بازگشت

الباب 1


عبادالله: ان المصيبه بالحسين عليه السلام أعظم المصائب، فصبوا فيها شآبيب الدموع السواكب بتصعيد الزفرات الغوالب؛ و استنزفوا بالبكاء الدماء؛ واعقبوا الكرب و البلاء بتذكركم كربلاء، نعم ان المصيبه بالمقتول نجل الرسول و البتول و علي الليث الصؤول؛ مصيبه لا يجبر كسرها، و شعله في صدور المؤمنين لا يطفي ء جمرها؛ و عظيمه من العظائم يتجدد علي الأيام ذكرها، و رزيه لا يتنفس فجرها و قارعه زلزلت منها الأرض برها و بحرها، عجبا لمن يتذكر مصارع هؤلاء الأتقياء الشهداء العظماء من أهل بيت صفوه الخلق خاتم الأنبياء، ثم يتمتع بعدهم بشربه من الماء، سبحان الله أي ظلم جري علي أهل الحراب و المحراب و أرباب الكتيبه و الكتاب و فتيان الطعان و الضراب و رجال القب و القباب قاصمي الأصلاب و قاسمي الأسباب و قاصمي الرقاب و هازمي الأحزاب و فالقي جماجم الأتراب أمراء الخطاب المستطاب ملوك يوم الحساب سلاطين يوم الثواب و العقاب؛ ما عذر أرجاس بني أميه، اذ منعوهم من الطعام و الشراب و الفرات يومئذ مكرعه الكلاب؛ حبسوا ساده الخلق في صحراء الاكتئاب ثم ذبحوا تلك النفوس الزكيه و عرضوها للنسور و الذئاب؛ و عفروا تلك الوجوه البدريه في التراب، هيهات لا عذر الا أن يساقوا بعد عتاب رب الأرباب بأيدي الملائكه الغلاظ الشداد الغضاب الي دار العذاب الشديد الالتهاب الضيقه


المسالك و الشعاب، صفت الدنيا للطغاه ذوي العناد واتسقت أحوال الوجاهه للأنكاد ذوي الأحقاد و نفذت أوامرهم علي رقاب العباد و لفظت اليهم الخزائن نفائس الطارف و التلاد. و آل الرسول مشردين في البلاد منحجرون في كل شعب بغير بزه وزاد، مستشعرون للخوف مكتحلون بالسهاد قد ضربت عليهم الأرض بالسهاد، بنات الظلمه في الدور و القصر مسبلات الستور، و بنات الرسول في حر الشمس في مهب الصبا و الدبور، ضاربات الصدور علي هؤلاء البدور و غروبها في مغارب القبور، و مصيرها الي بطون السباع و حواصل الطيور تمتعت اليزيديه تمتعا قليلا و سيعذبون بذلك طويلا يورثهم ذلك العذاب رنه و عويلا اذ نسوا ورءاهم يوما ثقيلا يوم لا ينفع خليلا خليلا لا ينغي عنه فتيلا ان هم الا كالأنعام بل هم أض ل و فواكه ذلك قطوفها و يسقون لما منعوا من ماء الفرات (كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها سلسبيلا)؛ و جدوا الها رحيما كريما، قد أسدي اليهم نعيما مقيما و هؤلاء و جدوا الرسول خصيما و سكنوا سعيرا و جحيما سقوا صديدا و غساقا و حميما يدخل الله من يشاء في رحمته و الظالمين أعد لهم عذابا أليما. فيا اخواني: لو تصور المحب لآل الرسول ما لاقوا من الخطب المهول لاختار مواساتهم في الموت الشديد و جعله عده للعيش الرغيد، ليجدل الحسين و أهل بيته و أصحابه علي الرمال و بعلي كريمه الشريف علي القنا كالهلال و تسبي ذراريه محمولين حسرا علي الجمال يطاف بهم في البلاد مقرنين في الأصفاد هذا و الدموع جامده و نيران الأحزان هامده و الأشجان متباعده لا يحسن ذلك من أهل الايمان و لا من كاملي العقول و الأديان بل و الله قل لهذا المصاب خروج الأرواح من شده الاكتئاب. فيا اخواني: اسبكوا الدموع و أقلوا الهو ج علي من فقدهم عظيم و مصابهم جسيم فقد ورد في الخبر عن أهل العلم و الأثر عن منذر النوري: سمعت الحسين عليه السلام يقول: من دمعت عينه فينا دمعه أو قطرت عيناه فينا قطره بأاه الله في الجنه جقبا و عنه عليه السلام أنه قال: أنا قتيل العبره ما ذكرت عند مؤمن الا بكي واغتم لمصابي و عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: أيما مؤمن ذرفت عيناه لقتل أبي عبدالله الحسين حتي تسيل علي خده بأاه الله في الجنه غرفا يسكنها أحقابا. فهذه و الله النعمه العظمي و الثواب الهني


الأهني، و عن الباقر عليه السلام أنه قال: رحم الله شيعتنا لقد شاركونا بطول الحزن علي مصاب جدي الحسين و أيما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خده حزنا علي ما مسنا من الأذي من عدونا في دار الدنيا بوأه الله منزل صدق في الجنه و روي عن الصدوق القمي في كتاب كامل الزيارات باسناده الي زراره قال: أبو عبدالله: يا زراره ان السماء بكت علي الحسين أربعين صباحا بالدم و ان الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و ان الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمره و ان الجبال تقطعت و ابتزت و ان البحار تفجرت و ان الملاوكه بكت أربعين صباحا علي الحسين و ما اختضبت منا امرأه و لا ادهنت و لا اكتحلت و لا رجل حتي أتانا رأس عبيدالله بن زياد و ما زلنا في عبره بعده و كان جدي اذا ذكره بكي حتي تملأ عيناه لحيته و حتي يبكي لبكاوه رحمه من رآه و ان الملاوكه الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكاوهم كل من في الهواء و السماء من الملاوكه و لقد خرجت نفسه عليه السلام فزفزت جهنم زفره كادت الأرض تنشق لزفرتها و لقد جرت نفس عبيدالله بن زياد و يز يد بن معاويه فشهقت جهنم شهقه لولا أن الله حبسها بخزانها لأحرقت من علي فوق الأرض من فورها و لو يأذن لها ما بقي شي و الا ابتلعته ولكنها مأموره مصفوده و لقد عتت علي الخزان غير مره حتي أتاها جبرائيل فضربها بجناحه فسكنت و انها لتبكيه و تندبه و انها لتتظي علي قاتله و لو لا من علي الأرض من حجج الله لتفطرت الأرض واكتفت ما عليا و ما يكثر الزلازل الا عند اقتراب الساعه و ما عين أحب الي الله و لا عبره من عين بكت و دمعت عليه و ما من باك يبكيه الا و قد وصل فاطمه و ساعدها عليه و ما من عبد يحشر الا و عليناه باكيه الا الباكين علي جدي فانه يحشر و عينه قريره و البشاره بلقاوه و السرور علي وجهه و الخلق في الفزع و هم آمنون و الخلق يعرضون و هم خدام الحسين عليه السلام تحت العرش و في ظل العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم: ادخلوا الجنه فيأتون و يخئارون مجلسه و حديثه و أن الحور لترسل اليهم انا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدون فما يرفعون رؤوسهم اليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامه و أن أعداءهم من بين مسحوب بناصيته الي النار و من قائل ما لنا من شافعين و لا صديق جميم و انهم ليرون منزلهم و ما يقدرون أن يدنوا اليهم و لا يصلون اليهم


و ان الملائكه لتأتيهم من أزواجهم و من خزانهم ما أعطوا من كرامه فيقولون: ن.تيكم ان شاء الله تعالي فيرجعون الي بمقالاتهم فيزدادون اليهم شوقا اذ هم خيروا بما هم فيه من الكرامه و قربهم من الحسين فيقولون: الحمدلله الذي كفانا الفزع الأكبر و أهوال القيامه و نجابا مما نخاف و يؤتون بالمراكب و الرجال علي النجائب فيستوون و هم في الثناء علي الله و الصلاه علي محمد و آله حتي ينتهوا الي منازلهم، و عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبدالله و نحن جماعه من الكوفيين اذ دخل جعفر بن عفان علي أبي عبدالله فقربه و أدناه، ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك جعلني الله فداك، قال: قل فأنشده و من حوله حتي سالت له الدموع علي وجهه و لحيته، ثم قال: يا جعفر و الله لقد شهد الملائكه المقربون ههنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام و لقد بكوا كما بكينا أو أكثر و لقد أوجب الله لك يا جعفر في ساعه الجنه بأسرها و غفرلك، و قال أيضا: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي قال: ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكي و أبكي به الا أوجب الله له الجنه و غفرله و عنه عليه السلام قال: اذا من البلور الأبيض و يدورون في كل بيت و مجلس يبكون فيه علي الحسين عليه السلام فيجمعون دموعهم في تلك القاير، فاذا كان يوم القيامه فتلتهب نار جهنم فيضربون من تلك الدموع علي النار فتهرب النار عن الباكي علي الحسين مسيره ستين ألف فرسخ.



أيا شيعه المختار نوحوا لمصرع

الشهيد و بالدمع الغزيز فجودوا



تطأه الخيول الحادثات بركضها

و يسفي عليه بعد ذاك صغيد



و آل رسول الله يشهرون في الملأ

و آل ابن هند في الخدور قعود



و رأس امام السبط في رأس ذابل

طويل علي رأس سنان يميد



و ينكثه بالخيزران شماته

به و سرورا كافر و عنيد



برزن النساء الهاشميات حسرا

عليهن من نسج الثكول برود



نوادب يخدشن الوجوه تفجعا

و تلطم بالأيدي لهن خدود






فقوموا بأعباء العزاء فانه

جليل و أما غيره فزهيد



فيا اخواني: يحق لي أن أجعل النوح عليهم دأبي و أن أظهر عليهم جزعي واكتئابي و كيف لا؟ و العيش بعدهم لا يصفو و الزفره عليهم لا تقفو، و كيف الصبر؟ لمن يمثل مولاه الحسين عليه السلام و هو واقف ينادي في ميدان القتال: ألا هل من نصير ينصر الآل ألا هل من معين يعين عتره المختار ألا هل من ذاب يذب عن الذريه الأطهار أين الثقاه البرره و الأتقياء الخيره أين من أوجب حقا عليه الاسلام أين الوصيه فينا من الرسول، فما عذر أهل الزمان عن اقامه العزاء للامام الشهيد العطشان؟ نقل أن الحسين عليه السلام لما كان في موقف كربلاء أتته أفواج من الجن الطياره و قالوا له: نحن أنصارك فمرنا بما تشاء فلو أمرتنا بقتل عدو لكم لفعلنا فجزاهم خيرا و قال لهم: اني لا أخالف قول جدي رسول الله حيث أمرني بالقدوم عليه عاجلا و اني الآن قد رقدت ساعه فرأيت جدي رسول الله قد ضمني الي صدره و قبل ما بين عيني و قال لي: يا حسين ان الله عزوجل شاء أن يراك مقتولا ملطخا بدمائك مخضبا شيبتك بدمائك مذبوحا من قفاك و قد شاء الله أن يري حرمك سبايا علي أقتاب المطايا و اني و الله سأصبر حتي يحكم الله بأمره و هو خير الحاكمين، ثم انه عليه السلام لم يزل يحمل علي القوم و يقاتلهم حتي قتل من القوم ألوفا، فلما نظر الشمر لعنه الله الي ذلك قال لعمر بن سعد: أيها الأمير و الله لو برز الي الحسين أهل الأرض لأفناهم عن آخرهم فالرأي أن نفترق عليه و نملأ الأض بالفرسان و الرماح و النبل تحيط به من كل جانب قال: ففعلوا ذلك و جعل الحسين يحمل تاره علي الميمنه و أخري علي المسيره حتي قتل علي ما نقل ما يزيد علي عشره آلاف فارس و لا يبين فيهم لكثرتهم حتي اثخنوه بالجراح. نقل أنه وقع فيه ثمانون جرحا ما بين طعنه و نبله فبينما هو ذلك اذ رماه اللهين خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فوقع في لبته فأرداه صريعا علي الأرض فجعل ينزع السهم و يأخذ الدم بكفه فيخضب به رأسه و لحيته فقيل له: ما هذا يا أباعبدالله؟ فقال: حتي ألقي جدي و أنا مخضوب بدمي فأشكو اليه ما نزل بي، قال: فنادي شمر بن الجوشن لعنه الله ما انتصاركم فيه احملوا عليه من كل جانب فضربه زرعه بن شريك لعنه الله علي عاتقه الأيسر و ضربه الآخر


من كنده علي وجهه و آخر ضربه علي مفرق رأسه و حمل عليه جوشن فقطعه و أصاب السيف رأسه فسال الدم منه و أخذ منه البرنس، فقال له الحسين عليه السلام: لا أكلت بيمينك و لا شربت بها و حشرك الله مع القوم الظالمين قال: فأقبل الكندي بالبرنس الي منزله فقال زوجته: هذا برنس الحسين فاغسليه من الدم، فبكت و قالت له: ويلك قتلت الحسين و سلبت برنسه الله لا صحبتك أبدا؛ فوثب اليها ليلطمها فانحرفت عن اللطمه فأصابت يده الباب التي في الدار في الدار فدخل مسمار في يده فعملت عليه حتي قطعت من وقته و لم يزل فقيرا حتي مات لا رضي الله عنه، و طعنه سنان بن أنس النخعي برمح و بادر اليه خولي بن يزيد ليجتز رأسه فرمقه بعينيه فارتعدت فرائصه منه فلم يجسر عليه و ولي عنه. ثم ابتدر اليه أربعون فارسا كل يريد قطع رأسه و عمر بن سعد لعنه الله يقول: عجلوا عليه عجلوا عليه، فدنا اليه شبث بن ربعي و بيده سيف ليجتز رأسه فرمقه عليه السلام بطرفه فرمي السيف من يده و ولي هاربا و هو ينادي معاذ الله يا حسين أن ألقي أباك بدمك، قال: فأقبل اليه رجل قبيح الخلقه كوسج اللحيه أبرص اللون يقال له سنان فنظر اليه عليه السلام فلم يجسر عليه و ولي هاربا و هو يقول: ما لك يا عمر بن سعد غضب الله عليك أردت أن يكون محمد خصمي؛ فنادي ابن سعد: من يأتيني برأسه و له ما يتهني به؟ فقال الشمر: أنا أيها الأمير، فقال: أسرع و لك الجائزه العظمي، فأقبل الي الحسين و قد كان غشي عليه فدنا اليه و برك علي صدره فحس به عليه السلام و قال: يا ويلك من أنت فقد ارتقيت مرتقي عظيما؟ فقال: هو الشمر، فقال له: ويلك من أنا؟ فقال: أنت الحسين بن علي وابن فاطمه الزهراء وجدك محمد المصطفي! فقال الحسين: ويلك اذا عرفت هذا حسبي و نسبي فلم تقتلني؟ فقال الشمر: ان لم أقتلك فمن يأخذ جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال اللعين: دانق من الجائزه أحب الي منك و من جدك؟ فقال الحسين عليه السلام: اذا كان لا بد من قتلي فاسقني شربه من الماء، فقال له: هيهات و الله لا ذقت قطره واحده من السماء حتي تذوق الموت غصه بعد غصه! فقال له: ويلك اكشف لي عن وجهك و بطنك فكشف له فاذا هو أبقع أبرص


له صوره تشبه الكلاب و الخنازير! فقال الحسين عليه السلام: صدق جدي فيما قال «فقال: ما قال جدك؟ قال: يقول لأبي يا علي يقتل ولدك هذا رجل أبقع أبرص أشبه الخلق بالكلاب و الخنازير. فغضب الشمر من ذلك و قال تشبهي بالكلاب و الخنازير فوالله لأذبحنك من قفاك. ثم قلبه علي وجهه و جعل يقطع أوداجه روحي له الفداء و هو ينادي وا جداه وا محمداه وا أبا قاسماه وا أبتاه وا علياه أأقتل عطشانا و جدي محمد المصطفي؟ أأقتل عطشانا و أبي علي المرتضي و أمي فاطمه الزهراء؟ فلما احتز الملعون رأسه شاله في قنا فكبر و كبر العسكر معه و شرع الحسين في سلبه؛ فأخذ سراويله بحر بن كعب و أخذ عمامته أحبش بن يزيد، و أخذ سيفه رجل من بني دارم و انتهبوا رحله فتزلزلت الأرض و أظلم الشرق و الغرب و أخذت الناس الصواعق و الرجفه من كل انب وامطرت السماء دما، وانكسفت الشمس لقتله، و فيه يقول الشاعر:



ألم تر أن الشمس أضحت مرضيه

لقتل حسين و البلاد اقشعرت



و ان قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت



فيا فؤادي القريح من الكآبه و الحزن لا تستريح، أو ما يحق لهذا الرزء الجليل أن تشق عليه القلوب فضلا عن الجيوب. نقل أنه لما قتل الحسين عليه السلام جعل جواده يصهل و يحمحم و ينخطي القتلي في المعركه واحدا بعد واحد، فنظر اليه عمر بن سعد فصاح بالرجال خذوه و آتوني به، و كان من جياد خيل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: فتراكضت الفرسان اليه فجعل يرفس برجليه و يمانع عن نفسه و يكدم بفمه حتي قتل جماعه من الناس و نكس فرسانا عن خيولهم و لم يقدورا عليه فصاح ابن سعد ويلكم تباعدوا عنه ودعوه لنظر ما يصنع فتياعدوا عنه، فلما أمن الطلب جعل يتخطي القتلي و يطلب الحسين عليه السلام حتي اذا وصل اليه جعل يشم رائحه و يقبله بفمه و يمرغ ناصيته عليه و هو مع ذلك يصهل و يبكي بكاء الثكلي حتي أعجب كل من حضر، ثم انفلت يطلب خيمه الناء و قد ملأ البيداء صهيلا فسمعت زينب صهيله فأقبلت علي سكينه و قالت: هذا فرس أخي الحسين قد أقبل لعل معه شيئا من الماء فخرجت متخمره من باب الخباء تتطلع الي الفراس فلما نظرتها فاذا هي عاريه من راكبها و السرج خال منه فهتكت عند


ذلك خمارها و نادت: و الله قتل الحسين فسمعت زينب قولها فصرخت و بكت و أنشت تقول:



شرقت بالريق في أخ فجعت به

و كنت من قبل أرعي كل ذي جاري



فالوهم أحسبه شيئا فأندبه

لولا التخيل ضاعت فيه أفكاري



قد كنت آمل آمال أسر بها

لولا القضاء الذي في حكمه جاري



جاد الجواد فلا أهلا بمقدمه

الا بوجه حسين مدرك الثار



ما للجواد لحاه الله من فرس

أن لا يجد دون الض يغم الجاري



يا نفس صبرا علي الدنيا و محنتها

هذا الحسين قتيل بالعري عاري



قال: فخرجن النساء فلطمن الخدود و شققن الجيوب و صحن وا محمداه وا علياه وا فاطماه وا حسناه وا حسيناه وارتفع الضجيج و علا الصراخ فصاح ابن سعد أضرموا عليهم النار في الخيمه! فقيل يا ويلك يا عمر ما كفاك ما صنعت بالحسين و تريد أن تحرق حرم رسول الله بالنار؟ لقد عزمت أن تحسف بنا الأرض فأمرهم بعد ذلك بنهب ما في الخيم فيا ويلهم ما أجرأهم علي الله و علي انتهاك حرمه رسول الله من غير جرم اجترموه و لا مكروه ارتكبوه! فيا لها من مصيبه ما أوجعها! و من رزيه ما أفجعها! فكيف لا يحزن المحبون؟ و قد ذبح المبغضون ذريه رسول الله من غير سبب، وداروا برؤوسهم البلدان من غير أمر قد وجب، و سبوا نساءهم علي الجمال وادخلوهم علي يزيد في أذل الأحوال ما هو الا شي ء (تكاد السماوات أن يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا):



و لم أنس من بين النساء سكينه

تقول و دمع العين يهمي و يهمل



أبي يا أبي يا خير ذخر فقدته

فيا ضيعتي من ذا لضيمي أؤمل



أبي يا أبي ما كان أسرع فرقتي

لديك فمن لي بعدك اليوم يكفل



أبي يا أبي من لشدائد يرتجي

و من لي اذا ما غبت كهف و موئل



أبي يا أبي هل لا تعود لثاكل

تعل من الأحزان طورا و تنهل



و من لليتامي بعد بعدك سيدي

و من للأيامي كافل و متكفل



فعذب حياتي بعد فقدك والدي

و ما دمت حتي للقيامه حنظل






و تشكو الي الزهراء بنت محمد

بقلب حزين بالكآبه مقفل



أيا جدتا قومي من القبر و انظري

حبيبك متروب الجبين مرمل



عرايا علي عادي العري متعفرا

قتيلا خضيبا بادماء مغسل



و قد قطعوا دون الوريد وريده

وديس و منه الرأس في الرمح يحمل



و قد حرموا ماء الفرات عتاوه

علينا و سلب الفاطميات حللوا



و تلك الوجوه المشرقات برغمها

تهتك ما بين الأنام و تهزل



و تلك الجباه الشامخات علي القنا

تشج و ترمي بالتراب و ترمل



و ساروا بنا يا جدتاه حواسرا

و أوجهنا بعد التخفر تبذل



سبايا علي الأقتاب تبدو جسومنا

عرايا بلا ظل به نتظلل



و قال آخر:



و زينب من فرط الأسي تكثر البكا

تقول أخي من لي اذا نابني الدهر



أخي يابن أمي يا حسين أما تري

نساءك حسيري عز عندهم الستر



أخي يا كفيلي يا شقيقي وعدتي

و معتمدي ان مسني العسر و اليسر



أخي كنت ركني في الشدائد ملجأ

وعوني و من ف ي حكمه النهي و الأمر



أخي قد رمانا الدهر بالضر و العنا

أخي قد علانا بعدك الذل و الكسر



أخي قل صبري و احتمالي و من تكن

فقيدا لها من أين يلقي لها الصبر



أخي بعدك السجاد في قيد أسرهم

فلهفي لمن قد مضه القيد و الأسر



أخي لو ترانا فوق أقتاب بدنهم

يسار بنا حسري يعالجنا القهر



أخي كل خطب هان عند حلوله

سوي يومك الجاري فمطعمه مر



فيا نكبه هدت قوي دين أحمد

و عظم مصاب في القلوب له سعر



قال آخر: (و ينقل أنه لزينب بنت فاطمه عليهما السلام):



تمسك بالكتاب و من تلاه

فأهل البيت هم أهل الكتاب



بهم نزل الكتاب و هم تلوه

و هم أهل الهدايه للصواب



امامي و حد الرحمن طفلا

و آمن قبل تشديد الخطاب



علي كان صديق البرايا

علي كان فاروق العذاب






شفيعي في قيامه عند ربي

نبيي والصي أبو تراب



و فاطمه البتول و سيدا من

يخلد في الجنان من الشباب



علي الطف السلام و ساكنيه

و روح الله في تلك القباب



نفوس قدست في الأرض قدما

و قد خلصت من النطف العذاب



مضاجح فتيه عهدوا فناموا

هجودا في الفدافد و الشعاب



علتهم في مضاجعهم كعاب

بأرواق منعمه رطاب



و صيرت القبور لهم قصورا

مناخا ذات أفنيه رحاب



بنات محمد أضحد سبايا

يسقن مع الأساري و التهاب



معثره الذيول مكشفات

كسبي الروم دايمه الكعاب



لئن أبرزن كرها من حجاب

فهن من التعفف في حجاب



أيبخل بالفرات علي حسين

و قد أضحي مباحا للكلاب



فلي قلب عليه ذو التهاب

ولي جفن عليه ذو انسكاب



نقل عن زينب بنت علي عليهما السلام قالت: في اليوم الذي أمر ابن سعد بسلبنا و نهبنا كنت واقفه علي با الخيمه اذ دخل الخيمه رجل أزرق العينين و أخذ جميع ما كان فيها و أخذ جميع ما كان علي و نظر الي زين العابدين فرآه مطروحا علي نطع من الأديم و هو عليل ففجذب النطع من تحته جاء الي و أخذ قناعي و قرطين كانا في أذني و هو مع ذلك يبكي! فقلت له:لعنك الله هتكتنا و أنت مع ذلك تبكي، قال: أبكي مما جري عليكم أهل البيت، قالت زينب: فقد غاضني، فقلت له: قطع الله يديك ور جليك و أحرقك بنار الدنيا قبل الآخره. فوالله ما مرت به الأيام حتي ظهر المختار و فعل به ذلك، ثم أحرقه بالنار، و أما علي بن الحسين عليهما السلام فانه أقبل اليه الشمر مع جماعه وأرادوا قتله، فقيل له: صبي عليل لا يحل قتله، ثم أقبل عليهم عمر بن سعد لعنه الله فضج النساء في وجعه بالبكاء و النحيب حتي ذهل اللعين و ارتعدت فرائصه و قال لهم: احفظوا و احذروا أن يخرج منهم أحد. فلما رأت أم كلثوم ما حل بهم بكت و أنشأت:



يا سائلي عن فتيه صرعوا

بالطف أضحوا رهن أكفاني






و فقيه ليس يجاري بهم

بنو عقيل خير فرسان



ثم بعون و أخيه معا

فذكرهم هيچ أحزاني



من كان مسرورا بما مسنا

أو شامتا يوما بنا شاني



لقد ذللنا بعد عز فما

أرفع ضيما حين يغشاني



لقد هتكنا بعد صون لنا

و سامني و جدي و أشجاني



قال: ثم أن عمر بن سعد اللعين نادي بأصحابه من يبتدر الي الحسين قيوطي ء ظهره و صدره بفرسه؟ فابتدر من القوم عشره رجال منهم اسحاق بن حنوه الحضرمي و هو الذي يقول: (نحن رضضنا الصدر بعد الظهر) فداسوه بخيولهم حتي هشموا صدره و ظهره، و رجع عمر بن سعد من ذلك، و قيل أقام الي الغد فجمع قتلاه فصلي بهم و دفنهم و ترك الحسين و أصحابه، فلما ارتحلوا الي الكوف و تركوهم علي تلك الحال. عد أهل الغاضريه من بني أسد فكفنوا أصحاب أصحاب الحسين و صلوا عليهم و دفنوهم، و كانوا اثنين و سبعين رجلا. ثم أن عمر بن سعد أمر بالرحيل فأخذوا السبايا علي الجمال و حملوا علي بن الحسين أسيرا و حملوا الرؤوس علي الاسنه و تركوا القتلي مطرحين بأرض الغاضريات و نقل عن الشعبي أنه قال: سمع أهل الكوفه ليله قتال الحسين قائلا يقول:



أبكي قتيلا بكربلاء

مضرج الجسم بالدماء



أبكي قتيل الطغاه ظلما

بغير جرم سوي الوفاء



ابكي قتيلا بكي عليه

من ساكن الأرض و السماء



هتك أهلوه واستحلوا

ما حرم الله في الاماء



يا بأبي جسمه المعري

الا من الدين و الحياء



كل الرزايا لها عزاء

و ماذا لرزء من عزاء



قال: ثم أن عمر بن سعد لما أذن للناس بالرحيل الي الكوفه و أمر بحمل السبايا من بنات الحسين و اخوته و ذراريهم فمروا بجثه الحسين و من معه صاحت النساء و لطمن وجوههن و نادت زينب بنت علي: يا محمداه صلي عليك مليك السماء هذا حسين بالعراء مرمل بالدماء معفر بالتراب مقطع الأعضاء يا محمداه بناتك في العسكر سبايا و ذريتك مقتله تسقي عليهم الصبا هذا أبيك محزوز


الرأس من القفا لا هو غائب فيرجي و لا جريح فيدواي فما زالت تقول هذا القول حتي أبكت كل صديق و عدو حتي رأينا دموع الخيل تنحدر علي حوافرها و لله در بعض المحبين حيث يقول:



قفوا و دعونا قبل بعدكم عنا

وداعا فان الجسم من أجلكم مضني



فقد نقضت مني الحياه و أصبحت

علي فجاج الأرض من بعدك سجنا



سلامي عليكم ما أمر فراقكم

فيا ليتنا من قبل ذاك اليوم قد متنا



و اني لارثي للغريب و انني

غريب بعيد جددت من أجلكم حزنا



لقد طلعت شمس النهار ذكرتكم

و ان غربت جددت من أجلكم حزنا



لقد كان عيشي بالأحبه صفايا

و ما كنت أدري أن صحبتنا تفني



زمان نعمنا فيه حتي اذا انقضي

بكينا علي أيامنا بدم أقني



فوالله قد زاد اشتياقي اليكم

و لم يدع التغميض لي بعدكم جفنا



و قد بارحتني لوعه البين و الأسي

و قد صرت دون الخلق مقترعا سنا



و قد رحلوا عني أحبه خاطري

فما أحد منهم علي غربتي حنا



عسي و لعل الدهر يجمع بيننا

و ترجع أيام الهنا مثل ما كنا



فيا اخواني: كيف لا نلبس جلابيب الأحزان و سرابيل الأشجان علي سادات الزمان و أمناء الملك الديان المبرئين من الزياده و النقصان الممحدوحين بكل جارحه و لسان؟ فتعسا لمن أرداهم و سحقا و خيبه لمن خالفهم و عصاهم، و ليتني حضرتهم يوم الطفوف و وقيتهم بنفسي من الحتوف و لكن الأمر ما أراد الله و لا حول و لا قوه الا بالله، روي الثقاه من أصحاب الحديث بأسانيدهم عن هند بنت الحرث قالت: نزل رسول الله خيمه خالتي أم سعد فنام، ثم قام عن رقدته فدعا بماء يغسل يديه، ثم تمضمض و مج في عوسجه الي جانب الخيمه فأصحبنا فاذا هي أعظم دوحه و جاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس و رائحه العنبر و طعم الشهد ما أكل منها جائع الا شبع و لا ظمأ الا روي و لا سقيم الا بري ء و لا أكلت من ورقها شاه الا در لبنها فكنا نسميها الكمباركه حتي أصحبت ذات يوم تساقط ثمرها واصفر ورقها ففزعنا مما رأينا فما راعنا الا نعي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. ثم أنه بعد ثلاثين سنه أصحبت ذات شوكه من أسفلها الي أعلاها


و تساقط ثمرها و ذهبت نضرتها فما شعرنا الا يقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فما أثمرت بعد ذلك و كنا ننتفع بورقها، ثم أصحبنا و اذا بها قد نبع من ساقها دم و قد ذبل ورقها فبينما نحن فزعين مهمومين اذا أتانا مقتل الحسين السبط و يبست الشجره علي أثر ذلك و ذهبت. و روي عن ابن عباس قال: كنت نئما في منزلي في المدينه قابله الظهر فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو مقبل من نحو كربلاء و هو أشعث أغبر و التراب علي شيبته و هو باكي العين حزين القلب و معه قارورتان مملؤتان دما، فقلت له: يا رسول الله ما هذه القارورتان المملؤتان دما؟ فقال: هذه فيها من دم الحسين و هذه الأخري من دم أهل بيته و أصحابه و اني رجعت الآن من دفن ولدي الحسين و هو مع ذلك لا يفيق من البكاء و النحيب. قال ابن عباس: فاستيقظت من نومي فزعا مرعوبا حزينا علي الحسين و لم أعلم بقتله فبقيت في الهم و الغم أربعه و عشرين يوما حتي جاء الناعي الي المدينه بقتل الحسين عليه السلام فحسبت من يوم الرؤيا الي ذلك اليوم فاذا هو يوم قتل الحسين و في تلك الساعه كان مقتله فتعجبت من ذلك فلبيك الباكون و اياهم فليندب النادبون و لمثلهم تذرف الدموع من العيون، أو لا تكونوا كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان فنظم و قال فيهم: