بازگشت

الباب 1


أيها المؤمنون: جودوا بماء العيون المخزون، و أيها السامعون جددوا ثياب الأشجان و الحزون، و تساعدوا علي النياحه و العويل، و اسكبوا العبرات علي الغريب القتيل و اندبوا لمن اهتز لفقده عرش الجليل و نوحوا أيها المحبون لآل الرسول و ابكوا علي مصاب أبناء البتول، و سحوا عليهم بالدموع فانهم أعلام الأنام و أئمه أهل الاسلام فلعلكم تواسونهم في المصاب باظهار الجزع و الاكتئاب و الاعلام بالحنين و الانتحاب، فيا خيبه من جهل فضلهم وانكر قدرهم ولكنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور:



وقفت علي الدار التي كنتم بها

فمغناكم من بعد معناكم قفر



و قد درست منها الرسوم و طالما

بها درس العلم الالهي و الذكر



فراق فراق الروح بعد بعدكم

و دار برسم الدار في خاطري الفكر



روي عن زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام قال: لما أتوا برأس أبي الي يزيد فكان يتخذه بمجالس الشراب و يأتي برأس أبي و يضعه بين يديه و يشرب عليه فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم و كان من أشرافهم و عظمائهم، فقال: يا ملك العرب هذا رأس من؟ قال يزيد لعنه الله: ما لك بذلك حاجه، قال: اني اذا رجعت الي ملكنا يسألني عن كل شي ء رأيته


فأحببت أن أخبره بقصه هذا الرأس حتي يشاركك في الفرح و السرور، فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: و من أمه؟ قال: فاطمه الزهراء بنت محمد المصطفي، قال النصراني: أما تراني اذا حققت النظر اليه يقشعر جسمي، واسمعه يقرأ آيات من كتابكم! أف لك ولدينك، ديني خير من دينك، اعلم أن أبي من حوافد داود عليه السلام و بيني و بينه آباء كثيره و النصاري يعصمونني و يأخذون من تراب أقدامي تبركا في و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم رسول الله و ما بينكم و بينه الا أم واحده، فأي دين أحسن من دينكم؟ أما سمعت يا يزيد كنيسه الحافر، فقال: لا و الله، قال له: اعلم أن بين عمان و الصين بحر مسيره سنه ليس فيه عمران الا بلده واحده في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا، و عرضها مثله ما علي وجه الأرض بلده أكبر منها و منها يحمل الكافور و الياقوت و أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصاري لا ملك عليهم و فيها كنائس كثيره لكن أعظمها كنيسه الحافر في محرابها حقه من ذهب، معلق بها حافر يزعمون أنه حمار عيسي عليه السلام و قد زخرفوا حول الحقه بالذهب و الديباج يقصدها في كل عام عالم من النصاري يطرفون حولها و يقبلونها و يرفعون حوائجهم الي الله تعالي، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم، لا بارك الله فيكم و لا في دينكم فاغتاظ يزيد لعنه الله قال: اقتلوا هذا النصراني لكي لا يفضحنا في بلاده.

فلما أحس النصراني بذلك قال: أمرت بقتلي؟ قال: نعم، فخر ساجدا الي الأرض شكرا لله تعالي، و قال: اعلم أني رأيت البارحه نبيكم في المنام و هو يقول: يا نصراني أنت من أهل الجنه، فعجبت غايه العجب، فوثب الي الرأس و ضمه الي صدره و نادي: السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين و رحمه الله و بركاته، اشهد لي عند ربك وجدك و أبيك و أمك و أخيك بأني: أشهد أن لا اله الا الله وحئه لا شريك له، و أشهد أن محمدا رسول الله، و أن عليا ولي فغاروا عليه بالسيوف و قطعوه رحمه الله تعالي:



هدأت العيون و دمع عينك يهمل

سحا كما و كف الضباب المخضل



و كأنما بين الجوانح و الحشا

مما تأويني شهاب مدخل






وجدا علي النفر الذين تتابعوا

يوما بموته اسندوا لم يقفلوا



فتغير القمر المنير لفقدهم

و الشمس قد كسفت و كادت تأفل



قوم علا بنيانهم من هاشم

فرع اشم وسؤدد ما ينقل



قوم بهم نصروا الاله رسوله

و عليهم نزل الكتاب المنزل



و بهديهم رضي الاله لخلقه

و بجدهم نصر النبي المرسل



روي أن رجلا مؤمنا من أكابر بلاد بلخ كان يحج بيت الله الحرام و يزور قبر النبي في أكثر الأعواهم، و كان يأتي علي بن الحسين فيزوره، و يحمل اليه الهدايا و التحف و يأخذ مصالح دينه منه، ثم يرجع الي بلاده، فقالت له زوجته: أراك تهدي تحافا كثيره، و لا أراه يجازيك عنها بشي ء، فقال: ان الرجل الذي نهدي اليه هدايانا هو ملك الدنيا و الآخره، و جميع ما في أيدي الناس تحت ملكه، لأنه خليفه الله في أرضه و حجته علي عباده، و هو ابن رسول الله، و هو امامنا و مولانا و مقتدانا، فلما سمعت ذلك منه امسكت عن ملامته، قال: ثم أن الرجل تهيأ للحج مره أخري في السنه القالبه و قصد علي بن الحسين فاستاذن له فدخل فسلم عليه و قبل يديه و وجد بين يديه طعاما فقربه اليه و أمره بالأكل معه،فأكل الرجل حسب كفايته، استدعي بطشت و ابرايق فيه ماء فقام الرجل فأخذ الابريق و صب اماء علي يدي الامام، فقال الامام: يا شيخ أنت ضيفنا فكيف تصب علي يدي الماء؟ فقال اني أحب ذلك، فقال الامام عليه السلام: حيث أنك أحببت ذلك فوالله لأدريك ما تحب و ترضي به و تقر به عيناك فصب الرجل الماء علي يديه حتي امتلأت ثلث الطشت، فقال الامام للرجل: ما هذا؟ قال: ماء: فقال الامام: بل هو ياقوت أحمر، فنظر الرجل اليه فاذا هو قد صار ياقوتا أحمر باذن الله تعالي، ثم قال الامام عليه السلام: يا رجل صب الماء أيضا فصب الماء علي يدي الامام مره أخري حتي امتلأ ثلثي الطشت، فقال له: ما هذا؟ قال: هذا ماء، فقال الامام: بل هذا زمرد اخضر، فنظر الرجل اليه فاذا هو زمرد أخضر، ثم قال الامام أيضا: صب الماء يا رجل، فصب الماء علي يدي الامام حتي امتلأ الطشت، فقال للرجل: ما هذا؟ فقال: ماء، قال: بل هذا در أبيض، فنظر الرجل اليه فاذا هو در أبيض باذن الله تعالي، و صار الطشت ملآنا


من ثلاثه ألوان: در، و ياقوت، و زمرد فتعجب الرجل غايه العجب وانكب علي يدي الامام يقبلهما، فقال له: يا شيخ لم يكن عندنا شي ء نكافيك علي هداياك الينا فخذ هذه الجواهر فانها عوض هديتك و اعتذر لنا عند زوجتك لأنها عتبت علينا فأطرق الرجل رأسه خجلا، و قال يا سيدي من أنبأك بكلام زوتي؟ فلا شك أنك من بيت النبوه، ثم أن الرجل ودع الامام و أخذ الجواهر و سار بها الي زوجته وحدثها بالقصه، قالت: و من أعلمه بما قلت؟ فقال: ألم أقل لك انه من بيت العلم و الآيات الباهرات، فسجدت لله شكرا و أقسمت علي بعلها بالله العظيم أن يحملها معه الي زيارته و النظر الي طلعته، فلما تجهز بعلها للحج في السنه القابله أخذها معه فمرضت المرأه في الطريق و ماتت قريبا من مدينه الرسول، فجاء الرجل الي الامام باكيا حزينا و أخبره بموت زوجته و انها كانت قاصده الي زيارته و زياره جده رسول الله، فقام الامام و صلي ركعتين و دعا الله سبحانه بدعوات لم تحجت، ثم التفت الي الرجل، فقال له: قم و ارجع الي زوجتك فان الله عزوجل قد أحياها بقدرته و حكمته و هو يحيي العظام و هي رميم فقام الرجل مسرعا و هو فرح، بين مصدق و مكذب، فدخل الي خيمته، فرأي زوجته جالسه في الخيمه علي حال الصحه فزاد سروره و اعتقد ضميره، و قال لها: كيف أحياك الله تعالي؟ فقالت: و الله لقد جاءني ملك الموت و قبض روحي، و هم أن يصعد بها و اذا برجل صفته كذا و كذا و جعلت تعدد أوصافه الشريفه و بعلها يقول لها نعم صدقتي هذه صفه سيدي و مولاي علي بن الحسين عليهما السلام قال: فلما رآه ملك الموت مقبلا انكب علي قدميه يقبلهما و يقول السلام عليك يا حجه الله في أرضه، السلام عليك يا زين العابدين فرد عليه السلام و قال له: يا ملك الموت أعد روح هذه المرأه الي جسدها فانا قاصده الينا و اني قد سألت ربي أن يبقيها ثلاثين سنه أخري و يحييها حياه طيبه لقدومها الينا زائره لنا فان للزائر علينا حقا واجبا. فقال له الملك سمعا و طاعه لك يا ولي الله، ثم أعاد روحي الي جسدي و أنا أنظر الي ملك الموت قبل يده الشرفه و خرج عني فأخذ الرجل بيد زوجته و أتي بها مجلس الامام و هو بين أصحابه، وانكبت علي ركبتيه تقبلهما و هي تقول: هذا و الله سيدي و مولاي هذا الذي أحياني الله


ببركه دعائه. قال: و لم تزل المرأه مع بعلها مجاورين عند الامام بقيه أعمارهما بعيشه طيبه في البلده الطيبه الي أن مات رحمه الله عليهما، فيا اخواني: اذا كان الامام زين العباد هذه حالته عند الله كيف يستحق أن تغل يداه و تسبي نساؤه و يحملن علي أقتاب الجمال بغير و طاء و يطاف بهن البلدان بين أهل العناد حزب الشيطان فلا حول و لا قوه الا بالله و علي ظالمي أهل البيت لعنه الله.

روي عن حذلم بن بشير قال: قدمت الكوفه في المحرم سنه احدي و ستين وقت منصرف علي بن الحسين عليه السلام بالنسوه من كربلاء و منهم الأجناد يحيطون بهم و قد خرج الناس لينظروا اليهم، فلما أقبل بهم علي الجمال بغير و طاء و لا غطاء جعلن نساء الكوفه يبكين و ندبن، فسمعت علي بن الحسين و هو يقول و قد نهكته العله و في عنقه الجامعه و يده مغلوله الي عنقه: ان هؤلاء النسوه يبكين! فمن قتلنا؟ قال: و رأيت زينب بنت علي عليهما السلام و لم أر خفره أنطق منها، كأنها تفرغ من لسان أمير المؤمنين عليه السلام، قال: و قد أومت الي الناس أن استكوا، فارتدت الأنفاس و سكنت الأصوات فقالت: الحمدلله و الصلاه علي أبي رسول الله صلي الله عليه و آله أما بعد: يا أهل الكوفه فلا رقت لكم العبره، و لا هدأت الرنه، فانما مثلكم كالتي نقضت غزلها من بعده قوه انكاثا، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم، ألا و هل فيكم الا الصلف الظلف، و الصرم السرف، خوارون في اللقاء عاجزون عن الأعداء ناكثون في البيعه، مضيعون للذه، فبئس ما قدمت لكم أنفسكم، ان سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون، أتبكون؟ أي و الله فابكوا كثيرا، فسليل خاتم الرساله و سيد شباب أهل الجنه و ملاذ خيرتكم و مفزع نازلتكم و اماره محجتكم و مدرجه و مدرجه حجتكم خذلتم و له قتلتم، ألا ساء ما تزرون فتعسا و نكسا و لقد خاب السعي و تبت الأيدي و خسرت الصفقه و بؤتم بغضب من الله و ضربت عليكم الذله و المسكنه و يلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم، و أي دم له سفكتم و أي كريمه له أبرزتم، لقد جئتم شيئا ادا (تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا)، و لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء بلاغ الأرض و السماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما، و لعذاب الآخره


أخزي، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحقره البدار و لا يخاف عليه فوت النار كلا ان ربك لبالمرصاد، قال: ثم سكتت، فرأيت الناس حياري قد ردوا أيديهم علي أفواههم، و رأيت شيخا قد بكي حتي أخضبت لحيته و هو يقول:



كهوله خير الكهول و نسلهم

اذا عد نسل لا يخيب و يخزي



و علي الأطائب من أهل بيت الرسول فلبيك الباكون، و اياهم فليندب النادبون و لمثلهم تذرف الدموع من العيون، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان فنظم و قال فيهم: