بازگشت

الباب 3


أيها المؤمنون الناصحون، و الاخلاء الصالحون، عجوا بالبكاء و العويل،


و اندبوا أهل الايمان و التنزيل، و يا أهل الأمانه و الطاعه ساعدوا أهل الكرامه و الشفاعه، أولم تسمعوا يا ذوي العقول بمصيبه آل الرسول؟ فواعجباه من هذه المصائب التي تسكب العبرات. و يا تعجباه ممن لا يساوي موالي في النكبات! فكيف يدعي المحبه من لا ينوح علي أولاد الرسول، و ثمره فؤاد البتول؟ فهل تحسن المراثي و الندب الا علي المقتولين من غير سبب؟ فيا وقعه ما أمرها! ويا قتله ما أحرها؟ منعوهم من الماء المباح و سقوهم السيوف و الرماح، فليت شعري ما ان السبب لذلك حتي أوردوهم تلك المهالك مشردين عن البلاد مفجوعين في الأهل و الأولاد؟ فمنهن من تخمش وجهها بيديها، و منهن من ينزع قرطيها من أذنيها. فيا من مصيبه في الأنام تضعضعت لها سائر بلاد الاسلام فنحتسب أجرها عند الله، و لا حول و لا قوه الا بالله العلي العظيم.

نقل عن أم سلمه قالت: كان رسول الله صلي الله عليه و آله ذات يوم معي فبينما هو راقد علي الفراش، جاعل رجله اليمني علي اليسري و هو علي قفاه و اذا بالحسين عليه السلام و هو ابن ثلاث سنين واشهر، أتي اليه فلما رآه صلي الله عليه و آله و سلم قال: مرحبا بقره عيني مرحبا بثمره فؤادي، و لم يزل يمشي حتي ركب علي صدر جده فأبطأ، فخشيت أن النبي تعب فأحببت أنحيه عنه، فقال: دعيه يا أم سلمه متي أراد الانحدار، وا علمي من آذي منه شعره فقد آذاني، قالت: فتركته و مضيت، فما رجعت الا و رسول الله يبكي فعجبت من بعد الضحك و الفرح، فقربت منه و قلت: يا سيدي ما يبكيك لا أبكي الله عينك؟ و هو ينظر لشي ء بيده و يبكي، قال: ما تنظرين؟ فنظرت و اذا بيده تربه فقلت ما هي؟ قال: أتاني بها جبرائيل هذه الساعه، و قال لي: يا رسول الله هذه طينه من أرض كربلاء و هي طينه ولد الحسين و تربته التي يدفن فيها، فصيريها عندك في قاروره فاذا رأيتها قد صارت دما عبيطا، فاعلمي أن ولدي الحسين قد قتل و سيصير ذلك من بعدي و بعد أبيه و أمه وجدته و أخيه. قالت: فبكيت و أخذتها من يده وائتمرت بما أمرني و اذا لها رائحه كأنها المك الأذفر، فما مضت الأيام و السنون الا و قد سافر الحسين الحسين الي أرض كربلاء، فحس قلبي بالشر و صرت كل يوم اتجسس القاروره فبينما أنا كذلك و اذا بالقاروره انقلبت دما دما عبيطا فعلمت أن الحسين قد


قتل، فجعلت أنوح وابكي يومي كله الي الليل و لم اتهن بطعام ولا منام الي طائفه من الليل 7 فأخذني النعاس و اذا أنا بالطيف برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مقبل وعلي رأسه ولحيته دم كثير فجعلت انفضه بكمي وأقول: نفسي لنفسك الفداء متي اهملت نفسك هكذا يا رسول الله من أين لك هذا التراب؟ قال: هذه الساعه فرغت من دفن ولدي الحسين. قالت أم سلمه: فانتهبهت مرعوبه لم أملك علي نفسي فصحت: وا حسيناه وا ولداه وا مهجه قلباه حتي علا نحيبي فأقبلت الي نساء الهاشميات و غيرهن و قلن ما الخبر يا أم المؤمنين؟ فحكيت لهن بالقصه فعلا الصراخ و قام النياح، و صار كأنه حين ممات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و سيعن الي قبره مشقوقه الجيب و مكشوفه الرأس فصحن يا رسول الله قتل الحسين فوالله الذي لا اله الا هو، فقد حسسنا كأن القبر يموج بصاحبه حتي تحركت الأرض من تحتنا فخشينا أنها تسيخ بنا فانحرفنا بين مشقوقه الجيب و منشوره الشعر و باكيه العين.

فيا اخواني: مصابهم هو الذي أحرمنا الهجوع و اسكب من أعيننا سحائب الدموع و قلل صبرنا و أذهل فكرنا و هد منا الأركان و أسلمنا الذل و الهوان فالحكم لله، و لا حول و لا قوه الا بالله:



غريبون عن أوطانهم و ديارهم

تنوح عليهم في البراري وحوشها



و كيف و لا تبكي العيون لمشعر

سيوف الأعادي في العلاء تنوشها



بدور تواري نورها فتغيرت

محاسنها ترب الفلا نعوشها



و روي أن المتئكل من خلفاء بني العباس، كان كثير العدواه شديد البغض لأهل بيت الرسول، و هو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسين عليه السلام و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي، بحيث لا يبقي له أثر ولا أحد يقف له علي خبر، و توعد الناس بالقتل لمن زار قبره و جعل رصدا من أجناده و أوصاهم كل من ودتموه يريد زياره الحسين فاقتلوه. يريد بذلك اطفاء نور الله و اخفاء آثار ذريه رسول الله فبلغ الخبر الي رجل من أهل الخير يقال له زيد المجنون و لكنه ذو حجه كل أديب، و كان لا يعبأ من الجواب و لا يمل من الخطاب، فسمع بخراب قبر الحسين و حرث مكانه فعظم ذلك عليه واشتد حزنه و تجدد مصابه


بسيده الحسين عليه السلام و كان يومئذ بمصر فلما غلب عليه الوجد و الغرام لحرث قبر الامام عليه السلام خرج من مصر ماشيا هائما علي وجهه شاكيا وجده الي ربه، و بقي حزينا كئيبا حتي بلغ الكوفه، و كان البهلول يومئذ بالكوفه فلقيه زيد المجنون و سلم عليه فرد عليه السلام فقال له: من أين لك معرفتي و لم ترني قط؟ فقال زيد: يا هذا اعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف، فقال له البهلول: يا زيد ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابه و لا مركب؟ فقال: و الله ما خرجت الا من شده و جدي و حزني و قد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السلام و خراب بنيانه و قتل زواره، فهذا الذي أخرجني من موطني و نغض عيشي و أجري دموعي و أقل هجوعي. فقال البهلول: و أنا و الله كذل، فقال له: قم بنا نمضي الي كربلاء لنشاهد قبور أولاد علي المرتضي. قال: فأخذ كل بيد صاحبه حتي و صلا الي قبر الحسين و اذا هو علي حاله لم يتغير و قد هدموا بنيانه، و كلما أجروا عليه الماء غار و حا و استدار بقدره العزيز الجبار، و لم يصل قطره واحده الي قبر الحسين عليه السلام و كان القبر الشرف اذا جاءه الماء يرتفع أرضه باذن الله تعالي، فتعجب زيد المجنون مما شاهده و قال: اظر يا بهلول (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره المشركون)

قال: و لم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين مده عشرين سنه، و القبر علي حاله لم يتغير و لا تعلوه قطره من الماء، فلما نظر الحارث الي ذلك، قال آمنت بالله و بمحمد رسول الله، و الله لا هربن علي وجهي و أهيم في البراري و لا أحرث قبر الحسين بن بنت رسول الله، و ان لي مده عشرين سنه انظر آيات الله و اشاهد براهين آل بيت رسول الله، و لا اتعظ و لا اعتبر، ثم انه حل الثيران و طرح الفدان و أقبل يمشي نحو زيد المجنون و قال له: من أين أقبلت يا شيخ؟ قال: من مصر، فقال له: ولأي شي ء جئت الي هنا؟ و اني أخشي عليك من القتل، فبكي زيد و قال: و الله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام فأحزنيي ذلك و هيج حزني و وجدي فانكب الحارث علي أقدام زيد يقبلهما و هو يقول: فداك أبي و أمي، فوالله يا شيخ من حين ما أقبلت الي أقبلت الي الرحمه و استنار قلبي بنور


الله و اني آمنت بالله و رسوله و ان لي مده عشرين سنه، و أنا أحرث هذه الأرض، و كلما أجريت الماء الي قبر الحسين غار و حار و استدار و لم تصل الي قبر الحسين منه قطره، و كأني كنت في سكر و أفقت الآن ببركه قدومك الي فبكي زيد و تمثل بهذه الأبيات:



تالله ان كانت أميه قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما



اسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما



فبكي الحارث و قال: يا زيد قد أيقظتني من رقدتي و أرشدتني من غفلتي و ها أنا الآن ماض الي المتوكل بسر من رأي أعرفه بصوره الحال ان شاء أن يقتلني و ان شاء يتركني، فقال له زيد: و أنا أيضا أسير معك اليه و أساعدك علي ذلك، قال: فلما دخل الحارث الي المتوكل و أخبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السلام استشاط غيظا و ازداد بغضا لأهل بيت رسول الله و أمر بقتل الحارث و أمر أن يشد حبل في رجليه و يسحب علي وجهه في الأسواق، ثم يصلب في مجتمع الناس ليكون عبره لمن اعتبر، و لا يبقي أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا. أما زيد المجنون فانه ازداد حزنه و اشتد عزاؤه و طال بكاؤه، و صبر حتي أنزلوه من الصلب و ألقوه علي مزبله هناك، فجاء اليه زيد فاحتمله الي الدجله و غسله و كفنه و صلي عليه و دفنه، و بقي ثلاثه أيام لا يفارق قبره و هو يتلو كتاب الله عنده، فبينما هو ذات يوم جالس اذ سمع صراخا عاليا و نوحا شجيا و بكاء عظيما و نساء بكثره منشرات الشعور مشققات الجيوب مسودات الوجوه، و رجالا بكثره يندبون بالويل و الثبور و الناس كافه في اضطاب شديد و اذا بجنازه محموله علي أعناق الرجال و قد نشرت لها الأعلام و الرايات و الناس من حوله أفواجا قد انسدت الطرق من الرجال و النساء، قال زيد فظننت أن المتوكل قد مات، فتقدمت الي رجل منهم و قلت له: من يكون هذا الميت فقال: هذه جنازه جاريه المتوكل و هي جاريه سوداء حبشيه و كان اسمها ريحانه، و كان يحبها حبا شديدا، ثم انهم علموا لها شأنا عظيا و دفنوها في قبر جديد و فرشوا فيه الورد و الرياعين و المسك و العنبر و بنوا عليها قبه عاليه، فلما نظر زيد الي ذلك ازدادت


أشجانه و تصاعدت نيرانه و جعل يلطم وجهه و يمزق أطماره حثي التراب علي رأسه و هو يقول: وا ويلاه وا أسفاه عليك يا حسين اتقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآنا شهيدا، و تسبي نساؤك و بناتك و عيالك و تذبح أطفالك و لم يبك عليك أحد من الناس و تدفن بغير غسل و لا كفن و يحرث لعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك و أنت ابن علي الرتضي و ابن فاطمه الزهراء و يكون هذا الشأن العظيم لموت جاريه سداء و لم يكن الحزن و البكا لابن محمد المصطفي. قال: و لم يزل يبكي و ينوح حتي غشي عليه و الناس كافه ينظرون اليه، فمنهم من رق له و منهم من جثي عليه فلما أفاق من غشوته، أنشأ يقول:



أيحرث بالطف قبر الحسين

و يعمر قبر بني الزانيه



لعل الزمان بهم قد يعود

و يأتي بدولتهم ثانيه



ألا لعن الله أهل الفساد

و من يأمن الدنيه الفانيه



قال: ثم ان زيدا كتب هذه الأبيات في ورقه و سلمها لبعض حجاب المتوكل قل: فلما قرأها اشتد غيظه و أمر باحضاره فاحضر و جري بينهما من الوعظ و التوبيخ ما أغاظه حتي أمر بقتله، فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو؟ استحقارا له، فقال: و اله انك عارف به و بفضله و شرفه و حسبه و نسبه، فوالله ما يجحد فضله الا كل كافر مرتاب و لا يبغضه الا كل منافق كذاب، و شرع يعدد فضله و مناقبه، حتي ذكر منها ما أغاظ المتوكل فأمر برجله، و قال له: قم و أخرج زيدا و الا أهلكك الله عاجلا، فقام هو بنفسه وا خرج زيدا من حبسه و خلع عليه خلعه سنيه و قال له: اطلب ما تريد، قال: أريد عماره قبر الحسين و أن لا يتعرض أحد بزواره، فأمر له بذلك، فخرج من عنده فرحا مسرورا و عل يدور في البلدان و هو يقول: من أراد زياره قبر الحسين فله الأمان طول الأزمان، و علي الأطائب من أهل بيت الرسول فلبيك الباكون و اياهم فليندب النادبون، و لمثلهم تذرف الدموع من العيون، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان و الأشجان فنظم و قال فيهم: