بازگشت

الباب 2


أيها المؤمنون و الأمناء الصالحون: أجروا مياه العيون من مقرحات الجفون، علي هذا الخطب العظيم و المصاب الجسيم، خطب يقل فيه بذل الأرواح و يهن فيه الضرب و الكفاح، خطب أبكي الرسول و أحرق كبد البتول، فواعجباه ممن تقدم اليهم بذلك و خاض بنفسه تلك المهالك! كيف لم تحفظ فيهم القرابه و النسب و الشرف و الحسب؟ حتي تركوا رجالهم بنجيع الدماء مخضوبه و أبدانهم علي التراب مسلوبه و مخدراتهم سبايا منهوبه. فكم من جرم اجترموه و عظيم أمر ارتكبوه، فما أجرأهم علي الله و علي انتهاك حرمه رسول الله. فيا الخواني كيف لا نبكي عليهم و نحن قلوبنا اليهم أ. و قد ورد في الخبر عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: من ذكرنا عنده فبكي لما أصابنا من نوب الدهر غفر الله ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر. فلذلك يجب علينا لبس سراويل الجزع و الأشجان و ارسال الدموع الهتان، و أن نضج الثكلي بين العباد، و نواسي بهذا التعاداد علي بن الحسين السجاد لما روي أنه بكي علي أبيه الحسين أربعين سنه و ما وضع بين يديه طعام الا و بكي، حتي قال مولي به جعلت فداك يا بن رسول الله اني أخشي عليك أن تكون من الهالكين. فيقول: (انما أشكوا بثي و حزني الي الله واعلم من الله ما لا تعلمون) ثم قال: اني لم أذكر مصرع بني فاطمه الا و خنقتني العبره:



ان كنت محزونا فما لك ترقد

هلا بكيت لمن بكاه محمد



و لقد بكته في السماء ملائك

زهر كرام راكعون سجد



و الشم و القمر المنير كلاهما

حول النجوم تباكيا و الفرقد






أنسيت قتل المصطفين بكربلا

حول الحسين ذبائح لم يلحدوا



فسقوه من جرع الحتوف بمشد

كثر العدو به و قل المسعد



ثم استناحوا الصائنات حواسرا

فالشمل من بعد الحسين مبدد



كيف السلو في السبايا زينب

تدعو بحرقه قلبها يا أحمد



يا جد حولي من يتامي اخوتي

في الذل قد سلبوا القناع و جردوا



يا جد قد منعوا الفرات و قتلوا

عطشا فليس لهم هناك مورد



يا جد من ثكلي و طول مصيبتي

و لما أعانيه أقوم و أقعد



يا جد لو أبصرتني و رأيتني

و الخد مني بالدماء مخدد



يا جد ذا نحر الحسين مض رج

بالدم و الجسم الشريف مجرد



يا حد ذا ابن الحسين معلل

و مغلل في قيده و مصفد



يرنو لوالده و ينظر حاله

و بنو أميه في العمي لم يهتدوا



يا جد ذا شمر يروم بفتكه

ذبح الحسين فأي عين ترقد



ليحوز جائزه الزنيم عليه من

لعن المهيمن ما به يتهضد



حتي اذا أهوي عليه بسيفه

نادي بفاضل صوته يا واحد



يا خالقي أنت الرقيب عليهم

في فعلهم ظلما و أنت الشاهد



و تعج طورا بالنبي و آله

و تقول يا جداه ألا يا أحمد



يا والدي الساقي علي المرتضي

نال العدو بنا كما قد مهدوا



يا أمي الزهراء قومي جددي

و جميع أملاك السماء لك ينجد



هذا حبيبك بنوك بالحديد مقطع

و مخضب بدمائه مستشهد



و الطيبون بنوك قتلي حوله

فوق الصعيد مبضع و مجرد



هذا مصاب ما أصيب بمثله

بشر من المخلوق الا واحد



و اليكم من عبدكم و محبكم

بعض النظام عساه فيه يسعد



صلي الاله عليكم يا سادتي

ما دام طير في الغصون يغرد



روي عن نقله الأخبار: أن اليوم الذي قتل فيه مسلم بن عقيل و هو يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي الحجه يوم الترويه، كان فيه خروج الحسين من مكه


الي العراق بعد أن طاف و سعي و أحل من احرامه، و جعل حجه عمره مفرده لأنه عليه السلام لم يتمكن من اتمام الحج مخافه أن يبطش به و ذلك لأن يزيد لعنه الله انفذ عمر بن سعد العاص في عسكر عظيم و ولاه أمر الموسم و أمره علي الحاج كله و كان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا و ان يتمكن منه يقتله غيله، ثم انه لعنه الله دس مع الحجاج في تلك السنه ثلاثين رجلا من شياطين بني أميه و أمرهم بقتل الحسين علي كل حال اتفق فلما علم الحسين بذلك حل من احرام الحج و جعلها عمره مفرده. و عن بعض الناقلين أن محمد بن الحنفيه لما بلغه الخبر أن أخاه الحسين خارج من مكه يريد العراق كان بيده طشت فيه ماء و هو يتوضأ فجعل يبكي بكاءا شديدا حتي سمع و كف دموعه في الطشت مثل المطر، ثم انه صلي الوغرب، ثم سار الي أخيه الحسين فلما صار اليه قال له: يا أخي ان أهل الكوفه قد عرفت غدرهم و مكرهم بأبيك و أخيك من قبلك و اني أخشي عليك أن تكون حالك كحال من مضي من قبلك فان أطعت رأيي قم بمكه و كن أعز من في المحرم المشرف. فقال: يا أخي اني أخشي أن تغتالني أجناد بني أميه في حرم مكه فأكون كالذي يستباح دمه في حرمه الله. فقال: يا أخي فسر الي اليمن فانك أمنع الناس به.. فقال الحسين: و الله يا أخي لو كنت في حجر هامه من هوام الأرض لا ستخرجوني منه حتي يقتلوني، ثم قال: يا أخي سأنظر فيما قلت. قال: فلما كان قت السحر عزم الحسين علي الرحيل الي العراق فجاءه أخوه محمد بن الحنيفه و أخذ بزمام ناقته التي هو راكبها، قال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما أشرت به عليك؟ فقال بلي. قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ فقال: يا أخي ان جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتأني بعدما فارقتك و أنا نائم فمضني الي صدره و قبل ما بين و قال: يا حسين يا قره عيني اخرج الي العراق بكاءا شديدا و قال له: يا أخي اذا كان الحال هكذا فما معني حملك هذه النسوه و أنت ماض الي القتل. فقال: يا أخي قد قال لي جدي أيضا: ان الله عزوجل قد شاء أن يراهم سبايا مهتكات يسقن في أسر الذل و هن أيضا لا يفارقنني ما دمت حيا. فبكي ابن الحنيفه بكاءا شديدا و جعل يقول: أودعتك الله


يا حسين في وداعه الله يا حسين و نقل:: أنه لما خرج من مكه اعترضه رسول عمر بن سعد و يهم يحيي بن سعد ليروده فأب عليهم و تدافع الفريقان و تضاربوا بالسياط ثم امتنع عليهم الحسين امتناعا شديدا و مضي لوجهه فنادوه و قالوا يا حسين ألا تنقي الله تخرج من الجماعه و تفرق بين هذه الأمه؟ فقال لهم: لي عملي ولكم عملكم أنتم برئيون مما أعمل و أنا بري ء مما تعملون. روي عن الطرماح بن حكيم قال: لقيت حسينا و قد امترت لأهلي ميره، فقلت اذكر الله في نفسك لا يغرك أهل الكوفه و الله ان دخلتها لتقتلن و اني أخاف أن لا تصل اليها فان كنت مجمعا علي الحرب فأنزل (أجاء) فانه جبل منيع و الله ما لنا فيه ذل قط و عشيرتي جميعا يرون نصرتك ما أقمت فيهم. فقال: ان بيني و بين القوم موعدا قط و عشسرتي جميعا يرون نصرتك ما أقمت فيهم. فقال: ان بيني و بين القوم موعدا أكره أن أخلفها فان يدفع الله فقديما ما أنعم علينا و كفي و ان يكن ما لابد منه ففوز شهاده ان شاء الله و مضي لوجهه، و نقل أيضا: أن الحسين عليه السلام لما عزم علي الخروج الي العراق من المدينه جاءت اليه أم سلمه زوجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قالت له: يا بني لا تحزني بخروجك الي العراق فاني سمعت من جدك رسول الله يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء. فقال: يا أماه و أنا و الله أعلم ذلك و اني مقتول لا محاله و ليس لي من هذا بد و اني و الله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعه التي أدفن فيها و اني أعرف من يقتل من أهل بيتي و قرابتي و شيعتي و ان أردت يا أماه أريتك حفرتي و مضجعي و مكاني ثم أشار بيده الشريفه الي جهه كربلاء فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه و مدفنه و موضع معسكره و موقفه و مشهده كما هو الآن و هي من بعض فضائله صلوات الله و سلامه عليه. فعند ذلك بكت أم سلمه بكاءا عظيما و سلمت أمرها الي الله تعالي. فقال لها: يا أماه قد شاء الله عزوجل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدونا و قد شاء الله أن يري حرمي و رهطي و نسائي مسبيين مشردين و أطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقدين و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا و لا معينا:



فداؤك روحي يا حسين و عترتي

و أنت عفير في التراب جديل



و جسمك عريان طريح علي الثري

عليك خيول الظالمين تجول



بناتك تسبي كالاماء حواسرا

و سبطك ما بين العداه قتيل




ثم ان الحخسين عليه السلام بعدما توجه الي العراق كتب كتابا الي أهل العراق يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن علي الي اخوانه المؤمنين، سلام عليكم و اني أحمد الله اليكم الذي لا اله الا هو أما بعد: فان كتاب مسلم بن عقيل أتاني يخبرني بحسن رأيكم و اجتماع ملتكم علي نصرتنا و الطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا ولكم الصنيع و أن يثيبكم علي ذلك أعظم الأجر، و قد شخصت اليكم من مكه يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجه يوم الترويه فاذا قدم عليكم رسولي فاكتموا أمركم و خذوا حذركم فاني قادم عليكم في أيامي هذه ان شاء الله تعالي و السلام. فلما أقبل الرسول بالكتاب اعترضه الحصين بن نمير و بعث به الي ابن زياد فاتخرج الكتاب فلم يقبل تس ليمه اليه و مزقه و لم يمنكه منه فقال ابن زياد: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعه أمير المؤمنين، قال: ممن الكتاب و الي من؟ قال: من الحسين الي أهل الكوفه، فغضب ابن زياد فقال له: اصعد علي المنبر و سب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي، قال لما صعد المنبر: حمدالله و أثني عليه و قال أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمه الزهراء بنت رسول الله و أنا رسول اليكم و قد فارقته بالحجاز فأجيبوه ثم لعن عبيدالله ابن زياد و أباه واستغفر لعلي بن أبي طالب. قال: فامر ابن زياد بأن يلقي من أعلي القصر ففعل ب فمات من ساعته و عجل الله بروحه الي الجنه. قال الراوي: فبينما الحسين في المسير اذ طلع عليه ركب مقلبون من الكوفه و فيهم هلال بن نافع البجلي و عمرو بن خالد فسألهما عن الناس؟ فقال: أما الأشراف فقد استمالهم ابن زياد و عمرو بن خالد فسألهما عن الناس؟ فقال: أما الأشراف فقد استمالهم ابن زياد بالأموال، و أما باقي الناس فقلوبهم معك و سيوفهم عليك، و بلغاه الخبر عن مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروه أنهما قتلا. فقال انا لله و انا اليه اجعون، ثم قال للركب: ولكم علم برسولي؟ قالوا: نعم، قتله ابن زياد فاسترجع و بكي، و قال: جعل الله له الجنه ثوابا. اللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما انك علي كل شي ء قدير، ثم انه عليه السلام قام خطيبا بالناس و قال: انه قد نزل بنا من الأمر ما ترون و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها الا صبابه كصبابه


الاناء ألا ترون الي الحق لا يعمل به و الي الباطل لا ينتهي عنه ليرغب المؤمنين في لقاء الله محقا و لا يري الموت الا سعاده و الحياه مع الظالمين الا برما. ثم سار عليه السلام الي نصف النهار فرقد واستيقظ و قال رأيت هاتفا يقول: أنتم تسيرون و المنايا تسرع بكم الي الجنه. فقال له ابنه: يا أبتاه ألسنا علي الحق؟ قال: يا بني أي و الذي مرجع العباد اليه. فقال: اذا لا نبالي بالموت. ثم أنه عليه السلام سار حتي أتي الي موضع يقال له زياله فنزل بها و خطب الناس فقال: أيها الناس انما جمعتكم علي أن العراق لي و قد أتاني خبر فظيع عن ابن عمي مسلم يدل علي أن شيعتنا قد خذلتنا فمن كان منكم يصبر علي حر السيوف و طعن الأسنه فليتم معنا و الا فلينصرف عنا. قال فجعل القوم يتفرقون يمينا و شمالا حتي لم يبق معه من أهل بيته و مواليه نيف و سبعون رجلا و هم الذين خرجوا معه من مكه فسار بهم الي الثعلبيه فاعترضهم الحر بن يزيد الرياحي قادما من نحو القادسيه في أربعه آلاف فارس، فلم يزل الحر يساير الحسين حتي جاء وقت الظهر فخرج و صلي بالناس و قال: أيها الناس المعذره الي الله و اليكم اعلموا أني لم آتكم حتي أتتني كتبكم و بأن لك ما لنا و عليك ما علينا فان كنتم علي ذلك فقد أتيتكم و ان كنتم كارهين لقدومي انصرفت عنكم. فقال له الحر: لا نعرف ما تقول و لا نعرف من كتب اليك و لا من أرسل و انما أمرنا أن لا نفارقك الا عند عبيدالله بن زياد فقال الحسين: يا ويلك الموت أدني اليكم من ذلك ثم أنه عليه السلام هم بالرجوع فمعنه الحر أشد المنع فلما كثر بينهم الخطاب قال الحر: فاذا أبيت ذلك فخذ طريقا لا يدخلك الكوفه و لا يرع بك الي المدينه. قال فسار الحسين عليه السلام و الحر يساره حتي انتهي الي قصر بني مقاتل و اذا بفسطاط مضروب فقال عليه السلام: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لرجل يقطع الطريق فأرسل الحسين اليه فقال له: يا هذا انك قد جمعت علي نفسك ذنوبا كثيره فهل لك من توبه تمحص بها عنك الذنوب؟ قال: فماذا؟ قال تنصر ابن بنت رسول الله، فقال: و الله ما خرجت من الكوفه الا خوفا أن تقدم اليها فأكون أول من يحاربك مع ابن زياد ولكن هذه فرسي و هذا سيفي واعفني من ذلك فأعرض عنه الحسين فقال: اذا بخلت بنفسك فلا حاجه لنا في مالك و تلا هذه الآيه: (و ما كنت متخذ المضلين عضدا) ثم


قال: سمعت جدي رسول الله يقول: من سمع نداء أهل البيت و لم يجبه أكبه الله علي منخريه في النار. ثم أنه سار عليه السلام فلما فارقه الرجل ندم علي ما فاقه من نصره الحسين. قال: فبينما هم يسيرون و اذا براكب علي نجيب قد أقبل من حو الكوفه فلما وصل سلم علي الحر و لم يسلم علي الحسين ثم دفع الي الحر كتابا من ابن زياد يأمر فيه بالتعجيل فساروا جميعا الي أن انتهوا أرض كربلاء اذ وقف الجواد الذي تحت الحسين و لم ينبعث من تحته و كلما حثه علي المسير لم ينبعث خطوه واحده فنزل عنه و ركب غيره فلم ينبعث خطوه واحده، فقال الامام عليه السلام: يا قوم ما يقال لهذه الأرض؟ فقالوا نينوي، فقال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: نعم شاطي ء الفرات فقال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: نعم، تسمي كربلاء فعند ذلك تنفس الصعداء، فقال: هذه و الله كرب و بلاء و ههنا و الله ترمل النسوان و تذبح الأطفال و ههنا و الله تهتك الحريم فانزلوا بنا يا كرام فههنا محل قبورنا و ههنا و الله محشرنا و منشرنا و بهذه أوعدني جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لا خلف لوعده ثم أنه نزل عن فرسه و جلس بعد ذلك يصلح سيفه و هو يقول:



يا دهر أف لك من خليلي

كم لك بالاشراق و الأصيل



من طالب و صاحب قتيل

و الدهر لا ينقع بالبديل



و كل حي سالك سبيلي

و منتهي الأمر الي الجليل



و لم يزل يكرر هذه الأبيات حتي سمعت أخته زينب فوثبت تجر ذيلها حتي انتهت اليه و قالت له: يا أخي و قره عيني ليت الموت أعدمني الحياه يا خليفه الماضين و ثمال الباقين هذا كلام من أيقن بالموت وا ثكلاه اليوم مات جدي محمد المصطفي و أبي علي المرتضي و أمي فاطمه الزهراء و أخي الحسن الرضي. قال لها: يا أختاه لا يذهب بحملك الشيطان تعزي بعزاء الله فان أهل السماء و الأرض يموتون و كل شي ء هالك الا وجهه، أبي خير مني و أخي خير مني و لكل مسلم برسول الله أسوه. فقالت: يا أخي تقتل و أنا أنظر اليك؟ فردت غصته و تغرغرت عيناه بالدموع. فقال: يا أخي ردنا الي حرم جدنا. فقال: لو ترك القطا لغفا و نام. قالت: و الله يا أخي لا فرحت بعدك أبدا. ثم أنها


لطمت وجهها و أهوت الي جيبها فشقته و خرت مغشيه عليها ثم قام الحسين اليها و قال لها: يا أختاه بحقي عليك اذا أنا قتلت فلا تشقي علي جيبا و لا تخمشي وجهها و لا تدعين بالويل و الثبور. ثم حملها حتي أدخلها الخمه ثم خرج الي أصحابه و أمرهم أن يقربوا البيوت بعضها الي بعض ففعلوا ذلك ثم أن ابن زياد لعنه الله نادي في عسكره: معاشر الناس من يأتيني برأس الحسين و له الجائزه العظمي و أعطهع و لايه الري سبع سنين فقام اليه عمربن سعد لعنه الله و قال: أصبح الله و أمير. و قال: امض اليه و انعه من شرب الماء و آتني برأسه. فقال: أيها الأمير أخرني شهرا. قال: لا أفعل. قال: ليلتي هذه. قال: قد فعلت ثم نهض من وقته و ساعته و دخل مضربه، فدخل عليه أولاد المهاجرين و الأنصار و قالوا له: يابن سعد تخرج الي حرب الحسين و أبوك سادس الاسلام! فقال: لست أفعل ذلك ثم جعل يفكر في ملك الري و قتل الحسين فأضله الشيطان و أعمي قلبه فاختار قتل الحسين عليه السلام و ملك الري واستعد للحرب و مد العساكر الي أن تكملت عشرين ألفا فضيقوا علي الحسين و أصحابه، ثم أن الحسين قام متكئا علي سيفه و قال: أما بعد أيها الناس انسبوني من أنا وارجعوا الي أنفسكم فعاتبوها هل يحل لكم سفك دمي و انتهاك حرمي؟ ألست ابن بنت نبيكم و ابن عمه أولي الناس بالمؤمنين من أنفسكم؟ أو ليس حمزه سيدالشهداء عم أبي؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله في و في أخي؟ سلوا زيد بن أرقم و جابر بن عبدالله الأنصاري و سهل بن سعد الساعدي و أنس بن مالك يخبروكم عن هذا القول فان كنتم تشكون اني ما أنا ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري و الله ما تعمدت الكذب منذ أو بمال نشأت و عرفت أن الله يمقت الكذب و أهله هل تطالبونني يقتل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحه؟ فسكتوا. فلما كان اليوم التاسع من المحرم دعاهم عمر بن سعد الي المحاربه فأرسل الحسين عليه السلام أخاه العباس يلتمس منهم التأخير في تلك الليله، فقال ابن سعد للشمر ما تقول؟ فقال: أما أنا فلو كنت الأمير لم أنظر؛ فقال عمر بن سلمه: سبحان الله و الله لو كانوا من الترك أو الديلم و سألوك هذا ما كان لك أن تمنعهم فحينئذ أمهلهم، فكان لهم في تلك الليله دوي كدوي


النحل من الصلاه و التلاوه، ثم أن الحسين جمع أصحابه فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أما بعد، لا أعلم أن أصحابا أوفي و لا خير من أصحابي، و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا، ألا و اني قد أذنت لكم فانطلقوا فأتم في حل ليس عليكم مني دمام، و قد غشيكم الليل فاتخذوه سترا جميلا، فقال له اخوته و أبناؤه و أبناء عبدالله بن جعفر: لا نفعل ذلك و لا نبقي بعدك لا أرنا الله ذلك أبدا. فدعا لهم العباس و اخوته ثم بايعوه و قال لبني مسلم بن عقيل: حسبكم من القتل ما تقدم في مسلم اذهبوا فقد أذنت لكم قالوا لا و الله لا نفارقك أبدا حتي نضرب بسيوفنا و نقتل بين يديك، ثم أن الحسين ركب فرسه و تهيأ للقتال، ثم أن القوم أقبلوا يزحفون نحو الحسين فرمي عمربن سعد الي أصحاب الحسين سهما و قال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمي، فقال الحسين لأصحابه: قوموا الي الموت الذي لا مفر لكم عنه فنهضوا جميعا و التقي العسكران و امتاز الرجال من الفرسان واشتد الجدال بين العسكرين الي أن علا النهار فاشتد العطش بالحسين و أصحابه فدعا بأخيه العباس و قال له: اجمع أهل بيتك واحفر بئرا ففعلوا ذلك فطموها ثم حفروا أخري فطموها فتزايد العطش عليهم. فقال العباس لأخه الحسين: يا أخي ما تري ما حل بنا من االعطش و أشد الأشياء علينا عطش الأطفال و الحرم، فقال الامام عليه السلام امض الي الفرات و آتنا بشي ء من الماء فقال: سمعا و طاعه، فضم اليه رجالا و سار حتي أشرفوا علي المشرعه فوثبوا عليهم الرجال و قالوا لهم: ممن القوم؟ قالوا نحن من أصحاب الحسين، قالوا و ما تصنعون؟ قالوا: فقد كضنا العطش و أشد ذلك علينا عطش الحرم و الأطفال فلما سمعوا ذلك حملوا عليهم فمنعوهم، فحمل عليهم العباس فقتل منهم رجالا و جدل أبطالا حتي كشفهم عن المشرعه و نزل فملأ قربته و مد يده ليشرب فتذكر عطش الحسين عليه السلام فنفض يده و قال: و الله لا ذقت الماء و سيدي الحسين عطشان ثم صعد المشرعه فأخذه النبل من كل مكان حتي صار جلده كالقنفذ من كثرته فحمل عليه رجل من القوم فضربه ضربه قطع بها يمينه فأخذ السيق بشماله فحل عليه آخر فقطعها فانكب و أخذ السيف بفه فحمل عليه رجل فضربه به بعمود من حديد علي رأسه ففلق هامته فوقع علي


الأرض و هو ينادي يا أبا عبدالله مني السلام، فلما رأي الحسين أخاه و قد انصرع صرخ وا أخاه وا عباساه وا مهجه قلباه يعز و الله علي فراقك، ثم حمل علي القوم و كشفهم عنه ثم نزل اليه فحمله علي ظهر جواده و أقبل به الي الخيمه فطرحه و هو يبكي حتي أغمي عليه. و لله در من قال:



أحق الناس أن يبكي عليه

فتي أبكي الحسين بكربلاء



أخوه و ابن والده علي

أبو الفضل المضرج بالدماء



و من ساواه لا يثنيه شي ء

و جادله علي ظمأ بماء



و من قال أيضا:



و ما زال في حرب الطغاه مجاهدا

الي أن هوي فوق الصعيد مجدلا



و قد رشقوه بالنبال و خرقوا

له القربه الماء الذي كان قد ملا



فنادي حسينا و الدموع هوامل

أيا ابن أبي قد خاب كا كنت آملا



عليك السلام الله يا بن محمد

علي الرغم مني يا أخي نزل البلا



فلما رآه السبط ملقي علي الثري

يعالج كرب الموت و الدمع أهملا



فجاء اليه و الفؤاد مقرح

و نادي بقلب بالهموم قد امتلا



أخس كنت عوني في الأمور جميعها

أبا الفضل يا من كان للنفس باذلا



يعز علينا أن نراك علي الثري

طريحا و منك الوجه أضحي مرملا



عليك من الرحمن ألف تحيه

فقدرك عندي يا أخي الآن قد علا



فأبشر بجنات من الله في غد

و بالحور و الولدان و الفوز و العلي



روي أنه: لما قتل العباس تدافعت الرجال علي أصحاب الحسين عليه السلام فلما نظر ذلك نادي: يا قوم أما من مجير يجيرنا أما من مغيث يغيثنا أما من طالب حق فينصرنا أما من خائف من النار فيذب عنا أما من أحد يأتينا بشربه من الماء لهذا الطفل فانه لا يطيق الظمأ فقام اليه والده الأكبر و كان له من العمر سبعه عشر سنه، فقال: أنا آتيك بالماء يا سيدي. فقال: امض بارك الله فيك، قال فأخذ الركوه بيده، ثم اقتحم الشريعه و ملأ الركوه و أقبل بها نحو أبيه فقال يا أبه الماء لمن طلب اسق أخي و ان بقي شي ء فصبه علي فاني و الله عطشان فبكي الحسين


و أخذ ولده الطفل فأجلسه علي فخذه و أخذ الركوه و قربها الي فيه، فلما هم الطفل أن يشرب أتاه سهم مسموم فوقع في حلق الطفل فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئا فبكي الحسين و رمي الركوه من يده و نظر بطرفه الي السماء، و قال: اللهم أنت الشاهد علي قوم قتلوا أشبه الخلق بنبيك و حبيبك و رسولك:



و الله ما لي أنيس بعد فرقكم

الا البكاء و قرع السن من ندم



و لا ذكرت الذي أبدي الزمان لكم

الا جرت أدمعي ممزوجه بدمي



ثم أنه اشتد القتال بين الفريقين حتي قتل مقتله عظيمه و رجع الي أبيه يستغيث من العطش فقال له: اصبر قليلا حتي تلقي جدك أمير المؤمنين فيسقيك بكفه شربه شربه لا ظمأ بعدها، فرع و حمل عليهم فقتل مقتله عظيمه ثم كمن له ملعون من أصحاب عمر بن سعد فضربه ضربه علي مفرق رأسه فانصرع فنادي يا أباه هذا جدي محمد محمد المصطفي و هذا جدي علي المرتضي و هذه جدتي فاطمه الزهراء و هذه جدتي خديجه و هم اليك مشتاقون فأقبل الحسين و فرق القوم عنه و صاح بأعلي صوته فتصارخن النساء فقال لهن الحسين: استكن فان البكاء أمامكن، فأخذ رأس ولده و وضعه في حجره و جعل يم سح الدم عن وجهه و هو يقول: قتلوك يا بني ما أجرأهم علي الله و علي انتهاك حرم رسول الله قتل الله قوما قتلوك يا بني واغرورقت عيناه بالدموع، قال من شهد الوقعه كأني أنظر الي امرأه عيناه فقلت من هذه؟ قالوا: زينب بنت علي. فانظروا يا اخواني الي أهل المكر و العناد كيف حملهم الغل الكامن في الفؤاد علي قتل أولاد الرسول و ثمره فؤاد الزهراء البتول فتركوهم مصرعين علي الرمال في أذل الأحوال غير مراقبين فيهم ذا الجلال، رؤوسه في أعالي الرماح و أجسادهم شاحبه تسفي عليها الرياح، فهم ما بين قتيل يجري منه الصديد و أسيرا مكبل بالحديد. فيا عيوني سحي دموعا و يا فؤادي ذب كمدا و خشوعا فيحق علي هؤلاء الأطائب أن يبكي الباكون و يندب النادبون و تذرف الدموع من العيون أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته و تتابعت عليه الأشجان فنظم و قال فيهم: