بازگشت

الباب 3


يا اخواني: كيف لا ينهد ركني لمصابهم و أتجرع بعض ما ترجوه من غصصهم و أوصابهم؟ و هم شفعائي في يوم الدين الي رب العالمين. حاش الله بل طال ما شبت نار أحزاني فأكتمها عن من ينظر الي ويراني، و كم كادت مدامعي أن تظهر كتماني فأزيلها بارادتي لئلا يظهر عليها جلسائي و خلاني، و لم لا أموت في هواهم واتلف مهجتي في رضاهم لأفوز بالأجر العظيم و الثواب الجسيم؟. حكي عن الشعبي الحافظ لكتاب اله تعالي أنه قال: استدعاني الحجاج بن يوسف في يو عيد الضحيه فقال لي: أيها الشيخ أي يوم هذا؟ فقلت: هذا يوم الضحيه، قال: بم يتقرب الناس في مثل هذا اليوم؟ فقلت: بالأضحيه و الصدقه و أفعال البر و التقوي، فقال: اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني. قال الشعبي: فبينما هو يخاطبني اذ سمعت من خلفي صوت لسلسله و حديد فخشيت أن التفت فيستخفني و اذا قد مثل بين يديه رجل علوي و في عنقه سلسله و في رجليه قيد من حديد، فقال له الحجاج: ألست فلان ابن فلان العلوي؟ قال: نعم أنا ذلك الرجل، فقال له: أنت القائل ان الحسن و الحسين ولدا رسول الله و انهما دخلا في ظهره و خرجا من صلبه علي رغم أنفك يا حجاج، قال: و كان متكئا علي مسنده فاستوي جالسا و قد اشتد غيظه و غضبه وانتفخت أوداجه حتي تقطعت أزرار بردته فدعا ببرده غيرها فلبسها، ثم قال للرجل: يا وليك ان تأتيني بدليل من القرآن يدل أن الحسن و الحسين ولدا رسول الله دلا في ظهره و خرجا من صلبه و الا قتلتك في هذا الحين أشر قتله و ان أتيتني بما يدل علي ذلك أعطيتك هذه البرده التي بيدي و خليت سبيلك. قال: و كنت حافظا كتاب الله تعالي كله و أعرف وعده و وعيده و ناسخه و منسوخه فلم تخطر علي بالي آيه تدل علي ذلك فحزنت في نفسي يعز و الله علي ذهاب هذا الرجل العلوي، قال: فابتدأ الرجل يقرأ الآيه فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، فقطع عليه الحجاج قراءته و قال لعلك تريد أن تحتج علي بآيه المباهله و هي قوله تعالي: (قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا


و نساءكم) فقال العلوي: هي والله حجه مؤكده معتمده ولكني آتيك بغيرها ثم ابتدأ يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم: و من ذريته داود و سليمان و أيوب و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي) و سكت فقال له الحجاج: فلم لا قلت و عيسي أنسيت عيسي؟ فقال: نعم صدقت يا حجاج فبأي ش ء دخل عيسي في صلب نوح عليه السلام و ليس له أب؟ قال له الحجاج: انه دخل في صلب رسول الله بأمهما فاطمه الزهراء قال: فبقي الحجاج كأنما، ألقم حجرا فقال له الحجاج، ما الدليل علي أن الحسن و الحسين امامان؟ فقال العلوي: يا حجاج لقد ثبتت لهما الامامه بشهادته النبي في حقهما لأنه قال في حقهما: (ولدي هذان امامان فاضلان ان قاما و ان قعدا تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما و يسبون حرمها) و لقد شهد النبي لهما بالامامه أيضا حيث قال: (ابني هذا - يعني الحسين عليه السلام امام ابن امام أخو امام أبو أئمه تسعه) فقال الحجاج: و كم عمر الحسين في دار الدنيا؟ فقال: ست و خمسون سنه. فقال: له و في أي يوم قتل؟ قال: يوم العاشر في شهر محرم بين الظهر و العصر. فقال له: و من قتله؟ فقال: يا حجاج لقد جند الجنود ابن زياد بأمر اللعين يزيد فلما اصطفت العساكر لقتاله فقتلوا حماته و أنصاره و أطفاله و بقي فريدا فبينما هو يستغيث فلا يغاث و يستجير فلا يجار يطلب جرعه من الماء ليطفي ء بها حر الظمأ فبينما هو واقف يستغيث الي ربه جاءه سنان فطعنه بسنانه و رماه خولي بسهم ميشوم فوقع في لبته و سقط عن ظهر جواده الي الأرض يجول في دمه فجاءه الشر لعنه الله فاجتز رأسه بحسامه و رفعه فوق قناته واخذ قميصه اسحاق الحضرمي و أخذ سيفه قيس النشهلي و أخذ بغلته حارث الكندي و أخذ خاتمه زيد بن ناجيه الشعبي و أحاط القوم بخيامه و عاثا في باقي أثاثه و أسبوا حريمه و نساءه. فقال الحجاج: هكذا جري عليهم يا علوي و الله لو تأتيني بهذا الدليل من القرآن و بصحه امامتها لأخذت الذي فيه عيناك و لقد نجاك الله تعالي مما عزمت عليه من قتلك ولكن خذ هذه البرده لا بارك الله فيها؛ فأخذها العلوي و هو يقول: هذا من عطاء الله ف ضله لا من عطائك يا حجاج ثم أن العلوي بكي و جعل يقول:




صلي الاله و من يحف بعرشه

و الطيبن علي النبي الناصح



و علي قرابته الذين نهضوا

بالنائبات و كل خطب فادح



طلبوا الحقوق فأبعدوا عن دارهم

و عوي عليهم كل كلب نائح



نقل أنه: لما دعا اللعين يزيد بسبي الحسين واعرضوا عليه قالت له: زينب بنت علي: يا يزيد أما تخاف الله سبحانه من قتل الحسين؟ و ما كفاك. حتي تستحث حرم رسول الله من العراق الي الشام؟ و ما انتهاك حرمتهن حتي تسوقنا اليك كما تساق الاماء علي المطايا بغير و طاء من بلد الي بلد؟ فقال لها يزيد لعنه الله: ان أخاك الحسين قال أنا خير من يز يد و أبي خير من يزيد وأبي خير من أبيه و أمي خير من أمه و جدي خير من جده فقد صدق في بعض؛ أما جده رسول الله فهو خير البريه، و أما أن أمه خير من أمي و أباه خير ن أبي كيف ذلك و قد حاكم أبوه أبي؟ ثم قرأ: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير انك علي كل شي ء قدير) قال: فقالت: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) ثم قالت يا يزيد: ما قتل الحسين غيرك و لولاك لكان ابن مرجانه أقل و أذل، أما خشيت من الله بقتله؟ و قد قال رسول الله فيه و في أخيه الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنه، فان قلت: لا؟ فقد كذبت و ان قلت نعم، فقد خصمت نفسك. فقال يزيد: (ذريه بعضها من بعض) و بقي خجلانا و هو مع ذلك لم يرتدع عن فيه و بيده قضيب ينكث ثنايا الحسين، فدخل عليه رجل من الصحابه (و نقل أنه زيد بن أرقم) فقال له: يا يزيد فوالله الذي لااله الا هو لقد رأيت رسول الله يقبلهما مرارا كثيره و يقول له و لأخيه الحسن: (اللهعم ان هذان وديعتي عند المسلمين) و أنت يا يزيد هكذا تفعل بودائع رسول الله! قال: ثم أن يزيد غضب عليه و أمر به فسجن حتي نقل أنه مات و هو في السجن، ألا لعنه الله علي القوم الظالمين. و نقل أن سكينه بنت الحسين قالت: يا يزيد رأيت البارحه رؤيا ان سمعتها مني قصصتها عليك فقال يزيد: هاتي ما رأيت قالت بينما أنا ساهره و قد كللت من البكاء بعد أن صليت و دعوت الله بدعوات رقدت عيني رأيت أبواب


السماء قد تفتحت و اذا أنا بنور ساطع من السماء الي الأرض و اذا أنا بوصائف من و صائف الجنه و اذا أنا بروضه خضراء و في تلك الروضه قصر و اذا أنا بخمس مشايخ يدخلون الي ذلك القصر و عندهم و صيف فقلت يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لأبيك الحسين أعطاه الله ثوابا لصبره، فقلت و من هؤلاء المشايخ؟ فقال: أما الأول فآدم أبو البشر، و أما الثاني فنوح نبي الله، و أما الثالث فابراهيم خليل الرحمن، و أما الرابع فموسي الكليم. فقلت: و من الخامس الذي أراه قابضا علي لحيته باكيا حزينا من بينهم؟ فقال لي: يا سكينه أما تعرفينه؟ فقلت: لا، فقال: هذا جدك رسول الله، فقلت له: الي أين يريدون؟ فقال: الي أبيك الحسين، فقلت: و الله لألحقن جدي واخبرنه بما جري علينا فسيقني و لم ألحقه فبينما و اذا بجدي علي بن أبي طالب و بيده سيفه و هو واقف فناديته يا جداه قتل و الله ابنك من بعدك فبكي و ضمني الي صدره و قال: يا بينه صبرا و بالله المستعان. ثم أنه مضي و لم أعلم الي أين، فبقيت متعجبه، كيف لم أعلم به!؟ فبينما أنا كذلك اذا بباب قد فتح من السماء، و اذا بالملائكه يصعدن و ينزلون علي رأس أبي. قال: فلما سمع يزيد ذلك لطم علي وجهه و بكي و قال: ما لي و لقتل الحسين، و في نقل آخر أن سكينه قالت: ثم أقبلت علي رجل دري اللون، قمري الوجه حزين القلب، فقلت للوصيف: من هذا؟ فقال: جدك رسول الله، فدنوت منه و قلت له: يا جداه قتلت و الله رجالنا و سفكت و الله حريمنا، و حملنا علي الأقتاب بغير و طاء، نساق الي يزيد، فأخذني اليه و ضمني الي صدره، ثم أقبل علي آدم و نوح ابراهيم و موسي، ثم قال لهم: ما ترون الي ما صنعت أمتي بولدي من بعدي، ثم قال الوصيف: يا سكينه اخفضي صوتك فقد أبكيت رسول الله، ثم أخذ الوصيف بيدي وادخلني العصر و اذا بخمس نسوه قد عظم الله خلقتهن و زاد في نورهن و بينهن امرأه عظيمه الخلقه ناشره شعرها و عليها ثياب سود و بيدها قميص مضمخ بالدم و اذا قامت يقمن معها و اذا جلست يجلسن معها، فقلت للوصيف من هؤلاء النسوان اللواتي قد عظم الله خلقهن، فقال: يا سكينه هذه حواء أم البشر، و هذه مريم ابنه عمران، و هذه خديجه بنت


خويلد، و هذه هاجر، و هذه ساره، و هذه التي بيدها القميص المضمخ بالدم و اذا قامت يقمن معها و اذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمه الزهراء فدنوت منها و قلت لها: يا جدتاه قتل و الله أبي و أوتمت علي صغر سني فضمتني الي صدرها و بكت بكاءا شديدا و بكين النسوه كلهن و قلت لها: يا فاطمه يحكم الله بينك و بين يزيد يوم فصل القضاء، ثم أن يزيد تركها و لم يعبأ بقولها (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون):



قتلتم أبي ظلما فويل لأمكم

ستجزون نارا حرها تتوقد



سفكتم دماء حرم الله سفكها

و حرمها القرآن ثم محمد



ألا فابشروا بالنار انكم غدا

لفي سقر حقا يقينا تخلدوا



و اني لأبكي في حياتي علي أبي

علي خير من بعد النبي سيسولد



بدمع غزير مستهل مكفكف

علي الخد مني ذائب ليس يمجد



قال: ثم ان يزيد لعنه الله أمر الخطيب أن يصعد المنبر يسب عليا و الحسن و الحسين قال: فصعد ففعل ذلك، فقال له زين العابدين: سألتك بالله الا ما أذنت لي باصعد علي المنبر واتلكم بكلام لله فيه رضي و للأمه فيه صلاح فاستحي منه فأذن له، ثم أن زين العابدين جعل بعذوبه منطقه و فصاحه لسانه و دلائل النبوه بعد أن حمد الله واثني عليه ثم قال: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فاني أعرفه بنفسي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من حج و لبي أنا ابن من طاف و سعي أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن مكه و مني، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن الداعي الي الله باذنه، أنا ابن من دني فتدلي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن فاطمه الزهراء، أنا ابن خديجه الكبري، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن محزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتي قضي، أنا ابن الذي افترض الله ولايته:

فقال: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا الموده في القربي و من يقترف حسنه نزد له حسنا) ألا أن الاقتراف مودتنا أهل البيت، أيها الناس فضلنا الله بخمس خصال: فينا الشجاعه و السماحه و الهدي و الحكم بين الناس بالحق و الحميه في قلوب المؤمنين. قال: فقام المؤذن فقطع خطبته فلما قال الله أكبر الله أكبر قال


الامام زين العابدين: كبرت كبيرا و عظمت عظيما و قلت حقا جليلا، فقال المؤذن: أشهد أن لا اله الا الله، فقال الامام: و أنا أشهد أن لا اله الا الله، فقال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله فبكي زين العابدين و قال يا يزيد: محمد جدي أم جدك؟ فقال: بل جدك، قال: لم قتلت ولده؟ فلم يرد جوابا، حتي نقل أنه قال: ما لي بالصلاه حاجه فخرج و لم يصل. قال: ثم ان المنهال لقي علي بن الحسين عليه السلام، فقال: كيف أصحبت يا بن رسول الله؟ فقال: كيف أصبح من قتل بالأمس أبوه و أهله و هو يتوقع الموت بعدهم، ثم قال: أصحبت العرب تفتخر علي العجم لأن محمدا منهم و نحن أهل البيت أصحبنا مظلومين مقتولين مشردين. قال: فعلت الأصوات بالبكاء و النحيب حتي أن يزيد لعنه الله خشي الفتنه. نقل عن هند زوجه يزيد قالت: كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء قد فتحت و الملائكه ينزلون كتائب كتائب الي رأس الحسين و هم يقولون: السلام عليك يا أبا عبدالله السلام عليك يا بن رسول الله، فبينما أنا كذلك اذ نظرت الي سحابه قد نزلت من السماء و فيها رجال كثيرون و فيهم رجل دري اللون قمري الوجه فأقبل يسعي حتي انكب علي ثنايا الحسين يقبلهما و هو يقول: يا ولدي قتلوك أتراهم ما عرفوك و من شرب الماء منعوك يا ولدي أنا جدك رسول الله و هذا أبوك علي المرتضي و هذا أخوك الحسن و هذا عمك جعفر عقيل و هذان الحمزه و العباس، ثم جعل يعدد أهل بيته واحدا بعد واحد. قالت هند: فانتهبت من نومي فزعه مرعوبه و اذا بنور قد انتشرذ علي رأس الحسين فجعلت أطلب يزيد و هو قد دخل الي بيت مظلم و قد دار وجهه الي الحائط و هو يقول: ما لي و للحسين و قد وقعت عليه الهمومات فقصصت عليه المنام و هو منكس الرأس. قال: فلما أصبح استدعي بحرم رسول الله فقال لهن: أيما أحب اليكن المقام عندي أو الرجوع الي المدينه و لكم الجائزه السنيه؟ قالوا: نحب أولا أن ننوح علي الحسين، قال: افعلوا ما بدا لكم ثم اخليت لهن الحجر و البيوت في دمشق و لم تبق هاشميه و لاقريشه الا و لبست السواد علي الحسين و ندبوه علي ما نقل سبعه أيام، فلما كان اليوم الثامن دعاهن يزيد و عرض عليهم المقام فأبين و أرادوا الرجوع الي المدينه


فأحضر لهم المحامل و زينها و أمر بالانطاع من الابريسم و صب عليها الأموال و قال: يا أم كلثوم خذوا هذا المال عوض ما أصابكم، فقالت أم كلثوم: يا يزيد ما أقل حياءك و أصلف وجهك أتقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم مالا، و الله لا كان ذلك أبدا:



فيا ذله الاسلام من بعد عزه

و يا لك رزء في الأنام خطير



فيا عبرتي سحي و يا حرقتي ازددي

و يا نفسي ذوبي فالمصاب كبير



فأي حياه بعد ذا الرزء ترتجي

و أي فؤاد يعتريه سرور



نقل اللعين يزيد أوعد علي بن الحسين بثلاث حاجات يقضيها له، فلما أحضره قال له: اذكر لي حاجاتك اللاتي وعدتك بهن فقال له: الأولي: أن تريني وجه سيدي و مولاي الحسين فأتزود منه. أودعه. و الثانيه: أن ترد علينا ما أخذت منا. و الثالثه: ان كنت قد عزمت علي قتلي فوجه مع هؤلاء النسوه من يردهن الي حرم جدهن. فقال: أما وجه أبيك لن تراه أبدا، و أما قتلك فقد عفونا عنك، و أما النسوه فلا يسير بهن الي المدينه غيرك، و أما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه فقال عليه السلام: أما مالك فهو موفور عليك، و انما طلبت ما أخذ منا ل؟ن فيها مغزل فاطمه بنت محمد و مقنعتها و قلادتها و قميصها. فأمر اللعين برد ذلك و أمر برد الأساري الي أوطانهم. قال: فسار القائد و كان يتقدمهم تاره و يتأخر عنهم تاره. فقلن النساء له بحق الله عليك الا ما عرجت بنا علي طريق كربلاء ففعل ذلك حين وصل الي قرب الناحيه وصل الي قرب الناحيه و كان قدومهم الي ذلك المصرع يوم العشرين من صفر فوجدوا هناك جابر بن عبدالله الأنص اري و جماعه من نساء بني هاشم فتلاقوا في وقت واحد فأخذوا بالنوح و البكاء و اقامه المآتم الي ثلاثه أيام فلما انقضت توجهوا الي نحو المدينه. قال بشر بن حذلم: لما صرنا قريبا من المدينه نزل علي بن الحسين وحط رحله و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و قال لي: يا بشر ادخل المدينه وانع أهلها بأبي عبدالله و أخبرهم بقدومنا قال بشر: فركبت و دخلت المدينه و رفعت صوتي بالبكاء و النحيب فقلت: يا أهل المدينه هذا علي بن الحسين قد قدم اليكم مع عماته و أخواته و قد نزل قريبا منكم و أنا رسوله اليكم أعرفكم بمكتنه. قال: فما بقيت في المدينه مخدره و لا محجبه الا


و برزن من خدورهن خمشه وجوهن لاطمات يدعون بالويل و الثبور و عظائم الأمور. قال فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم. قال: ث م أن أهل المدينه تبادورا مسرعين الي نحو زين العابدين و أنا معهم فوجدت الناس قد ملأورا الطرق و الأمكنه فنزلت عن فرسي و بقيت أتخطي رقاب الناس حتي قربت من باب الخيمه و كان زين العابدين عليه السلام داخلا فخرج و بيده منديل يمسح به دموعه و كان عمره يومئذ علي ما نقل أحد عشر سنه فجلس علي كرسي له و هو لا يتمالك علي نفسه من شده البكاء و الناس يعزونه و هم مع ذلك يبكون و ينحبون فأومي اليهم أن استكوا فقام و قال: الحمدلله رب العالمين مالك يوم الدين باري ء الخلائق أجكعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلي و قرب فشهد النجوي نحمده علي عظائم الأمور و مجامع الدهور و ألم و مجامع الدهور و ألم الفجائع و مضاضه اللو اذع و جليل الرزء و عظيم المصائب أيها الناس؛ ان الله له الحمد و له الشكر قد ابتلانا بمصائب. جليله، و مصيبتنا ثلمه عظيمه في الاسلام و رزء جليل في الأنام، قتل أبي الحسين و عترته و أنصاره و شيعته، و سبيت نساؤه و ذريته، و طيف برأسه في اللبدان من فوق عالي السنان فهذه الرزيه تعلو علي كل رزيه، فانا لله و انا اليه راجعون، أيها الناس: من منكم يسر قلبه بعد قتل أبي، و هو ابن بنت رسول الله، أم أيه عين تحبس و تضن بانهمالها فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و السبع الطباق لفقده، و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها و سكانها، و الأرضون بأرجائها و الأشجار بأغصانها، و الطيور بأوكارها، و الحيتان في لجج البحار و الوحوش في البراري و القفار، و الملائكه المقربون و السماوات و الأرضون.

أيها الناس: أي قلب لا ينصدع لقتله و لا يحزن لأجله، أيها الناس أصحبحنا مشردين لائذين شاسعين عن الأمصار كأننا من أولاد الكفار من غير جرم اجترمناه أو مكروه ارتكبناه، و لا ثلمه في الاسلام ثلمناها، و لا فاحشه فعلناها، فوالله لو أن النبي أوصي اليهم في قتالنا لما زادوا علي ما فعلوه بنا، فانا لله و انا اليه راجعون، ثم قام يمشي الي دار الرسول ليدخلها، و أا أم كلثوم فحين توجهت الي المدينه جعلت تبكي و تقول:



مدينه جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات و الأحزان جينا






ألا فاخبر رسول الله

بأنا قد فجعنا في أخينا



و ان رجالنا في الطف صرعي

بلا رؤوس و قد ذبحوا البنينا



و أخبر جدنا أنا أسرنا

و بعد الأسريا جد سبينا



و رهطك يا رسول الله أضحوا

عاريا بالطفوف مسلبينا



و قد ذبحوا الحسين و لم يراعوا

جنابك يا رسول الله فينا



فلو نظرت عيونك للأساري

علي أقتاب الجمال محملينا



رسول الله بعد الصون صارت

عيون الناس ناظره الينا



و كنت تحوطنا حتي تولت

عيونك ثارت الأعدا علينا



أفاطم لو نظرت الي السبايا

بناتك في البلاد مشتتينا



أفاطم لو نظرت الي الحياري

و لو أبصرت زين العابدينا



أفاطم لو رأيتنا سهاري

و من سهر الليالي قد عمينا



أفاطم ما لقيت من عداكي

و لا قيراط مما لقينا



فلو دامت حياتك لم تزالي

الي يوم القيامه تندبينا



و عرج بالبقيع وقف و ناد

أأين حبيب رب العالمينا



و قل يا عم يا الحسن المزكي

عيال أخيك اضحوا ضائعينا



أياعماه ان أخاك أضحي

بعيدا عنك بالرمضاء رهينا



بلا رأس تنوح عليه جهرا

طيور و الوحوش الموحشينا



و لو عاينت يا مولاي ساقوا

حريما لا يجدن لهم معينا



علي متن النياق بلا و طاء

و شاهدت العيال مكشفينا



مدينه جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات و الأحزان جينا



خرجنا منك بالأهلين جمعا

رجعنا لا رجال و لا بنينا



و كنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا



و نحن في أمان الله جهرا

رجعنا بالقطيعه خائفينا



و مولانا الحسين لنا أنيس

رجعنا و الحسين به رهينا



فنحن الضائعات بلا كفيل

و نحن النائحات علي أخينا



و نحن السائرات علي المطايا

نشال علي جمال المبغضينا






و نحن بنات (يس) و (طه)

و نحن الباكيات علي أبينا



و نحن الطاهرات بلا خفاء

و نحن المخلصون المصطفونا



و نحن الصابرات علي البلايا

و نحن الصادقون الناصحونا



ألا يا جدنا قتلوا حسينا

و لم يرعوا جناب الله فينا



ألا يا جدنا بلغت عدانا

مناها واشتفي الأعداء فينا



لقد هتكوا النساء و حملوها

علي الأقتاب قهرا أجمعينا



و زينب أخرجوها من خباها

و فاطم و الهه تبدي الأنينا



سكينه تشتكي من حر وجد

تنادي الغوث رب العالمينا



و زين العابدين بقيد ذل

و راموا قتله أهل الخؤنا



فبعدهم علي الدنيا تراب

فكأس الموت فيها قد سقينا



و هذي قمصي مع شرح حال

ألا يا سامعون أبكوا علينا



قال الراوي: أما زينب فأخذت بعضادتي باب المسجد و نادت: يا جداه اني ناعيه اليك أخي الحسين، و هي مع ذلك لا تجف لها عبره و لا تفتر من البكاء و النحيب و كلما نظرت الي علي بن الحسين تجدد حزنها و زاد وجدها. و أما علي بن الحسين عليه السلام، فلما دخل الي دار الرسول وجدها مقفره الطلول خاليه من سكانها، حاكيه أحزانها و قد غشيها القدر النازل، و ساروها الخطب الهائل و أطلت عليها عذباب المنايا واظلتها جحافل الرزايا، فهي موحشه العرصات لفقد الأئمه الهداه، لهوام لي معاهدها صياح، و للرياح في محو آثارها الحاح، و لسان حالها يندب ندب الفاقد و يذري دمعا من عين ساهره، و قد جالت عواطف الشمال و الدبور في تلك المعالم و القصور، و قالت بلسان حالها: يا قوم ساعدوني علي الحزن علي أناس كنت آنس بهم في الخلوات، واسمع تهجدهم في الصلوات فيا ليتني حيث لم احط بالمساواه عند النزال و حرمت معالجه تلك الأهوال كنت لأجسادهم الشريفه محلا لجثثهم موطنا و مجنا، فكيف لا أندب الأطلال و الدوراس، واوقض الأعين النواعس؟ و قد كان سكانها سماري في ليلي و نهاري و هم شموسي و أقماري وافتخر علي أمثالي بجوارهم واتمتع مواطي ء أقدامهم و آثارهم، فكيف يقل جزعي و حزني عليهم؟


. كيف لا تنهد أركاني تشوقا اليهم، و لله در من قال:



وقفت علي دار النبي محمد

فلقيتها قد أقفرت عرصاتها



وامست خلاء من تلاوه قاري ء

و عطل منها صومها و صلاتها



و كانت ملاذا للأنام و جنه

من الخطب يغني المعتفين صلاتها



فأقفرت من السادات من آل هاشم

و لم يجمع بعد الحسين شتاتها



فعيني لقتل السبط عبري و لوعتي

علي فقدهم ما تنقضي زفراتها



فيا كبدي كم تصبرين علي الأذي

أما آن أن تقني اذا حسراتها



أيها المفتون بهذا المصاب ملاذ الحماه من سفره الكتاب بلزوم الأحزان علي أئمه الأنام و رؤساء الايمان، فقد روي عن الباقر عليه السلام أن زين العابدين عليه السلام كان مع علمه و صبره شديد الجزع والشكوي لهذه المصيبه و البلوي، و أنه بكي علي أبيه أربعين سنه بدمع مسفوح و قلب مقروح يقطع نهاره بصيامه و ليله بقيامه، فاذا حضر الطعام لافطاره ذكر قتلاه و نادي: وا أباه، ثم يقول قتل ابن رسول الله جائعا قتل لبن رسول الله عطشانا، و أنا آكل طبيا و أشرب باردا، ثم يبكي كثيرا حتي يبل ثيابه بدموعه، و لله در من قال:



بنتم و بنا فما ابتلت جوانحنا

شوقا اليكم و لا جفت مآقينا



نكاد حين تناجيكم ضمائرنا

يقضي علينا الأسي لو لا تأسينا



حالت لبعدكم أيامنا فغدت

سودا و كانت بكم بيضا ليالينا



ان الزمان الذي قد كان يضحكنا

أنسا بقربكم قد عاد يبكينا



نقل انه قيل لعلي بن الحسين عليه السلام الي متي هذا البكاء يا مولاي؟ فيقول: يا قوم ان يعقوب النبي فقد سبطا من أولاده الاثني عشر فبكي عليه حتي ابيضت عيناه من الحزن و ابنه حي في دار الدنيا، و يعلم انه لم يمت، و أنا قد نظرت بعيني الي أبي و سبعه عشر من أهل بيتي قتلوا في ساعه واحده، فترون حزنهم يذهب من قلبي، و ذكرهم يخلو من لساني، و شخصهم يغيب عن عيني، و لا و الله لا أنساهم حتي أموت. فيا اخواني علي مثل هؤلاء الأبرار يحق أن يبكي الباكون، و اياهم يندب النادبون، و لمثلهم تذرب الدموع من العيون، أو لا


تكونون كبعض مادحيهم حيث عرتهم الأحزان فنظم و قال فيهم: