بازگشت

رعاية الامام للامة عامة و للشيعة خاصة


مـن الدور العـامّ المـشـترك لجميع ائمّة أهل البيت (ع) رعايتهم للامّة الاسلاميّة عامّة وللشيعة منها خاصّة، فليس بدعا من أمر الامامة الحقّة أن يهتمّ الامام الحسين (ع) إهتماما فائقا بأمور هذه الامـّة فـي جـمـيع مجالات حياتها، وأن لايألو جهدا في الدفاع عنها وانقاذها من كلّ خطر وهلكة يحيقان بـهـا، وهـو الذي قـدّم نـفـسـه الزكـيّة وأهل بيته وخاصّته وأصحابه قرابين مقدّسة علي مذبح الهدف العام من قيامه وخروجه وهو إصلاح هذه الامّة المنكوبة بعد ما شملها الفساد في كلّ أبعاد حياتها (...وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي...)

ولمـّا كـانـت مـصاديق رعايته لهذه الامّة في قضاياها العامّة قد وردت مبثوثة في ثنايا أبحاث الابواب والفصول الاخري من هذا الكتاب، فإنّنا نقتصر هنا علي تقديم نماذج منتقاة من رعايته لافـراد هـذه الامـّة، تمثّل عفوه ورأفته وحنانه وكرمه وباقي سجاياه السامية، ثمّ نعرض بعدها نماذج من رعايته للشيعة خاصّة:

(جني له غلام جناية توجب العقاب، فأمر (ع) به أن يضرب.

فقال: يا مولاي، (والكاظمين الغيظ).

قال (ع): (خلّوا عنه!)


فقال: يا مولاي، (والعافين عن الناس).

قال (ع): (قد عفوتُ عنك!)

قال: يا مولاي، (واللّه يحبّ المحسنين).

قال (ع): (أنت حرّ لوجه اللّه، ولك ضعف ما كنت أعطيك.) [1] .

و (خرج سائل يتخطّي أزقّة المدينة حتّي أتي باب الحسين بن عليّ (ع)، فقرع الباب وأنشاء يقول:



لم يَخبِ اليوم من رجاك ومن

حرّك من خلف بابك الحلقه



فأنت ذوالجود، أنت معدنُه

أبوك قد كان قاتل الفسقه



قـال: وكان الحسين بن عليّ (ع) واقفا يصلّي، فخفّف من صلاته، وخرج إلي الاعرابي فرأي عليه أثر ضُرٍّ وفاقة، فرجع ونادي بقنبر

فأجابه: لبّيك يا ابن رسول اللّه (ص).

قال (ع): ما تبقّي معك من نفقتنا؟

قال: مائتا درهم، أمرتني بتفريقها في أهل بيتك.

فقال (ع): فهاتها، فقد أتي من هو أحقُّ بها منهم.

فـأخـذهـا (مـن قـنـبـر) وخـرج فـدفـعـهـا إلي الاعـرابـي، وأنـشـاء يقول:



خذها فإنّي إليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذوشفقه



لوكان في سيرنا الغداة عصا

كانت سمانا عليك مندفقه






لكنّ ريب الزمان ذونَكَدٍ

والكفُّ منّا قليلة النفقه



قال: فأخذها الاعرابيّ وولّي، وهو يقول:



مطهَّرون نقيّاتٌ جيوبهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا



وأنتم أنتم الاعلون، عندكم

علم الكتاب وما جاءت به السوَرُ



من لم يكنْ علويّا حين تنسبه

فماله في جميع الناس مفتخرُ [2] .



وفي رواية: (قال: فأخذها الاعرابي وبكي.

فقال (ع) له: لعلّك استقللت ما أعطيناك؟

قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك!؟). [3] .

و (دخـل الحـسـيـن (ع) عـلي أسـامـة بـن زيـد وهـو مـريـض، وهـو يقول: واغمّاه.

فقال له الحسين (ع): ما غمّك يا أخي؟

قال: ديني، وهوستّون ألف درهم.

فقال له الحسين (ع): هو عليّ.

قال: إنّي أخشي أن أموت.

فقال له الحسين (ع): لن تموت حتّي أقضيها عنك.

فقضاها قبل موته). [4] .

وروي أنّه (ع): (دخل المستراح، فوجد لقمة ملقاة، فدفعها إلي غلام له،


فقال: يا غلام، أذكرني بهذه اللقمة إذا خرجتُ.

فأكلها الغلام.

فلمّا خرج الحسين بن عليّ (ع) قال: يا غلام أين اللقمة؟

قال: أكلتها يا مولاي.

قال: أنت حرّ لوجه اللّه تعالي.

قال له رجل: أعتقته يا سيّدي!؟

قـال: نـعـم، سـمـعـت جـدّي رسـول اللّه (ص) يـقـول: مـن وجـد لقـمـة مـلقـاة فـمـسـح مـنـهـا أو غـسـل مـا عـليـهـا ثمّ أكلها لم تستقرّ في جوفه إلاّ أعتقه اللّه من النار. (ولم أكن أستعبد رجلاأعتقه اللّه من النار). [5] .

و (مرّ الحسين بن عليّ (ع) بمساكين قد بسطوا كساءً لهم فألقوا عليه كِسَرا،

فقالوا: هلمَّ يا ابن رسول اللّه (ص)!

فثنّي وركه فأكل معهم، ثمّ تلا: (إنّ اللّه لايحبّ المستكبرين).

ثمّ قال: قد أجبتكم فأجيبوني.

قالوا: نعم يا ابن رسول اللّه (ص)...

فقاموا معه حتّي أتوا منزله...

فقال (ع) للرّباب: أخرجي ما كنت تدّخرين). [6] .


(وجاءه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة...

فـقـال (ع): يـا أخا الانصار صُن وجهك عن بذل المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنّي آتٍ فيها ما سارّك إن شاء اللّه.

فـكـتـب: يـا أبـاعـبـداللّه، إنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار، وقد ألحّ بي، فكلّمه ينظرني إلي ميسرة.

فلمّا قراء الحسين (ع) الرقعة دخل إلي منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار،

وقال (ع) له: أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، وأمّا خمسمائة فاستعن بها علي دهرك، ولاترفع حاجتك إلاّ إلي أحد ثلاثة: إلي ذي دين أو مروّة أو حسب، فأمّا ذو الدين فيصون دينه، وأمّا ذو المـروّة فـإنـّه يستحيي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك). [7] .

و (مرّ الحسين بن عليّ (ع) براعٍ، فأهدي الراعي إليه شاة،

فقال له الحسين (ع): حرُّ أنت أم مملوك؟

فقال: مملوك.

فردّها الحسين (ع) عليه..

فقال له المملوك: إنّها لي.

فـقـبـلهـا مـنـه، ثـمّ اشـتـراه واشـتـري الغـنـم، فـأعـتـقـه، وجعل الغنم له). [8] .

وروي (أنّ الحـسـيـن (ع) كـان جـالسـا فـي مـسـجـد جـدّه رسـول اللّه (ص)، بـعـد وفـاة


أخـيـه الحـسـن (ع)، وكـان عبداللّه بن الزبير جالسا في ناحية المـسـجـد، وعـتـبة بن أبي سفيان في ناحية أخري، فجاء أعرابيّ علي ناقة فعقلها باب المسجد ودخل، فوقف علي عتبة بن أبي سفيان فسلّم فردّ عليه السلام

فـقـال له الاعـرابـي: إنـّي قـتـلت ابـن عـمٍّ لي، وطـولبـت بـالديـة، فهل لك أن تعطيني شيئا؟

فرفع رأسه إلي غلامه وقال: إدفع إليه مائة درهم.

فقال الاعرابي: ما أريد إلاّ الدية تماما!

ثـمّ تـركـه وأتـي عـبـداللّه بـن الزبـيـر، وقـال له مـثـل مـا قال لعتبة.

فقال عبداللّه لغلامه: إدفع إليه مائتي درهم.

فقال الاعرابيّ: ماأريد إلاّ الدية تماما!

ثمّ تركه وأتي الحسين (ع)، فسلّم عليه

وقـال: يـا ابـن رسـول اللّه، إنـّي قـتـلت ابـن عـمّ لي، وقـد طـولبـت بـالديـة، فهل لك أن تعطيني شيئا؟

فقال (ع) له: يا أعرابي، نحن قوم لانعطي المعروف إلاّ علي قدر المعرفة.

فقال: سل ما تريد.

فقال له الحسين (ع): يا أعرابيّ، ما النجاة من الهلكة؟

قال: التوكّل علي اللّه عزّ وجلّ.

فقال (ع): وما الهمّة؟

قال: الثقة باللّه.


ثـمّ سـأله الحـسـيـن (ع) غـيـر ذلك وأجـاب الاعرابيّ، فأمر له الحسين (ع) بعشرة آلاف درهمٍ، وقـال له: هـذه لقـضـاء ديـونـك. وعـشـرة آلاف درهـم أخـري، وقـال: هـذه تـلمّ بـهـا شـعـثـك وتـحـسـّن بـهـا حـالك وتـنـفق منها علي عيالك. فأنشاء الاعرابيّ يقول:



طَرِبْت وما هاجَ لي مَعبقُ

ولالي مقام ولامَعشقُ



ولكنْ طربتُ لالِ الرسو

لِ فلذَّ لي الشعرُ والمنطقُ



هم الاكرمون، هم الانجبون

نجومُ السماء بهم تُشرِقُ



سبقتَ الانام إلي المكرمات

فقصّر عن سبقك السُّبَّقُ



بكم فتح اللّه باب الرشاد

وباب الفساد بكم مغلق [9] .



وفـي روايـة أنـّه (وجـد عـلي ظـهـره (ع) يـوم الطـفّ أثـر، فـسـئل زيـن العـابـديـن (ع) عـن ذلك، فـقـال: هـذا مـمـّا كـان ينقل الجراب علي ظهره إلي منازل الارامل واليتامي والمساكين). [10] .

وأمّا عنايته الخاصّة بالشيعة ورعايته لهم...

فـقـد أولي الامـام الحـسـيـن (ع) ـ شـأن جـمـيـع أئمـّة أهـل البـيـت (ع) ـ شـيـعـتـه عـنـاية فائقة ورعاية خاصّة، وحرص في ظرفه السياسي الاجتماعي الشـديـد الحـسـّاسـيـّة والخـطـورة عـلي حـفـظـهـم مـن كـلّ سـوء، وعـمـل بـمـا وسـعـه الامـكـان عـلي إبـقـائهـم بـمـنـأي عـن منال يد البطش الامويّ الهادف إلي محو الوجود الشيعي من خريطة المجتمع الاسلاميّ.


ويـمـكـن أن نـلحظ بوضوح تامّ حرص الامام (ع) علي حفظ الشيعة في وصاياه العامّة لهم بعد الصـلح مـع مـعـاويـة فـي حـيـاة الامـام الحـسـن (ع) وبـعـد شـهـادتـه، كـمـثـل قـوله (ع): (...فـالصـقـوا بـالارض، وأخـفـوا الشـخـص، واكـتـمـوا الهـوي، واحـتـرسـوا...). [11] وكـقـوله (ع): (...فـليـكـن كـلّ رجـل مـنـكـم حـلسـا مـن أحـلاس ‍ بـيته...)، [12] كما يمكن أن نلحظ ذلك في استقباله وفـود الشيعة من أقطار البلاد الاسلاميّة وحرصه علي إخفاء هذه اللقاءات عن عيون الرصد الامويّ، وكان صلوات اللّه عليه يحرص علي توعية وفود الشيعة ووجهائهم علي حقائق مجريات الامـور فـي إطـار التـزامـه بـالهـدنـة مـع مـعـاويـة، ويـبـثّ فـيـهـم مـن هـدي أهـل البـيـت (ع) ما يركّز الايمان والمعرفة في قلوبهم، ويقوّي ارتباطهم بإمامهم، ويزيد من صبرهم علي المكاره، ويعرّفهم منزلتهم عند اللّه تعالي.

روي أنّه: (وفد إلي الحسين صلوات اللّه عليه وفدٌ

فقالوا: يا ابن رسول اللّه، إنّ أصحابنا وفدوا إلي معاوية، ووفدنا نحن إليك.

فقال: إذن أجيزكم بأكثر ممّا يجيزهم.

فقالوا: جعلنا فداك، إنّما جئنا لديننا.

قال فطأطاء رأسه ونكت في الارض، وأطرق طويلا، ثمّ رفع رأسه...

فقال: قصيرة من طويلة، من أحبّنا لم يحبّنا لقرابة بيننا وبينه ولالمعروفٍ أسديناه إليه، إنّما أحبّنا للّه ورسوله، جاء معنا يوم القيامة كهاتين وقرن بين سبّابتيه). [13] .


وروي عـنـه (ع) أنـّه قـال: (واللّه، البـلاء والفـقـر والقـتـل أسـرع إلي مـن أحـبـّنـا مـن ركـض ‍ البـراذيـن، ومـن السيل إلي صمره!). [14] .

وعـن حـبـّابـة الوالبـيـّة قـالت: (سـمـعـت الحـسـيـن بـن عـليّ (ع) يـقـول: نـحـن وشـيـعـتـنـا عـلي الفـطـرة التـي بـعـث اللّه عـليـهـا محمّدا (ص) وسائر الناس منها براء). [15] .

وكـان صلوات اللّه عليه يحثّ أهل المعرفة والعلم من الشيعة ليكفلوا إخوانهم المحرومين من العلم، المـنـقـطـعـيـن عن مواليهم، الذين هم يتامي آل محمّد (ص)، ويرشدوهم ويهدوهم ويخرجوهم من ظلمة الجهل.

وقـد رويـت عـنـه (ع) فـي ذلك نـصـوص كـريـمـة مـنـهـا: (فـضـل كـافـل يـتـيـم آل مـحـمـّد ـ المـنـقـطـع عـن مـواليـه، النـاشـب فـي رتـبـة الجـهـل، يـخـرجـه مـن جـهـله، ويـوضـّح له مـا اشـتـبـه عـليـه ـ عـلي فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه، كفضل الشمس علي السُّها). [16] .

و (من كفل لنا يتيما قطعته عنّا محنتنا باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّي أرشده وهداه، قال اللّه عزّ وجلّ: يا أيّها العبد الكريم المواسي لاخيه أنا أولي بالكرم منك، إجعلوا له يـا مـلائكـتـي فـي الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر، وضمّوا إليها ما يليق بها من سائر النعيم). [17] .

وكـان صلوات اللّه عليه يحنو علي أفراد الشيعة حنوّا خاصّا يفوق حنوّ الوالد علي ولده، وقد رويـت عـنـه (ع) فـي ذلك أخـبـار كـثـيـرة، اخـتـرنـا مـنـهـا نـمـاذج عـلي


سبيل المثال:

روي عن صالح بن ميثم أنّه قال: (دخلتُ أنا وعباية الاسدي علي حبّابة الوالبيّة.

فقال لها: هذا ابن أخيك ميثم.

قالت: إبن أخي واللّه حقّا، ألاأحدّثكم بحديث عن الحسين بن عليّ (ع).

فقلت: بلي.

قالت: دخلتُ عليه وسلّمت فردّ السلام ورحّب.

ثمّ قال (ع): ما بطّاءَ بك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبّابة؟

قلت: ما بطّأني إلاّ علّة عرضت.

قال: وما هي؟

قالت: فكشفتُ خماري عن برص.

قـالت: فـوضـع يـده عـلي البـرص، ودعـا فـلم يـزل يـدعـو حـتّي رفع يده، وكشف اللّه ذلك البـرص، ثـمّ قال: يا حبّابة، إنّه ليس أحدٌ علي ملّة إبراهيم في هذه الامّة غيرنا وغير شيعتنا، ومن سواهم منها براء). [18] .

وعـن يـحـيـي بـن أمّ الطـويـل قـال: (كـنـّا عـنـد الحـسـيـن (ع) إذ دخل عليه شابّ يبكي.

فقال له الحسين (ع): ما يبكيك؟

قال: إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مالٌ، وكانت قد أمرتني


ألاّأُحدثَ في أمرها شيئا حتّي أُعلمك خبرها.

فقال الحسين (ع): قوموا بنا حتّي نصير إلي هذه الحرّة.

فقمنا معه حتّي انتهينا إلي باب البيت الذي توفّيت فيه المرأة، وهي مسجّاة.

فـأشـرف عـلي البـيـت ودعـا اللّه ليـحـيـيـهـا حتّي توصي بما تحبُّ من وصيّتها، فأحياها اللّه تعالي، فإذا المرأة جلست وهي تتشهّد، ثمّ نظرت الي الحسين (ع).

فقالت: أدخل البيت يا مولاي، ومرني بأمرك.

فدخل وجلس علي مخدّة، ثمّ قال (ع) لها: وصّي، يرحمك اللّه.

فـقـالت: يـا ابـن رسـول اللّه، إنّ لي مـن المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا، إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك، وإن كـان مـخـالفـا فـخـذه إليـك، فـلاحـقّ للمـخـالفـيـن فـي أموال المؤمنين.

ثـمّ سـألتـه أن يـصـلّي عـليـهـا وأن يـتـولّي أمـرهـا، ثـمّ صـارت المـرأة مـيـتـة كـمـا كـانت). [19] .

و (عـن الحـسـن البـصري قال: كان الحسين (ع) سيّدا زاهدا، ورعا، صالحا، ناصحا، حسن الخلق، فـذهـب ذات يـومٍ مـع أصـحـابـه إلي بـسـتـان له، وكـان فـي ذلك البـسـتـان غـلام يقال له، صافي.

فـلمـّا قـرب مـن البـسـتـان رأي الغـلام يـرفـع الرغـيـف فـيـرمـي بـنـصـفـه إلي الكـلب ويـأكـل نـصـفـه، فـتـعـجـّب الحـسـيـن (ع) مـن فـعـل الغـلام، فـلمـّا فـرغ مـن الاكل قال: الحمد للّه ربّ العالمين، أللّهمّ اغفرلي ولسيّدي، وبارك له كما باركت علي أبويه، يا أرحم الراحمين.


فقام الحسين (ع) ونادي: يا صافي.

فقام الغلام فزعا وقال: يا سيّدي وسيّد المؤمنين إلي يوم القيامة، إنّي ما رأيتك فاعفُ عنّي.

فـقـال الحسين (ع): إجعلني في حلٍّ يا صافي، دخلت بستانك بغير إذنك!

فقال صافي: بفضلك وكرمك وسؤددك تقول هذا!

فـقـال الحـسـيـن (ع): إنـّي رأيـتـك تـرمـي بـنـصـف الرغـيـف إلي الكـلب وتأكل نصفه، فما معني ذلك؟

فـقـال الغـلام: يـا سـيـّدي، إنّ الكـلب يـنـظـر إليّ حـيـن آكـل، فـإنـّي أسـتحيي منه لنظره إليّ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الاعداء، وأنا عبدك، وهذا كلبك، نأكل من رزقك معا.

فبكي الحسين (ع) ثمّ قال: إنْ كان كذلك، فأنت عتيق للّه.

ووهب له ألف دينار!

فقال الغلام: إن أعتقتني فإنّي أريد القيام ببستانك.

فـقـال الحـسـيـن (ع): إنّ الكـريـم إذا تـكـلّم بـكـلامٍ يـنـبـغـي أن يـصـدّقـه بالفعل، البستان أيضا وهبتُه لك، وإنّي لمّا دخلت البستان قلت: إجعلني في حلٍّ فإنّي قد دخـلتُ بـسـتـانك بغير إذنك، كنت قد وهبتُ البستان بما فيه، غير أنّ هؤلاء أصحابي، لاكلهم الثـمـار والرطب فاجعلهم أضيافك وأكرمهم لاجلي، أكرمك اللّه يوم القيامة، وبارك لك في حسن خلقك ورأيك.


فقال الغلام: إن وهبت لي بستانك، فإنّي قد سبلته لاصحابك). [20] .


پاورقي

[1] کشف الغمّة، 2:31.

[2] تأريخ ابن عساکر (ترجمة الامام الحسين (ع): 160 ـ 161، حديث 205.

[3] مناقب آل أبي طالب، 4: 66.

[4] نفس المصدر، 4:65.

[5] عيون أخبار الرضا، 2: 43 ـ 44، حديث 154؛ والعبارة الاخيرة بين القوسين عن نصّ الرواية في صحيفة الامام الرضا: حديث 177.

[6] تفسير العيّاشي، 2: 257، حديث 15.

[7] تحف العقول: 177 ـ 178.

[8] المحلّي، 8: 514 ـ 515.

[9] أعيان الشيعة، 1: 580.

[10] نفس المصدر، 1:580.

[11] أنـسـاب الاشـراف، 3: 151، حـديـث 13.

[12] الاخـبـار الطوال: 221.

[13] بحارالانوار، 27: 127 ـ 128، حديث 118.

[14] بـحـار الانـوار، 67: 246، حـديـث 85؛ والبـرذون: نـوع مـن الخيل غير العربيّة سريع الجري، وصمر السيل: منتهاه.

[15] اختيار معرفة الرجال، 1: 331 ـ 332، حديث 182.

[16] الاحتجاج، 1: 7 ـ 8.

[17] نفس المصدر.

[18] اختيار معرفة الرجال، 1: 332، حديث 183.

[19] الخرائج والجرائح، 1: 245 ـ 246، حديث 1.

[20] مـسـتـدرک الوسـائل، 7: 192 ـ 193، بـاب 17، حـديث 6 عن مجمع البحرين في مناقب السبطين للسيّد وليّ اللّه الرضوي.