مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بالكتاب والسنه، والمتنسكين بمناهج الائمه [1] الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فاصطفاهم علي العالمين، و جعلعهم قدوه للصالحين [2] و جعل فرض محبتهم و وجوب مودتهم اجر رساله جدهم سيدالانبياء والمرسلين، و سجل ذلك في محكم كتابه الكريم و قال: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده في القربي) [3] فباعوا نفسهم و نفيسهم لله تعالي في السراء والضراء، فجاهدوا في الله حق الجهاد، و لم تاخدهم في الله لومه لائم.
فالحمد لله الذي شرفنا بالتمسك بهم و جعلنا ندورهم معهم حيث ما داروا، و نقف معهم حيثما وقفوا، مسرورين بمسرتهم و فرحتهم، و محزونين بحزنهم و كابتهم.
ثم الصلاه والسلام علي رسوله المبعوث لهدايه الامم، و تعليم مكارم الاخلاق والشيم، فقام باعباء الرساله حق القيام، و اوذي في ذلك ما لا يحيط به البيان، حتي قال: ما اوذي نبي مثل ما اذويت [4] .
ثم الصلاه والسلام علي مصابيح الظلم و مفاتيح الكرم الأطائب من اهل بيته المظلومين المشردين المضطهدين.
و بعد فان مقتل ريحانه رسول الله الامام الحسين عليه السلام اوحش حادثه حدثت في العالم و افظع فاجعه وقعت بين بني آدم، ولم يكن له في سالف الدهر من نظير، و ما وقع - و لن يقع - في ايام الدنيا له مثيل [5] و من هذه الجهه من يوم شهادته عليه السلام الي يومنا هذا تصدي علماء المسلمين والمهتمون بضبط عجائب الحوادث، و فواجع الكوارث، بتحرير مقتله و شرح ما جري عليه و علي اهل بيته من ناحيه الطواغيت والضلال و احزابهم [6] ولكن بما ان قياده المسلمين، والسلطه علي الاجواء الاسلاميه في طول الاعصار السالفه، كانت بيد الامويين و من علي نزعتهم، لم يتيسر لمحبي اهل البيت و ارباب الضمائر الحره التحفظ علي ما كتبوا والفوا حول
هذه المصيبه الكبري والفاجعه العظمي اذ ارباب السلطه الغاشمه السالكه مناهج الامويين سعوا كل السعي للتغطيه علي تلك الفجائع، حتي حملوا مرتزقتها المسمون بالحافظ علي ان يفتوا بحرمه تذكار تلك المطالب [7] و ان يهددوا من يرويد [8] او يقروها بقطع الرزق و بالسجن والطرد عن الاوطان، فبذلوا جهودهم لاتلاف تلك الكتب و اعدامها عن صفحه الوجود، فابادوها بالتبزيق والتمزيق والتحريق والدفن والغرق، فابيدت تلك الكتاب و لم يبق لجلها شان و اثر غير ذكرها في قائمه تاليف مؤلفيها!!!
و بما ان اوضاع الزمان قد قضت علي الحصر الذي فرضه حكام بني اميه و حفاظها علي المسلمين، و اصبح اكثر الناس متمكنا من القراءه والتفكير، و ضمائرهم تهوي و تحن الي لمس ما جري علي ريحانه رسول الله صلي الله عليهما، و بما ان الله تعالي ابقي لنا بعض ما كتبه الموثوقون من القدماء حول مقتل الامام الحسين عليه السلام، لذلك تصدي العبد الضعيف الشيخ محمد باقر المحمودي بتحرير مقتل يكون جل محتوياته ماخوذا من كتب اهل الخبره بالتاريخ، و يكون مدعما بالشواهد الصادقه، والقرائن اللائحه، و مقرونا بذكر رواتها و تراجمهم بقدر الامكان، كي يكون اوقع في القلوب، وأجذب الي النفوس، و ابعد من تقحم الشكوك والظنون، و سمينا كتابنا هذا ب«عبرات الصمطفين» [9] في مقتل الحسين عليه السلام، و هو مشتمل علي مقدمات و مطالب و خاتمه.
و قد اخذنا اكثر مطالب كتابا هذا حرفيا من اربعه مصادر- مما تعد من اقدم المصادر التاريخيه التي كتبها اهل الفن والخبره والصدق-:
الاول مقتل الامام الحسين عليه السلام بروايات الاخباري الشهير ابي مخنف لوط بن يحيي الازدي المتوفي سنه: «175» [10] .
و هذا المقتل لم يصل الينا بهويته الشخصيه، و انما وصل الينا ما رواه عنه تلميذه هشام بن محمد الكلبي المتوفي سنه: «204» في كتابه مقتل الحسين عليه السلام [11] علي ما رواه عنه الطبري في سيره الامام الحسين عليه السلام في تاريخه المعروف بتاريخ الامم والملوك.
الصمدر الثاني الذي اخذنا منه كثيرا، هو كتاب انساب الاشراف، تاليف احمد بن يحيي البلاذري المتوفي حدود سنه: «250» فان فيه في ترجمه الامام الحسين عليه السلام و مقتله فوائد جمه قلما توجد في غيره.
الثالث من المصادر الاصيله القديمه التي اخذنا منه كثيرا، هو ترجمه الامام الحسين عليه السلام من الطبقات الكبري تاليف محمد بن سعد [12] المتوفي سنه: «235».
الرابع من المصادر الاصيله هو كتاب الاخبار الطوال تاليف الدينوري المتوفي سنه: «285» [13] .
و هذه المصادر الاربعه و ان اشتركت في اكثر المطالب، ولكن لروايات ابي مخنف- في اكثر محتوياتها- لمعان و ميزه غير موجوده في غيره من الصمادر الثلاثه، و هي:
انها منسجمه و محتوياتها من اللوازم الطبيعيه العاديه لما حدث و جري.
و منها ان كثيرا من روايات ابي مخنف منقوله عمن كان حاضرا في كربلا و شاهد الفاجعه بمرئي و مسمع منه، او انها مرويه عمن روي ممن كان شاهدا في كربلا.
و منها ان روايات ابي مخنف كلها مسنده و سنده بعضها قوي.
و من اجل امتياز روايات ابي مخنف بهذه الخصوصيات المهمه، صرح كثير من القدماء بان ابا مخنف هو اعلم الناس بما جري في العراق.
و لاجل امتياز روايات ابي مخنف بتلك الخصوصيات المهمه، سمي كثير من الناس- ما كتبوه حول الامام الحسين- كتابه باسم «مقتل ابي مخنف».
وقد حان وقت، الشروع في مقدمات الكتاب ثم تعقيبها بالمطالب الاصليه المقصوده من تاليف كتابنا هذا، ثم تعقيبها بالخاتمه فنقول:
پاورقي
[1] التنسک: التعبد و هو الالتزام بوظائف العبوديه والاقدام عليها.
[2] فدقق النظر في الروايات الکثيره الوارده في تفسير آيه التطهير، و ما جاء في تفسير قوله تعالي: (ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين) (33/ آل عمران: 3.).
والروايات متواتره علي نزول آيه التطهير فيهم عليهمالسلام، و من اراد ان يعرف ذلک، فعليه بما رواه الحاکم الحسکاني في تفسير آيه التطهير في کتاب شواهد التنزيل.
وليلاحظ ايضا ما اورده کل واحد من السمهودي والخفاجي في کتاب جواهر العقدين و تفسير آيه الموده.
[3] و ليراجع ما رواه کل واحد من الحافظ الحسکاني والخفاجي في تفسير آيه الموده في کتاب شواهد التنزيل و تفسير آيه الموده.
[4] والحديث مشهور، و بمعناه رواه احمد في الحديث (263) من مسند انس في مسنده ج 1 ص 120 ط 1.
و رواه ايضا ثقه الاسلام الکليني باسانيد في باب شده ابتلاء المومن من اصول الکافي: ج 2 ص 196، و 200.
و رواه عنه و عن غيره المجلسي رحمه الله في «باب شده ابتلاء المومن«من کتاب بحار الانوار: ج 67 ص 207 و ما بعدها.
[5] و ذلک امر جلي بعد الالتفات والتوجه الي انه لم يات في دار الوجود- و لن ياتي ابدا- من يکون بعظمه الحسين عليهالسلام- بعد جده و ابيه و امه و اخيه- و اني ياتي مثل الحسين من يکون جده خاتم الانبياء والمرسلين، و جدته خديجه اسبق نساء هذه الامه الي الاعتراف بوحدانيه الله و رساله محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بذل جميع ما کان يملکها في سبيل الله تعالي، و ابوه علي بن ابيطالب مشيد الاسلام بسيفه و علمه و حلمه و ايثاره، و امه فاطمه الزهراء سيده نساء العالمين، و اخوه الحسن سيد شباب اهل الجنه، الي فضائل اخر لم تجتمع- و لن تجمتع- في غيره و مع ذلک يمنع من شرب الماء المباح حتي علي الکلاب والخنازير والحشرات، ثم يقتل بذلک الوضع الفجيع، ثم يوسر اهل بيته و يطاف بهم من بلد الي بلد، و يهدي براسه من بلد الي بلد، من زنديق الي طاغوت، و من وثن الي وثني؟!!!.
[6] و اليک ذکر ما عثرنا عليه عفويا- و بلا استقلال و تخصيص وقت للبحث والتنقيب في هذا المجال- مماسماه مؤلفوه مقتل الحسين عليهالسلام:
الاول مقتل الحسين عليهالسلام لاصبغ بن نباته المجاشعي من أصحاب اميرالمؤمنين عليهالسلام المتوفي سنه: «64» او بعدها کما في فهرس الشيخ الطوسي رفع الله مقامه.
والظاهر انه اول من دون فجائع وقعه کربلا و سماه مقتل الحسين عليهالسلام.
الثاني مقتل الحسين عليهالسلام تأليف جابر بن يزيد الجعفي من اصحاب الامام الباقر عليهالسلام المتوفي سنه: «128».
الثالث مقتل الحسين عليهالسلام بروايه عمار الدهني من رجال صحاح القوم المقطوع رجله بجرم التشيع المتوفي سنه: «133» و قد ادرجه الطبري في حوادث السنه: «61» من تاريخه.
الرابع مقتل الحسين عليهالسلام لابي مخنف لوط بن يحيي الازدي المتوفي سنه: «170».
الخامس مقتل الحسين عليهالسلام لهشام بن محمد الکلبي المتوفي سنه: «205».
السادس مقتل الحسين عليهالسلام لمعمر بن المثني المتوفي سنه: «207/ أو 211».
السابع مقتل الحسين عليهالسلام لنصر بن مزاحم المنقري المتوفي سنه: «212».
الثامن مقتل الحسين عليهالسلام لعلي بن ممحد المدائني سنه: «224».
التاسع مقتل الحسين عليهالسلام للواقدي المتوفي سنه: «270».
العاشر مقتل الحسين عليهالسلام لابن ابي الدنيا من رجال صحاح القوم المتوفي سنه: «274».
الحادي عشر مقتل الحسين عليهالسلام لأبي اسحاق ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي المتوفي سنه: «283».
الثاني عشر مقتل الحسين عليهالسلام لمحمد بن زکريا الغلابي المتوفي سنه: «298».
الثالث عشر مقتل الحسين عليهالسلام للحافظ البغوي المتوفي سنه: «317».
الرابع عشر مقتل الحسين عليهالسلام لابي احمد عبدالعزيز بن يحيي الجلودي المتوفي سنه: «332».
الخامس عشر مقتل الحسين عليهالسلام لزياد التستري المتوفي: «290» کما في المجلس: «30» من امالي الشيخ الصدوق.
السادس عشر مقتل الحسين عليهالسلام للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين الفقيه المتوفي سنه: «381».
السابع عشر مقتل الحسين عليهالسلام لأبي جعفر محمد بن احمد بن يحيي الاشعري القمي صاحب نوادر الحکمه.
الثامن عشر مقتل الحسين عليهالسلام لمحمد بن علي بن الفضل بن تمام بن مسکين من ولد شهريار الاصغر، و هو من معاصري الشيخ الصدوق.
التاسع عشر مقتل الحسين عليهالسلام لابي الحسن محمد بن ابراهيم بن يوسف الکاتب المترجم في فهرس الشيخ النجاشي.
العشرون مقتل الحسين عليهالسلام لسلمه بن الخطاب البراوستاني الازدورقاني؟ قاله النجاشي.
الحادي والعشرون مقتل الحسين لابي زيد عماره بن زيد الخيواني الهمداني کما في فهرس النجاشي.
الثاني والعشرون مقتل الحسين عليهالسلام لشيخ الطائفه محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه المتوفي سنه: «460» کما في فهرسه.
هذا ما کان حاضرا عندنا، و من اراد المزيد فعليه بمراجعه ماده: «مقتل» من کتاب الذريعه.
[7] منهم غزال الشياطين الصفويه الغزالي کما رواه عنه و عن آخرين من شياطينهم ابن حجر في مقتل الامام الحسين عليهالسلام في کتاب الصواعق.
و رواه ايضا ابن طولون في کتابه قيد الشريد، في ترجمه يزيد، ص 54 ط 1.
و ايضا رواه عن الغزالي علي جلال الحسيني في کتابه الحسين عليهالسلام ص 6 ط القاهره سنه 1349. و نقله ايضا عنه صاحب کتاب نيل المطالب- فيما ورد في الامام علي بن ابيطالب ص 37.
[8] و بما ان مطالب کتابنا هذا، سقناها علي نمط علمي- و کررنا المطالب فيه عن مصادر شتي للتثبيت والتحقيق و ترکيزها في ذهن القاريء المنصف الفهيم- فيصعب علي القراء قراءته حرفيا في ايام عاشوراء، و من اراد ذلک فعليه بتهذيبه کتاب صرخات المصطفين في مقتل الحسين عليهالسلام.
[9] و بما ان مطالب کتابنا هذا، سقناها علي نمط علمي- و کررنا المطالب فيه عن مصادر شتي للتثبيت والتحقيق و ترکيزها في ذهن القاريء المصنف الفهيم- فيصعب علي القراء قراءته حرفيا في ايام عاشوراء، و من اراد ذلک فعليه بتهذيبه کتاب صرخات المصطفين في مقتل الحسين عليهالسلام.
[10] ولکن ابا مخنف لصدقه و کونه مع الصادقين و تدوينه الحقائق اصبح مظلوما لم يقدر حقه فلم ينشر تاليفه، مع حاجته جميع المورخين الي تاليفاته و اعترافتهم بان عنده ما ليس عند غيره، و انه من اثبت اهل التاريخ في الحوادث التي وقعت في العراق، و لنا حوله رساله نامل من الطاف الله تعالي اکمالهم ثم نشرها.
[11] ولکن لا نعرف تحقيقا هل ان هشاما ادرج جميع محتويات مقتل ابيمخنف في کتابه مقتل الحسين عليهالسلام؟ ام انه انتخب منه ما اعجبه فادرجه في کتابه مقتل الحسين عليهالسلام.
و ايضا لا نعلم قطعيا بان ابا جعفر الطبري اورد جميع ما في مقتل الحسين عليهالسلام لابن الکبي فضمنه في سيره الامام الحسين من تاريخه، بل نحتمل ضعيفا انه انتقي منه بحسب اجتهاده بعض المطالب و ادرجه في تاريخه؟
نعم الظاهر من سياق روايات الطبري انه اورد جميع ما وجده في مقتل الحسين عليهالسلام لهشام بن محمد الکلبي رحمهما الله تعالي فضمنه تاريخه، کما يومي الي ذلک ذکر روايات هشام من غير طريق ابي مخنف.
[12] قال ابن تيميه في الوجه الثالث من کتابه رساله راس الحسين عليهالسلام ص 170:
و من المعلوم ان الزبير بن بکار صاحب کتاب الانساب، و محمد بن سعد صاحب الطبقات و نحوهما من المعروفين بالعلم والثقه والاطلاع اعلم بهذا الباب واصدق فيما ينقلونه.
[13] و عندنا ايضا مقاتل اخر نروي عنها احيانا استدلالا او تاييدا:
منها مقتل الامام الحسين عليهالسلام، بروايه عمار الدهني- المتوفي سنه: «133»- عن الامام الباقر عليهالسلام.
و منها مقتل الامام الحسين عليهالسلام للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين الفقيه رفع الله مقامهما.
و منها مقتل الحسين عليهالسلام لمعلم الامه محمد بن محمد بن النعمان العکبري المذکور في سيره الامام الحسين عليهالسلام من کتاب الارشاد.
و ما اورده الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان رحمه الله في کتاب الارشاد قريب جدا مما رواه الطبري في تاريخه والدينوري في کتاب الاخبار الطوال، والبلاذري في انساب الاشراف، و انما لم نجعله اصلا و في سلسله المصادر الاصيله، لان غرضنا اثبات الفاجعه من غير طريق علماء الشيعه.
و منها مقتل الحسين عليهالسلام بروايات ابن عساکر المتوفي سنه: «571» المدرج في ترجمه الامام السحين عليهالسلام من تاريخ دمشق، و هذا مقتل معني لا انه سماه بالمقتل.
و منها مقتل الحسين عليهالسلام لابن العديم- المتوفي سنه: «606»- المدرج في ترجمه الامام الحسين عليهالسلام من کتاب بغيه الطلب: ج 6 ص 2570 ط 1، و هذا ايضا مقتل معني لا ان مصنفه سماه مقتلا.
و منها مقتل الحسين عليهالسلام لاخطب خوارزم موفق بن احمد بن ابيسعيد اسحاق بن المويد المکي الحنفي المولود سنه: «484» المتوفي سنه: «568» و قد طبع في مجلدين.