بازگشت

المواجهات الحادة


فـكـتـب مـعـاويـة إلي كـلّ مـن الامـام الحسين (ع) وعبداللّه بن عبّاس وعبداللّه بن جعفر وعبداللّه بن الزبير، وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم ثمّ يبعث إليه بجواباتها، وأمره بالحزم والتـصـلّب مـع الرفـق وتـجـنـّب الخـرق، وكـان مـمـّا أوصـاه فـي التـعـامـل مـع الامـام الحـسـين (ع) أن قال: (وانظر حسينا خاصّة، فلايناله منك مكروه، فإنّ له قـرابـة وحـقـّا عـظـيما لاينكره مسلم ولامسلمة، وهوليثٌ عرين، ولست آمنك إن شاورته أن لاتقوي عليه...). [1] .

وكـان كـتـاب مـعـاوية إلي الامام الحسين (ع): (أمّا بعدُ: فقد انتهت اليّ منك أمور، لم أكن أظنّك بـهـا رغـبـة عـنـهـا، وإنّ أحـقّ النـاس بالوفاء لَمن أعطي بيعته من كان


مثلك في خطرك وشرفك ومـنـزلتـك التـي أنزلك اللّه بها، فلاتنازع إلي قطيعتك، واتّق اللّه ولاتردّنّ هذه الامّة في فتنة، وانظر لنفسك ودينك وأمّة محمّد، ولايستخفّنّك الذين لايوقنون). [2] .

أمـّا الامـام الحـسـيـن (ع) فـقـد ردّ عـلي مـعـاويـة الردّ الاحـتـجـاجـي الشـامـل الذي تـضـمـّن إدانـتـه مـعـاويـة بـقـتـل حـجـر بـن عـديّ وأصـحـابـه العـابـديـن، وبقتل الصحابي الجليل عمرو بن الحمق، وبقتل عبداللّه بن يحيي الحضرمي، وباستلحاقه زياد بـن عـبـيـد الرومـي ثـمّ تـسـليـطـه عـلي الامـّة يـبـطـش بـهـا، وذكـّره مـغـبـّة سـوء العـاقـبـة وزوال الدنـيـا، وأنّ للّه كـتابا لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلاّ أحصاها، وكانت الفقرة الختاميّة في هـذا الردّ الشـامـل: (واعـلم أنّ اللّه ليـس بـنـاسٍ لك قـتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صـبـيـّا يـشـرب الشـراب ويـلعـب بالكلاب، ما أراك إلاّ وقد أوبقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعية، والسلام). [3] .

يـقـول ابـن قـتيبة: (وذكروا أنّه لمّا جاوب القوم معاوية بما جاوبوه من الخلاف لامره والكراهيّة لبـيـعـتـه ليـزيـد، كـتـب إلي سـعـيـد بـن العـاص يـأمـره أن يـأخـذ أهل المدينة بالبيعة ليزيد أخذا بغلظة وشدّة، ولايدع أحدا من المهاجرين والانصار وأبناءهم حـتـّي يـبـايـعـوا، وأمـره ألاّ يـحرّك هؤلاء النفر ولايهيجهم. فلمّا قدم عليه كتاب معاوية أخذهم بـالبـيـعـة أعـنـف مـا يـكـون مـن الاخـذ وأغلظه فلم يبايعه أحدٌ منهم. فكتب إلي معاوية أنّه لم يبايعني أحد، وإنّما الناس تبع لهؤلاء النفر، فلو بايعوك بايع الناس جميعا ولم يتخلّف عنك أحد. فكتب إليه معاوية يأمره ألاّ


يحرّكهم إلي أن يقدم، فقدم معاوية المدينة حاجّا، فلمّا أن دنـا من المدينة خرج إليه الناس ‍ يتلقّونه... حتّي إذا كان بالجرف لقيه الحسين بن علي وعبد اللّه بـن عـبـّاس، فـقال معاوية: مرحبا بابن بنت رسول اللّه، وابن صنو أبيه، ثمّ انحرف إلي النـاس فـقـال: هـذان شـيـخـا بـني عبد مناف، وأقبل عليهما بوجهه وحديثه، فرحبّ وقرّب، وجـعـل يـواجـه هـذا مـرّة ويـضاحك هذا أخري حتّي ورد المدينة، فلمّا خالطها لقيته المشاة والنساء والصبيان يسلّمون عليه ويسايرونه إلي أن نزل فانصرفا عنه...). [4] .

ثـمّ إنـّه أرسل إلي الامام الحسين (ع)، وعبداللّه بن الزبير، وعبداللّه بن عمر، وعبدالرحمن بن أبـي بـكـر، كـلٍّ عـلي انـفـراد، ودعـاهـم إلي قـبـول البـيـعـة ليـزيـد، لكـنـّه لم يحصل منهم علي ما يريد...

وفـي اليـوم الثـانـي، جـلس مـجلسه، وأمر حاجبه أن لايأذن لاحد من الناس وإن قرب، (ثمّ أرسـل إلي الحـسـيـن بـن عـلي وعـبـداللّه بـن عـبـّاس، فـسـبـق ابـن عـبـّاس، فـلمـّا دخـل وسـلّم عـليـه أقـعـده فـي الفـراش عـلي يـسـاره فـحـادثـه مـليـّا... حـتـّي أقـبـل الحـسـيـن بـن عـليّ (ع)، فـلمـّا رآه مـعـاويـة جـمـع له وسـادة كـانـت عـلي يـمـيـنـه، فـدخـل الحـسـيـن وسـلّم، فـأشـار إليـه فـأجـلسه عن يمينه مكان الوسادة، فسأله معاوية عن حال بني أخيه الحسن وأسنانهم، فأخبره ثمّ سكت.

قـال: ثـمّ ابـتـداء مـعـاويـة فـقـال: أمـّا بـعـدُ، فـالحـمـد للّه وليّ النـعـم، ومـنـزل النـقـم، وأشـهـد أن لاإله إلاّ اللّه المـتـعـالي عـمـّا يـقـول المـلحـدون عـلوّا كـبـيرا، وأنّ محمّدا عبده المختصّ المبعوث إلي الجنّ والانس كافّة لينذرهم بـقـرآن لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، فأدّي عن اللّه وصدع بأمره وصبر عن


الاذي في جنبه، حتّي أوضح دين اللّه وأعزّ أولياءه، وقمع المشركين وظهر أمـر اللّه وهـم كـارهـون، فـمـضـي صـلوات اللّه عـليـه وقـد تـرك مـن الدنـيـا مـا بـُذل له واخـتـار منها الترك لما سخّر له زهادة واختيارا للّه وأَنفة واقتدارا علي الصبر بغيا لما يدوم ويبقي، فهذه صفة الرسول (ص).

ثـمّ خـلفـه رجـلان مـحـفـوظـان وثـالث مـشـكـوك، وبـيـن ذلك خـوض طال ما عالجناه مشاهدة ومكافحة ومعاينة وسماعا، وما أعلم منه فوق ما تعلمان.

وقـد كـان مـن أمـر يـزيـد مـا سـُبـقـتـم إليـه وإلي تـجـويـزه، وقـد عـلم اللّه مـا أحـاول بـه مـن أمـر الرعـيـّة، مـن سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد، بما أيقظ العين وأحمد الفـعـل، هـذا مـعـنـاي فـي يـزيـد، وفـيـكـمـا فـضـل القـرابـة وحـظـوة العـلم وكـمـال المـروءة، وقـد أصبت من ذلك عند يزيد علي المناظرة والمقابلة ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما، مع علمه بالسنّة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصمّ الصلاب!!

وقـد عـلمـتـمـا أنّ الرسـول المـحفوظ بعصمة الرسالة قدّم علي الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكـابـر الصـحـابـة وأوائل المـهـاجـريـن يـوم غـزوة السـلاسل من لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة في قرابة موصولة ولاسُنّة مذكورة، فقادهم الرجـل بـأمـره، وجـمـع بـهـم صـلاتـهـم، وحـفـظ عـليـهـم فـيـئهـم، وقال ولم يقل معه، وفي رسول اللّه (ص) أسوة حسنة.

فـمـهـلابـنـي عـبدالمطلّب، فإنّا وأنتم شعبا نفعٍ وجدٍّ، وما زلت أرجو الانصاف في اجتماعكما، فـمـا يـقـول القـائل إلاّ بـفـضـل قـولكما، فَرِدّا علي ذي رحم مُستَعتِبٍ ما يحمد به البصيرة في عتابكما، وأستغفر اللّه لي ولكما.

قال: فتيسّر ابن عبّاس للكلام، ونصب يده للمخاطبة.

فأشار إليه الحسين فقال: علي رسلك، فأنا المراد ونصيبي في التهمة أوفر!


فـأمـسـك ابـن عـبـّاس، فـقـام الحـسـيـن فـحـمـد اللّه وصـلّي عـلي الرسول، ثمّ قال:

(أمـّا بـعـدُ يـا مـعـاويـة فـلن يـؤدّي القـائل وإن أطـنـب فـي صـفـة الرسـول (ص) مـن جـمـيـعٍ جـزءا، وقـد فـهـمـت مـا لبـسـت بـه الخـلف بـعـد رسول اللّه من إيجاز الصفة والتنكّب عن استبلاغ البيعة.

وهـيـهات هيهات يا معاوية، فضح الصبح فحمة الدجي، وبهرت الشمس أنوار السُّرُج، ولقد فضّلتَ حتّي أفرطتَ، واستأثرتَ حتّي أجحفتَ، ومنعتَ حتّي بخلتَ، وجُرتَ حتّي جاوزتَ، ما بذلت لذي حـقّ مـن أَتـمّ حـقـّه بـنـصـيـب، حـتـّي أخـذ الشـيـطـان حـظـّه الاوفـر ونـصـيـبـه الاكمل!!

وفـهـمـت مـا ذكـرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لامّة محمّد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أوتخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ.

وقـد دلّ يـزيـد مـن نـفـسـه عـلي مـوقـع رأيـه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المـُهـارشـة عـنـد التـحـارش، والحـمـام السُّبَّق لاترابهنّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا.

ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي اللّه بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فواللّه ما برحت تقدح باطلافي جور، وحنقا في ظلم، حتّي ملات الاسقية، وما بينك وبين الموت إلاّغمضة، فتقدم علي عملٍ محفوظٍ في يومٍ مشهودٍ، ولات حين مناص.

ورأيـتـك عـرّضـت بـنـا بـعـد هـذا الامـر، ومـنـعـتـنـا عـن آبـائنـا تـراثا، ولقد لعمرُاللّه أورثنا الرسـول (ص) ولادة، وجـئت لنـا بـهـا مـا حـجـجـتـم بـه القـائم عـنـد مـوت الرسـول، فـأذعـن للحـجـّة بـذلك، وردّه الايـمـان إلي النـصـف، فـركـبـتـم الاعـاليل وفعلتم الافاعيل، وقلتم كان ويكون، حتّي أتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولي الابصار.


وذكـرت قـيـادة الرجـل القـوم بـعـهـد رسول اللّه (ص) وتأميره له، وقد كان ذلك ولعمرو بن العـاص يـومـئذٍ فـضـيـلة بـصـحـبـة الرسول وبيعته له وما صار لعمرو يومئذٍ حتّي أَنِفَ القوم أمـرتـه وكـرهـوا تـقـديـمـه وعـدوّا عـليـه أفـعـاله، فـقـال (ص): لاجـرم مـعـشـر المـهـاجـريـن لايـعـمـل عـليـكـم بـعـد اليـوم غـيـري. فـكـيـف يـُحـتـجّ بـالمـنـسـوخ مـن فـعـل الرسـول في أوكد الاحوال وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب!؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا، وحولك من لايؤمَن في صحبته ولايعتمد في دينه وقرابته، وتتخطاهم إلي مسرفٍ مفتون، تـريـد أن تـلبـس الناس ‍ شبهة يُسعد بها الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين، وأستغفر اللّه لي ولكم.

قال: فنظر معاوية إلي ابن عبّاس، فقال: ما هذا يا ابن عبّاس!؟ ولما عندك أدهي وأمرُّ.

فقال ابن عبّاس: لعمراللّه، إنّها لذرّيّة الرسول، وأحد أصحاب الكساء، ومن البيت المطّهر، فـَالْهَ عـمـّا تـريـد، فـإنّ لك فـي النـاس مـقـنـعـا حـتـّي يـحـكـم اللّه بـأمره، وهو خير الحاكمين...) [5] .

وكـان قـد أرسـل بـعـدهـما إلي عبدالرحمن بن أبي بكر وعبداللّه بن الزبير وعبداللّه بن عمر، وطـلب إليـهـم أن يـبـايـعـوا يزيد، وادعّي أنّها قضاء من قضاء اللّه الذي ليس ‍ للعباد الخيرة فـيـه!، فـردّ عـليـه عـبـدالرحـمـن بـن أبـي بـكـر بـشـدّة رافـضـا ذلك، وكـذلك فـعـل ابـن الزبـيـر، ومـع أن ابـن عمر كان ليّنا في ردّه لقوله: (... ولكنّي إن استقام الناس ‍ فـسـأدخـل فـي صـالح مـا تـدخـل فـيـه أمـّة مـحـمّد) [6] لكنّ اجتماع معاوية بهؤلاء الثلاثة قد انفضّ أيضا دون أيّة نتيجة يرجوها معاوية.


ثـمّ إنـّه (احـتجب عن الناس ثلاثة أيّام لايخرج، ثمّ خرج فأمر المنادي أن ينادي في الناس أن يـجـتـمـعـوا لامـرٍ جـامـعٍ، فـاجـتـمـع النـاس فـي المـسـجـد، وقـعـد هـؤلاء حـول المـنـبـر. فـحـمـداللّه وأثـنـي عـليـه، ثـمّ ذكـر يـزيـد وفـضـله وقـرأتـه القرآن، ثمّ قـال: يـا أهـل المـديـنة، لقد هممتُ ببيعة يزيد، وما تركت قرية ولامدرة إلاّ بعثت إليها ببيعته فبايع الناس جميعا وسلّموا، وأخّرت المدينة بيعته، وقلتُ بيضته وأصله ومن لاأخافهم عليه، وكـان الذيـن أبـوا البـيـعـة مـنـهـم مـن كـان أجـدر أن يصله، وواللّه لو علمتُ مكان أحدٍ هو خيرٌ للمسلمين من يزيد لبايعت له!

فقام الحسين فقال: واللّه لقد تركت من هو خير منه أبا وأمّا ونفسا!

فقال معاوية: كأنّك تريد نفسك؟

فقال الحسين: نعم، أصلحك اللّه.

فـقـال مـعـاوية: إذن أخبرك، أمّا قولك خيرٌ منه أمّا، فلعمري أمّك خير من أمّه، ولولم يكن إلاّ أنـّهـا امـرأة مـن قـريـشٍ لكـان لنـسـاء قـريـش فـضـلهـنّ، فـكـيـف وهـي ابـنـة رسـول اللّه صـلّي عـليـه وسلّم، ثمّ فاطمة في دينها وسابقتها، فأمّك لعمرُ اللّه خير من أمّه، وأمّا أبوك فقد حاكم أباه إلي اللّه فقضي لابيه علي أبيك!

فـقـال الحـسـيـن: حـسـبـك جـهـلك، آثـرت العـاجـل عـلي الاجل!

فقال معاوية: وأمّا ما ذكرت من أنّك خير من يزيد نفسا فيزيد واللّه خير لامّة محمّد منك!!

فـقـال الحـسـيـن: هـذا هـو الافـك والزور، يـزيـد شـارب الخـمـر، ومـشـتـري اللهـو خـيـر مـنـّي!؟ [7] .


وفي رواية أخري...

(فقال الحسين (ع): من خيرٌ لامّة محمّد، يزيد الخمور والفجور!؟

فقال معاوية: مهلاأباعبداللّه، فإنّك لوذكرت عنده لما ذكر منك إلاّ حسنا.

فـقـال الحـسـيـن (ع): إن عـلم مـنـّي مـا أعـلمـه مـنـه أنـا فـليـقـل فـيَّ مـا أقول فيه.

فـقـال له مـعـاويـة: أبـا عـبـداللّه، إنـصـرف إلي أهـلك راشـدا، واتـّق اللّه في نفسك، واحذر أهل الشام أن يسمعوا منك ما قد سمعته، فإنّهم أعداؤك وأعداء أبيك.

قال: فانصرف الحسين (ع) إلي منزله). [8] .

وقدروي ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح هذه القصّة بنحو آخر: (أنّه لما كان من الغد خرج مـعـاويـة وأقبل حتّي دخل المسجد، ثمّ صعد المنبر فجلس عليه، ونودي له في الناس فاجتمعوا إليـه، وأقـبـل الحسين بن علي (ع)، وابن أبي بكر، وابن عمر، وابن الزبير، حتّي جلسوا إلي المـنـبـر ومـعـاويـة جـالس، حـتـّي عـلم أنّ النـاس قـد اجـتمعوا وثب قائما علي قدميه، فحمد اللّه وأثني عليه.

ثـمّ قال: أيّها الناس، إنّا قد وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، وإنّهم قد زعموا أنّ الحسين بن عـلي، وعـبـدالرحمن بن أبي بكر، وعبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن الزبير لم يبايعو يزيد، وهؤلاء الرهـط الاربـعـة هـم عـنـدي سـادة المـسلمين وخيارهم، وقد دعوتهم إلي البيعة فوجدتهم إذا سامعين مطيعين، وقد سلّموا وبايعوا وسمعوا وأجابوا وأطاعوا!

قـال: فضرب أهل الشام بأيديهم إلي سيوفهم فسلّوها، ثمّ قالوا: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي تـُعـظـمـه مـن أمر هؤلاء الاربعة!؟ إئذن لنا أن نضرب أعناقهم،


فإنّا لانرضي أن يبايعوا سرّا ولكن يبايعوا جهرا حتّي يسمع الناس أجمعون.

فقال معاوية: سبحان اللّه، ما أسرع الناس بالشرّ، وما أحلي بقائهم عندهم، إتّقوا اللّه يا أهل الشام ولاتسرعوا إلي الفتنة، فإنّ القتل له مطالبة وقصاص.

قـال: فـبـقـي الحـسـين بن علي (ع)، وابن أبي بكر، وابن عمر، وابن الزبير، حياري لايدرون ما يـقـولون، يـخـافـون إن يـقـولوا: لم نـبـايـع، المـوت الاحـمـر تـجـاه أعـيـنـهـم فـي سـيـوف أهـل الشـام أو وقـوع فـتـنـة عـظـيـمـة، فـسـكـتـوا ولم يـقـولوا شـيـئا، ونزل معاوية عن المنبر، وتفرّق الناس وهم يظنّون أنّ ه ؤلاء الاربعة قد بايعوا.

قال: وقُرّبت رواحل معاوية فمضي في رفاقه وأصحابه إلي الشام.

قـال: وأقـبـل أهـل مـكـّة إلي هـؤلاء الاربـعـة فـقـالوا لهـم: يـا هـؤلاء، إنـّكم قد دعيتم إلي بيعة يزيد فلم تبايعوا وأبيتم ذلك، ثمّ دعيتم فرضيتم وبايعتم!!

فـقـال الحسين (ع): لاواللّه ما بايعنا، ولكنّ معاوية خدعنا وكادنا ببعض ما كادكم به، ثمّ صعد المنبر وتكلّم بكلام، وخشينا إن رددنا مقالته عليه أن تعود الفتنة جذعا، ولاندري إلي ماذا يؤول أمرنا، فهذه قصّتنا معه). [9] .


پاورقي

[1] المصدر السابق.

[2] الامامة والسياسة، 1: 180.

[3] نـفـس المـصـدر، 1: 182؛ وقـد أوردنـا النـصـّ الکامل لجواب الامام (ع) (برواية الکشّي) في احتجاجاته (ع) علي معاوية وبني أميّة، فراجع.

[4] الامامة والسياسة، 1: 182 ـ 183.

[5] الامامة والسياسة، 1: 185 -188.

[6] نفس المصدر، 1: 189.

[7] الامامة والسياسة، 1: 189 ـ 190.

[8] الفتوح، 4: 339.

[9] الفتوح، 4: 343.