الباب 2
يا اخواني: و كيف لا تحزنون علي حبيب رب العالمين، و ثمره فأاد الزهراء بنت خاتم النبيين، و قره عين علي أمير المؤمنين؟ و كيف لا يكون كذلك؟ و قد ورد في الخبر عن سيد البشر أنه قال في الحسن و الحسين: اللهم أحبهما و أحب من يحبهما و قال: من أحب الحسن و الحسين أحببته و من أحببته أحبه الله و من أحبه الله أدخله الجنه و من بغضها بغضته و من أبغضته أبغضه الله و من أبغضه الله أدخله النار. فوا عجباه ممن يحبهما رسول الملك الخلاق! كيف يقع بهما.هل الضلال و النفاق فأي فؤاد لا يحزن لفقدهم و أي عين تحبس دمعها من بعدهم؟ و كيف تستقر القلوب؟ و قد أصبح أهل بيت الرسول مطرودين علي الأوطان مشردين في البراري و البلدان شاسعين في الأمصار كأنهم من سبايا الكفار من غير جرم اجترموه أو مكروه ارتكبوه، فكم من ورع أريق دمه و ذي كمال نكس علمه فلو سمعتم كيف ينوح عليه لسان الصلوات و يحن اليهم انسان الخلوات و تبكيهم محاريب المساجد و تناديهم أنديه الفؤاد لشجاكم سماع تلك الواعيه النازله و عرفتم تقصيركم في هذه المصيبه الشامله. و لله در من قال من الرجال:
و لم أنس مولاي الحسين و قد غدا
يودع أهليه و يوصي و يعجل
ينادي ألا يا أهل بيت محمد
أصيغوا لما أوصيكموا و تقبلوا
عليكم بتقوي الله لا تتغيروا
لعظم رزاياكم و لا تتبدلوا
و دموا علي أعمالكم و انتهالكم
و قوموا اذا جن الدجي و تنفلوا
و ان نابكم خطب فلا تتضعضوا
لوقع الرزايا واصبروا و تحملوا
و فاطمه الصغري تقول لأختها
هلمي الي التوديع فالأمر مهول
أري والدي يوصني بنا أخواته
و عيناه من حزن تفيض و تهمل
و تدعو ألا يا سيدي بلغ العدي
بنا ما تمنوا في النفوس و أملوا
و قمن النساء الفاطميات و لها
فأبصرن منه ما يسوء و يذهل
و خرت عليه زينب مستغيثه
و معجزها من نحره متبلل
و تشكو الي الزهراء فاطم حالها
و تندب مما نالها و تولول
أيا أم قومي من ثري القبر وانظري
حبيبك ملقي في الثري لا يغسل
و هل أنت يا ست النساء عليمه
بأنا حياري نستجير و نسأل
و هل لك علم من علي فانه
أسير عليل في القيود مغلل
علمتم و ما أعلمتمونا برزئكم
و حملتمونا اليوم ما ليس يحمل
فيا حسره لا تنقضي و مصيبه
لقد نزلت بالناس دهياء معضل
نقل أن الحسين لما أراد الخروج الي العراق قالت له أم سلمه: يا مولاي لا تخرج قد سمعت جدك رسول الله يقول ابني الحسين بالعراق و عندي تربه دفعها الي في قاروره، فقال: و الله اني مقتول كذلك و ان لم أخرج الي العراق يقتلوني أيضا، ثم أخذ تربه فجعلها في قاروره و أعطاها اياها و قال اجعليها مع القاروره التي أعطاك اياها جدي فاذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت: قالت أم سلمه: فلما كا ن يوم عاشوراء نظرت الي القارورتين بعد الظهر فاذا هما قد صارتا دما فصاحت واعلمت من كان عندها فصرخوا و أقاموا عليه العزاء. و لم يقلب ذلك اليوم حجر و لا مدر الا و وجد تحته دم عبيط. علم جده صلي الله عليه و آله و سلم أنه مقتول فأوعز اليه فاستقر ذلك في الخاطر وانعقدت عليه السرائر فهان عليه ما يلقاه في طاعه ربه و مولاه حتي جاهد علي الضلال ممتثلا لرضا ذي الجلال فويل لمن خصماؤه شفعاؤه و شفعاؤه خصماؤه، فيا اخواني: لا تساموا في اقامه
الأحزان و لا ترغبوا عن اظهار الجزع و الأشجان فانه قليل في جنب هذا الخطب الجليل. نقل أنه لما ارتحل عمر بن سعد لعنه الله و من معه من أرض كربلاء متوجها الي الكوفه و معهم حرم رسول الله و رؤوس العلويين و رأس الحسين بمقدهم سمعوا هاتفا يقول: