بازگشت

الباب 3


أيها المؤمنون قاطعوا رقاد العيون و اصلوا سهاد الجفون و امسكوا عن اللذات و ابذلوا الدموع الجاريات فان اظهار الدموع الباديه دليل علي اظهار الاحزان الخافيه،و اني كلما تزايدت علي الأفكار يتوقد في قلبي لهيب النار فلا أجد من ألتجي ء اليه و لا أعول في بث حزني عليه و كيف لا تحزن علي سادات العباد و أنوار الله في البلاد و حجج الله علي الخلاق و لسانه الناطق و الشهود علي الامم بين يدي باري النسم:



و أعظم ما بي شجو زينب اذ رأت

أخاها طريحا للمنايا يمارس



تقول أخي يا واحدي شمت العدا

بنا واشتقي فينا الحسود المنافس



أخي يا أخي يا خير ذخر فقدته

و أنفس شي ء صابني فيه نافس



أخي يا أخي قد كان غايه منيتي

بأن يحتويني قبل فقدك غامس



أخي اليوم مات المصطفي و وصيه

و لم يبق للاسلام بعدك حارس



أخي من لأطفال النبوه يا أخي

و من لليتامي ان قضيد يوانس



أخي من يحامي عن حريم محمد

و يصلح أحوالا لها الدهر مائس



و فاطمه الصغري تخاطب جدها

و نحو أبيها طرفها متشاوس



تقول له يا جد ليتك شاهد

و قد حكمت فينا الكلاب النواهس



لتنظر يا جداه سبطك ظاميا

و سابحه في لجه الموت طامس



فلله ذا من فادح ما أجله

ورزء له عرش الميهن رائس



روي أن العباس بن علي عليه السلام كان حامل لواء أخيه الحسين عليه السلام فلما رأي جميع عسكر الحسين عليه السلام قتلوا و اخوانه و بنو عمه بكي و أني الي لقاء ربه اشتاق و حن فحمل الرايه و جاء نحو أخيه الحسين عليه السلام و قال: يا أخي هل رخصه فبكي الحسين عليه السلام بكاءا شديدا ابتلت لحيته المباركه بالدموع عليه السلام، ثم قال: يا


أخي كنت العلامه من عسكري و مجمع عددنا فاذا أنت غدوت يؤل جمعنا الي الشتات و عمارتنا تنبعث اليالخراب فقال العباس: فداك روح أخيك يا سيدي قد ضاق صدري من حياه الدنيا و أريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين، فقال الحسين عليه السلام اذا غدوت الي الجهاد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء، فلما أجاز الحسين عليه السلام أخاه العباس للبراز برز كالجبل العظيم و قبله كالطود الجسيم لأنه كان فارسا هماما و بطلا ضر غاما و كان جسورا علي الطعن و الضرب في ميدان الكفاح و الحرب فلما توسط الميدان وقف و قال: يا عمر بن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول انكم قتلتم أصحابه و اخوته و بني عمه و بقي فريدا مع أولاده و هم عطاشا قد أحرق الظلمأ قلوبهم فاسقوه شربه من الماء لأن أطفاله و عياله و صلوا الي الهلاك و هو مع ذلك يقول لكم دعوني أخراج الي أطراف الروم و الهند و أخلي لكم الحجاز و العراق و الشرط لكم ان غدا في القيامه لا أخاصمكم عندالله حتي يفعل الله بكم ما يريد فلما أوصل العباس اليهم الكلام عن أخيه فمنهم من سكت و لم يرد جوابا و منهم من جلس يبكي فخرج الشمر و شبث بن ربعي لعننهما فجاء نحو العباس و قال: يا بن أبي تراب قل لأخيك لو كان كل وجه الأرض ماءا و هو تحت أيدينا ما أسقيناكم منه قطره الا أن تدخلوا في بيعه يزيد فتبسم العباس و مضي الي أخيه الحسين و عرض عليه ما قالوا، فطأطأ رأسه الي الأرض و بكي حتي بل أزياقه فسمع الحسين عليه السلام الأطفال ينادون العطش فلما سمع العباس ذلك رمق بطرفه الي السماء و قال: الهي و سيدي أريد اعتد بعدتي و أملي ء لهؤلاء الأطفال قربه من الماء فركب فرسه و أخذ رمحه و القربه في كتفه و كان قد جعل عمر بن سعد لعنه الله تعالي أربعه آلاف خارجي موكلين علي الماء لا يدعون أحدا من أصحاب الحسين يشربون منه فلما رأوا العباس قاصدا الي الفرات أحاطوا به من كل جانب و مكان فقال لهم: يا قوم أنتم كفره أم مسلمون؟ هل يجوز في مذهبكم أو في دينكم أن تمنعوا الحسين و عياله شرب الماء و الكلاب و الخنازير يشربون منه و الحسين مع أطفاله و أخل بيته يموتون من العطش أما تذكرون عطش القيامه، فلما سمعوا كلام العباس وقف خمسمائه رجل ورموه بالنبل و السهام فحمل عليهم فتفرقوا عنه


هاربين كما تتفرق الغنم عن الذئب و غاص في أوساطهم و قتل منهم علي ما نقل تقريبا من ثمانين فارسا فهمز فرسه الي الماء وأراد أن يشرب فذكر عطش الحسين و عياله و أطفاله فرمي الماء من يده و قال و الله لا أشربه وأخي الحسين عليه السلام و عياله و أطفاله عطاشا لا كان ذلك أبدا، ثم ملأ القربه و حملها علي كتفه الأيمن و همز فرسه و أراد أن يوصل الماء الي الخيمه فاجتمع عليه القوم فحمل عليهم فتفرقوا عنه و صار نحو الخيمه فقطعوا عليه الطريق فحاربهم محاربه عظيمه فصادفه نوفل الأزرق و ضربه علي يده اليمني فبراهما فحمل العباس القربه علي كتفه الأيسر فضربه نوفل أيضا فبرا كتفه الأيسر من الزند فحمل القربه باسنانه فجاء سهم فأصاب القربه فانفرت و أريق ماءها ثم جاء سهم آخر في صدره فانقلب عن فرسه الي الأرض و صاح الي أخيه الحسين أدركني فساق الريح الكلام الي الخيمه فلما سمع كلامه أتاه فرماه طريحا فصاح وا أخاه وا عباساه وا قره عيناه وا قله ناصراه ثم بكا بكاءا شديدا و حمل العباس الي الخيمه فجددوا الأحزان واقاموا العزاء

و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون:



لهفي علي العباس لما أن دني

نحو الفرات بقلبه الحران



فأراد شرب الماء و قال بنفسه

وا لهفتاه للسيد الظمآن



عاف الشرب و لم يبل أو أمه

و جد الوجد أخيه و الاخوان



لهفي علي العباس اذ حاطوا به

من كل فج اقبلوا و مكان



حاطوا به واستفردوه و خرقوا

قربا ملأها قاصد النسوان



ثاروا عليه بطعنهم و بضربهم

و بطعنهم أردوه في الميدان



فعلاه رجس فاجر بحسامه

قطع اليمين بمشرفي و يماني



و هواه آخره ضربه في رأسه

حتي رماه بحوبه الجولاني



فأتي الحسين اليه و هو مسارع

فرآي أخاه مكابد الحدثان



فبكي و قال جزيت خيرا من أخ

واسي أخاه بشده و هوان



أديت حقا للأخوه يا أخي

وحضيت وصل الحور و الولدان



يا أول الشهداء يا بن المرتضي

صلي عليك الله كل أوان



و الله تلك مصيبه لم أنساها

الا اذا أدرجت في الأكفان




حكي عن علي بن الحسين عليه السلام أنه منذ وفاه أبيه الحسين ما أكل لحم الرؤوس حزنا علي رأس أبيه، و كان عمره يومئذ أحد عشر سنه و لم يزل يبكي علي مصاب أبيه أربعين سنه و هو مع ذلك صائم نهاره قائم ليله فاذا احضر الطعام لافطاره قال: وا كرباه لكربك يا أباه وا أسفاه لقتلك يا أباه، ثم يبكي طويلا و هو يقول: قتل ابن بنت رسول الله جائعا قتل ابن بنت رسول الله عطشانا و أنا آكل الزاد و أشرب الماء لا هناني الأكل و الشرب يعز عليك يا أبي ليتني لم أر مصرعك، قال: و لم يزل يبكي حتي تبل الدموع وجهه و لحيته و يغشي عليه فاذا أفاق أكل قليلا و حمد الله كثيرا و قام الي عباده ربه و أصبح صائما و لم يزل هكذا حتي مات رحمه الله عليه و رضوانه:



و أبلج و ضاح الجبين تجمعت

به من معاني المكرمات فنون



اذا أسهرت عيناه من خوف ربه

أقرت به للأولياء عيون



حكي فضيل بن عبد ربه أنه قال: دخلت علي الامام موسي بن جعفر عليه السلام فقلت له: يا سيدي اني أنشدك قصيده للسيد اسماعيل الحميري، قال: أجل، ثم أنه عليه السلام أمر بستور فسدلت و أبواب ففتحت و أجلس حريمه من وراء الستر، ثم قال: أنشد يا فضيل بارك الله فيك فانشدته قصيده للسيد التي أولها: (لأم عمر باللوي مربع) فلما بلغت الي (و وجهه كالشمس اذ تطلع) سمعت نحيبا من وراء الستر و ذلك بكاء أهل بيته و عياله، و بكي هو أيضا عليه السلام لأنه كان رقيق القلب سريع العبره فقال لي: يا فضيل لمن هذه القصيده؟ فقلت: هذه للسيد الحميري، فقال: يرحمه الله، فقلت يا مولاي: اني رأيته يرتكب المعاصي، فقال: يرحمه الله، فقلت: اني رأيته يشرب النبيذ الرستاق، فقال: تعني الخمر؟ قلت: نعم، قال: يرحمه الله و ما ذاك علي الله بعسير أن يغفر لمحب جدي علي بن أبي طالب شارب الخمر، فقلت: الحمد لله علي ولايته و محبته ثم اني أكملت القصيده الي آخرها و هو عليه السلام مع ذلك يبكي، و حكي سهيل بن ذبيان بن فضل هذه القصيده أيضا حيث قال: دخلت علي الامام علي بن موسي الرضا في بعض الأيام قبل أن يدخل عليه أحد من الناس فقال لي: مرحبا بك يابن ذبيان الساعه أراد رسولنا يأتيك لتحضر عندنا، فقلت: لملذا يابن رسول


الله؟ فقال: لمنام رأيته البارحه و قد أزعجني و أرقني، فقلت خيرا يكون ان شاء الله تعالي، فقال يابن ذبيان: رأيت كأني قد نصب لي سلم فيه مائه سنه لكل مرقاه فصعدت الي فقلت يا مولاي اهنئك بطول العمر و ربما تعيش مائه سنه لكل مرقاه سنه، فقال لي: ما شاء الله كان، ثم قال يابن ذبيان: فلما صعدت الي أعلي السلم رأيت كأني دخلت في قبه خضزاء يري ظاهرها من باطنها و رأيت جدي رسول الله جالسا فيها و ال يمينه و شماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما و رأيت امرأه بهيه الخلقه و رأيت بين يديه شخصا بهي الخلقه جالسا عنده و رأيت رجلا واقفا بين يديه و هو يقرأ هذه القصيده (لأم عمر باللوي مربع) فلما رآني النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال لي: مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسي الرضا سلم علي أبيك علي فسلمت عليه، ثم قال لي: سلم علي أمك فاطه الزهراء فسلمت عليها، فقال لي: سلم علي أبويك الحس ن و الحسين فسلمت عليهما، ثم قال لي: و سلم علي شاعرنا و مادحنا في دار الدنيا السيد اسماعيل الحميري فسلمت عليه و جلست فالتفت النبي الي السيد اسماعيل و قال له: عد الي ما كنا فيه من انشاد القصيده فأنشد يقول:



لأم عمررو باللوي مربع

طامسه أعلامه بلقع



فبكي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلما بلغ الي قوله (و وجهه كالشمس اذ تطلع) بكي النبي و فاطمه عليهما السلام معه و من معه و لما بلغ الي قوله: (قالوا لو شئت أعلمتنا الي من الغايه و المفزع) رفع النبي صلي الله عليه و آله و سلم يديه و قال: الهي أنت الشاهد علي رعليهم اني؟علمتهم أن الغايه و المفزع علي بن أبي طالب و أشار بيده اليه و هو جالس بين يديه صلوات الله عليه، قال علي بن موسي الرضا: فلما فرغ السيد اسماعيل الحميري من انشاد القصيده التفت النبي الي و قال لي: يا علي بن موسي الرضا احفظ هذه القصيده و امر شيعتنا بحفظها و أعلمهم ان من حفظها وادمن قراءتها ضمنت له الجنه علي الله، قال الرضا: و لم يزل يكررها علي حتي حفظتها منه و نحن نتبرك بايراد هذه القصيده و نجعلها خاتمه الباب و الي الله المرجع و اليه المآب و القصيده هذه: