاري عـنـد القـسـطـنـطـيـنـيـّة فـدفـن بـالقـرب مـن سورها...). [2] .

فـالمـتـيـقـّن مـن نـصّ ابـن الاثـير إذن: هو أنّ يزيد لم يكن قائد هذا الجيش وأميره، وأنّ الامام الحسين (ع) لم يكن في من حضر هذه الغزوة!

ويـؤكـّد الطـبـري فـي تـأريـخـه عـدم حـضور الامام الحسين (ع) في هذه الغزوة، وإن ادّعي أنّ أمـيرها يزيد، قائلا: (وفيها: كانت غزوة يزيد بن معاوية الروم، حتّي بلغ القسطنطينيّة، ومعه ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وأبوأيّوب الانصاري). [3] .

أمـّا اليـعـقـوبـي فـيـقـول: (وأغـزي معاوية يزيد ابنه الصائفة ومعه سفيان بن عوف الغامدي فسبقه سفيان بالدخول إلي بلاد الروم، فنال المسلمين في بلاد الروم


حمّي وجدري، وكانت أمّ كلثوم بنت عبداللّه بن عامر تحت يزيد بن معاوية، وكان لها محبّا...) [4] إلي آخر القصّة.

وأقـوي الادلّة عـلي عـدم حضور الامام الحسين (ع) هذه الغزوة التي لم يكن يزيد أميرها أيضا، هـو أنّ الفـضل بن شاذان (ره) سئل عن أبي أيّوب الانصاري (خالد بن زيد) وقتاله مع معاوية المـشـركـيـن، فـقـال (ره): (كـان ذلك مـنـه قـلّة فـقـه وغـفـلة، ظـنّ أنـّه إنـّمـا يـعـمـل عملالنفسه يقوّي به الاسلام ويوهي به الشرك، وليس عليه من معاوية شي كان معه أو لم يـكـن). [5] وهـذا التـصـريـح الصـادر عـن الفـضـل بـن شـاذان، وهـو مـن أصـحـاب الائمـة: الجـواد والهـادي والعـسـكـري (ع)، وقـيـل إنـّه من أصحاب الامام الرضا (ع) أيضا، وهو من أجلّ فقهاء الشيعة ومتكلّميهم في عصره، هـذا التـصـريـح كـاشـف عـن عـدم حـضـور الامـام الحـسـيـن (ع) فـي هـذه الغـزوة، وذلك لان الفضل لم يكن ليعيب علي أبي أيّوب إشتراكه فيها مع علمه باشتراك الامام (ع) فيها.

ولايقال إنّ هناك احتمالافي أنّ الفضل بن شاذان علم باشتراك أبي أيّوب ولم يعلم باشتراك الامـام (ع)، ذلك لانّ مـنـزلة الفـضـل العلميّة تمنع من ذلك، خصوصا وهو من أصحاب مجموعة من أئمـة الحـقّ (ع)، ثـمّ إنـّه لايـُتـصـوّر أنّ حـضـور أبـي أيّوب الانصاري في واقعةٍ ما أشهر وأظـهـر مـن حـضـور الامـام الحـسـيـن (ع) فـيـهـا بـطـبـيـعـة الحال!!

هذا ولو أنّ الامام (ع) كان قد اشترك فعلافي هذه الغزوة، لصار ذلك الحدث من أشهر مسلّمات التأريخ، لانّ الاعلام الامويّ خاصّة في عهد معاوية كان


سيستثمر هذا الحدث أوسع الاستثمار فـي التـبـليـغ والدعـايـة لصـالح النـظـام الامويّ في كلّ أنحاء البلاد الاسلاميّة، الامر الذي يجعل من قضيّة اشتراك الامام في هذه الغزوة أشهر من أن تخفي علي أحد، وأمنع من أن يرقي إليها شكّ!

مـن كـلّ مـا مضي يكون المتيقّن في قصّة هذه الغزوة أمران هما: عدم اشتراك الامام الحسين (ع) فيها، وثبوت اشتراك أبي أيّوب الانصاري (ره) فيها.


پاورقي

[1] ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع) المحمودي: 5.

[2] الکامل في التأريخ، 3: 458 ـ 459.

[3] تاريخ الطبري، 4: 173.

[4] تأريخ اليعقوبي، 1: 166.

[5] اختيار معرفة الرجال (رجال الکشّي)، 1: 177، حديث 77.