بازگشت

مختصر قصة البيعة ليزيد بولاية العهد


كـان المغيرة بن شعبة ـ وهو من رؤوس جماعة النفعيّين في حركة النفاق، ومن دهاة العرب ومحترفي المـكـر والغـدر، ومـمـّن خـدم مـعـاويـة طـويـلاـ قـد بلغه أنّ معاوية يريد عزله عن ولاية الكوفة واسـتـعـمـال سـعـيـد بـن العـاص مـكـانـه، فـرأي أن يـذهـب إلي مـعاوية فيستعفي من منصبه عنده قبل صدور الامر بعزله، ليظهر للناس ‍ بمظهر الكاره الولاية الزاهد فيها.

لكنّ تعلّقه الشديد حقيقة بمنصب الولاية دفعه إلي التفكير مليّا ـ وهو في الطريق إلي الشام ـ بـحـيـلة تـصـرف مـعـاويـة عـن عـزله، فـلم يـرَ ـ وهـو الخـبـيـر بـمـعـاويـة ـ مـن حـيـلة أفـضـل مـن إثـارة أمنية معاوية الكبري التي لم تساعده الظروف علي التحرّك عمليّا لتحقيقها حتّي ذلك الوقت، وهي أمنيّته في عقد البيعة بالخلافة من بعده لابنه يزيد.

فقرّر المغيرة بن شعبة أن يعزف علي أوتار هذه الامنيّة المكنونة في قلب معاوية، ويدعو إلي إثارتها وإظهارها، ويُبدي استعداده للخدمة من أجل تحقيقها، لعلّ معاوية ينصرف بذلك عن عزله فيبقيه واليا علي الكوفة.

ورأي المـغـيـرة أن يـدخـل أوّلاً عـلي يـزيـد نـفـسـه فـيـثـيـر فـيـه خـفـّتـه إلي مـثـل هـذا الامـر، ليـكـون يـزيـد بـعـد ذلك مـفـتـاح المـدخـل إلي قـلب أبـيـه، (ومـضـي حـتـّي دخـل عـلي


يـزيـد، وقـال له: إنـّه قـد ذهـب أعـيان أصحاب النبيٍّّ (ص)، وآله وكبراء قريش وذوو أسنانهم، وإنّما بقي أبناؤهم، وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا وأعلمهم بالسنّة والسياسة!، ولاأدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة!؟

قال: أَوَتَري ذلك يتمُّ!؟

قال: نعم.

فدخل يزيد علي أبيه وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرة...

وقال له: ما يقول يزيد!؟

فـقـال: يـا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خـلف، فـاعـقـد له فـإنْ حـدث بـك حادثٌ كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولاتُسفَك دماء ولاتكون فتنة.

قال: ومن لي بهذا!؟

قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحدٌ يخالفك.

قـال: فـارجـع إلي عملك وتحدَّث مع من تثق إليه في ذلك، وتري ونري. فودّعه ورجع إلي أصحابه، فقالوا: مه!؟

قـال: لقـد وضـعـتُ رِجـل مـعـاويـة فـي غرزٍ بعيد الغاية علي أمّة محمّد، وفتقت عليهم فتقا لايُرتق أبدا...!!

وسـار المـغـيـرة حـتّي قدم إلي الكوفة، وذاكَر من يثق إليه ومن يعلم أنّه شيعة لبني أميّة أمر يـزيـد، فـأجـابـوا إلي بـيـعـتـه، فـأوفـد مـنـهـم عـشـرة، ويـقـال أكـثـر مـن عـشـرة، وأعـطـاهـم ثـلاثـيـن ألف درهـم، وجـعـل عـليـهـم ابـنـه مـوسي بن المغيرة، وقدموا علي


معاوية فزيّنوا له بيعة يزيد ودعوه إلي عقدها.

فقال معاوية: لاتعجلوا بإظهار هذا، وكونوا علي رأيكم.

ثمّ قال لموسي: بكم اشتري أبوك من هؤلاء دينهم!؟

قال: بثلاثين ألفا.

قال: لقد هان عليهم دينهم... [1] .

وقوي عزم معاوية علي البيعة ليزيد، فأرسل إلي زياد يستشيره، لكنّ زيادا كتب إلي معاوية يشير عليه بالتريث وعدم العجلة حتّي يأتي الوقت المناسب.

وهـنـاك رأيٌ يـقـول إنّ معاوية كان قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الامام الحسن (ع) وعرّض بـهـا، ولكـنـّه لم يـكـشـفـها ولاعزم عليها إلاّ بعد موت الحسن (ع). [2] ويؤيّد ذلك الروايـة التـأريـخـيـّة التـي تـقـول إنّ مـعـاويـة سـافـر إلي المـديـنـة سـنـة خـمـسـيـن قـبـيل وفاة الامام الحسن (ع)، في محاولة لجسّ نبض المدينة في قضيّة فكرة البيعة ليزيد، وعقد فـيـها اجتماعا مغلقا مع عبداللّه بن جعفر، وعبداللّه بن عبّاس، وعبداللّه بن الزبير، وعبداللّه بن عـمـر وطـرح عـليـهـم نـيـّتـه فـي عـقـد البـيـعـة ليـزيـد، لكـنّ هـذا الاجـتـمـاع المـغـلق بـاء بـالفـشـل الذريـع لانّ هؤلاء العبادلة عارضوا هذه الفكرة بشدّة. فسكت معاوية عن ذكر البيعة ليـزيـد إلي سـنـة إحـدي وخـمـسـيـن، أي إلي مـا بعد وفاة الامام الحسن (ع). [3] وتـقـول بـعـض المـصادر التأريخيّة إنّ معاوية لم يلبث بعد وفاة الامام الحسن (ع) إلاّ يسيرا حـتـّي بـايـع ليـزيـد فـي الشـام، وكـتـب


بـبـيـعـتـه إلي الافـاق. [4] وقـيـل إنّه تريّث في ذلك حتّي مات زياد الذي لم يكن في الحقيقة يرجّح لمعاوية هذا التوجّه في عقد البيعة ليزيد. [5] .

فـلمـّا مـات زياد عزم معاوية علي البيعة لابنه يزيد... وكتب إلي مروان بن الحكم قائلا: (إنّي قـد كـبـرتْ سـنّي، ودقّ عظمي، وخشيت الاختلاف علي الامّة بعدي!، وقد رأيت أن أتخيّر لهم من يـقـوم بعدي، وكرهتُ أن أقطع أمرا دون مشورة من عندك، فأعرض ذلك عليهم وأعلمني بالذي يردّون عليك).

فقام مروان في الناس فأخبرهم به...

فقال الناس: أصاب ووفّق، وقد أحببنا، أن يتخيّر لنا فلايألو!!

فكتب مروان إلي معاوية بذلك، فأعاد إليه الجواب يذكر يزيد.

فـقـام مـروان فـيـهـم وقـال: إنّ أمـيـر المـؤمـنـيـن قـد اخـتـار لكـم فـلم يأل، وقد استخلف إبنه يزيد بعده...). [6] .

فقام إليه وجهاء المدينة فأنكروا ذلك عليه وعلي معاوية، كالامام الحسين (ع) وعبدالرحمن بن أبي بكر وابن الزبير وابن عمر.

وكـان مـعـاويـة قـد قـام حينذاك بحملة إعلاميّة ودعائيّة كبيرة ليزيد، فقد كتب إلي عمّاله بتقريظ يزيد ووصفه بالاوصاف الحميدة التي تجعله في أعين الناس ‍ أهلاللخلافة، كما أمر عمّاله أن يوفدوا إليه الوفود من الامصار، ولم يزل معاوية يعطي المقارب ويُداري المباعد ويلطف به حتّي استوثق له أكثر الناس وبايعوه علي


ذلك!!

وبـقـيـت مـعـضـلة مـعـاويـة الكـبـري فـي اسـتـعـصـاء المـديـنـة بـوجـهـائهـا، وتقول المصادر التأريخيّة إنّ معاوية استشعر برودة موقف مروان وعدم اندفاعه في مشروع أخذ النـاس بـالبـيـعـة ليـزيـد، فـعـزله وجـعـل مـحـلّه سـعـيـد بـن العـاص، الذي حاول أخذ الناس ‍ في ذلك بالغلظة والشدّة، لكنّه لم يفلح في مسعاه، فكتب إلي معاوية قائلا: (أمـّا بـعد، فإنّك أمرتني أن أدعو الناس لبيعة يزيد بن أمير المؤمنين، وأن أكتب إليك بـمـن سـارع مـمـّن أبـطـاء، وإنـّي أُخـبـرك أنّ النـاس عـن ذلك بـطـاء لاسـيـّمـا أهـل البـيـت مـن بـنـي هـاشـم، فـإنـّه لم يجيبني منهم أحد، وبلغني عنهم ما أكره، وأمّا الذي جاهر بـعـداوتـه وإبـائه لهـذا الامـر فـعـبـداللّه بـن الزبـيـر، ولسـت أقـوي عـليـهـم إلاّ بالخيل والرجال، أو تقدم بنفسك فتري رأيك في ذلك، والسلام). [7] .


پاورقي

[1] الکامل في التأريخ، 3: 503 ـ 504.

[2] راجع: الاستيعاب، 1: 391، دار الجيل ـ بيروت.

[3] راجع: الامامة والسّياسة، 1: 173 ـ 174.

[4] راجع: الامامة والسياسة، 1: 176 ـ 177.

[5] راجع: الکامل في التأريخ، 3: 506.

[6] الکامل في التاريخ، 3: 506.

[7] الامامة والسياسة، 1: 179.