بازگشت

الباب 1


لو علم الناس فضل هذا المقام لأجلوه عن الوطء بالأقدام؛ و لجعلوا هذا الرغام شفاءا وافيا من الأسقام و كيف لا؟ و فيه تقام مآتم الآل و ما جري عليهم من الأسر و القتال من الكفره الفجره الأنذال. فيا اخواني: اكثروا من التلهف و الأسف علي أهل الفضائل و الشرف، و كيف الصبر لمن ينثل مولاه الحسين عليه السلام واقفا ينادي في ميدان القتال: ألا عل من نصير بنصر الآل؟ ألا هل من معين يعين عتره المختار و يذب عن الذريه الأطهار؟ أين من حقنا عليه؟ أين من الوصيه فينا من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حيث يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا الموده في القربي) فالعجب كل العجب من غفله أهل الزمان عن اقامه العزاء و اثاره الأحزان علي الشهيد العطشان المدفون بلا غسل و لا أكفان، كيف لا تبكي لمن بكته الزهراء؟ و كيف لا تنوح علي المنبوذين بالعراء؟ لعنا نفوز بثواب المصاب و نحوز بدخول الجنه يوم المرجع و المآب:



يحق لي أن ما عشت في حزن

أذري الدموع علي الخدين و الذقن



يا آل أحمد ماذا كان فعلكم

كأن خيوكم في الناس لم يكن



رجالكم قتلوا من غير ذي سبب

و أهلكم هتكوا جهرا علي البدن



روي أن عمر بن العاص قال لمعاويه بن أبي سفيان: يا معاويه لم لا تأمر


الحسن بن علي أن يصعد المنبر فيخطب يوم الجمعه فلعله يحصل له خجل و حصر فيكون ذلك نقصا لقدره عند الناس؛ قال: فلما غص المسجد بالناس أمر معاويه الحسن أن يصعد المنبر قال فقام الحسن عليه السلام و صعد المنبر و حمدالله و أثني عليه ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فسأبين له نفسي، أنا الحسن بن علي بن أبي طالب، أنا ابن أول القوم اسلاما و أولهم ايمانا، أنا ابن علي المرتضي و ابن فاطمه الزهراء بنت المصطفي أنا ابن البشير النذير أنا ابن السراج المنير أنا ابن من بعث رحمه لعالمين و سوط عذاب علي الكافرين، أيها الناس لو طلبتم ابنا لنبيكم لم تجدوا غيري و غير أخي الحسين قال فناداه معاويه و قال: يا حسن حدثنا بنعت الرطب كيف يكون؟ أراد بذلك أن يخجله و يقطع عليه كلامه، فقال الحسن: نعم يا معاويه، ان الرطب أولا تلقحه الشمال و تخرجه الجنوب، و تنفحه الشمس و و يصبعه و تطيبه، ثم استمر في كلامه و قال: أيها الناس؛ أنا ابن المروه و الصفا أنا ابن النبي المصطفي أنا ابن من علي الجبال الرواسي علا، أنا ابن من كسي محاسن وجهه الحيا، أنا ابن فاطمه الزهراء، أنا ابن سيده النساء، أنا ابن عديمات العيوب؛ أنا ابن نجياب الجيوب، أنا ابن أزكي الوري و أعظمهم أمرا و كفاني بهذا فخرا، قال: ثم أن معاويه أمر المؤذن أن يؤذن ليقطع كلامه فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله قال الحسن: يا معاويه محمد أبي أم أبوك؟ فان قلت أنه ليس بأبي فقد كفرت و ان قلت نعم فقد أقررت بحقي و أنت تغصبنا ما هولنا و لا ترد الينا حقنا، فقال معاويه: يا حسن أنا خير منك! فقال الحسن: و كيف ذلك يا بن هند يا ابن آكله الأكباد، فقال معاويه: لأن الناس أجمعوا علي و لم يجمعوا عليك! فقال الحسن عليه السلام: هيهات هيهات، ان هذا شر علوت به يا ابن هند ألم تعلم أن المجمعين عليك رجلان مطيع و مكره فالطائع لك عاص لله و المكره معذر عند الله و حاشا لله أن أقول أنا خير منك لأنك خير فيك، و ان الله برأني من الرذائل كما برأك من فضائل يا معاويه، قال: فقام يزيد بن معاويه و قال يا حسن: اني منذ صرت أبغضك؛ فقال الحسن: يا يزيد اعلم أن ابليس شارك


أباك في نكاحه حين عقلت فيك أمك فاختلط الماءان فولدت علي ذلك و صرت من تلك النطفتين فلأجل ذلك تبغضني و تحملت أنت و أبوك عدواتي و كذلك الشيطان شارك جدك حربا عند نكاحه فولد جدك صخر فلذلك جدك يبعض جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لقوله تعالي: (و شاركهم في الأولاد و الأموال) و اعلم يا يزيد لا يبغضنا الا من خبث أصله و كان من ابليس نسله، فقال معاويه: يا عمروبن العاص هذه مشورتك لنا فقال عمرو: و الله ما ظننت أن مثله هذا علي صغر سنه يقدر يتكلم فوق المنبر بكلمه واحده و لكنه لا شك من معدن الفصاحه و من بيت الكرم و السماحه، قال معاويه: و أنا أيضا أفتخر و أقول أنا ابن بطحاء مكه و أغزرها جودا و أكرمها جدودا أنا ابن من ساد علي قريش ناشئا و كهلا، فقال الحسن: يا معاويه أعلي تفتخر و أنا ابن مأوي التقي و أنا ابن من جاء بالهدي و أنا ابن من ساد علي أهل الدين بالفضل السابق و الحسب الفائق و أنا ابن من طاعته طاعه الله و معصيه الله فهل لك أب كأبي تباهيني به؟ أو لك قدم كقدمي تساميني به؟ هل تقول نعم يا معاويه أو تقول لا؟ فقال بل أقول: لا وهي لك تصديق فتعجب الحاضرون من كلام الحسن عليه السلام و أجوبته و حسن براعته. فانظروا يا اخواني الي هذا النور الجسماني و الشخص الرباني كيف تفوح آثار النبوه منه و الامامه، و من غيره آثاره المكر و الخدع و اللئامه ولكنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور:



و الله لولا نكث عهد المصطفي

يوم الغدير و ظلم حيدر فاسمعوا



ما استضهدت آل النبي أميه

كلا و لا لخلافه يوما دعوا



روي أن رسول الله صلي الله عليه و آله و يلم كان يوما مع جماعه من أصحابه مارا في بعض الطرق و اذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق فجلس النبي عند صبي منهم و جعل يقبل ما بين عينيه و يلاطفه ثم أقعده في حجره و هو مع ذلك يكثر تقبيله فقال له بعض الأصحاب يا رسول الله ما نعرف هذا الصبي الذي قد شرفته بتقبيلك و جلوسك عنده و أجلسته في حجرك و لا نعلم ابن من هو؟ فقال النبي: يا أصحابي لا تلوموني فاني رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين و رأيته يرفع التراب من تحت أقدامه و يسمح به وجهه و عينيه مع صغر سنه فأنا من ذلك


اليوم بقيت أحب ذا الصبي حيث أنه يحب ولدي الحسين فأحببته لحب الحسين و في يوم القيامه أكون شفيعا له و لأبيه و لأمه كرامه له و لقد أخبرني جبرائيل أنه يكون هذا الصبي من أهل الخير و الصلاح و يكون من أنصار الحسين في وقعه كربلاء فلأجل هذا أحببته و اكرمته كرامه للحسين عليه السلام:



علي مثلهم فلبيك بالمدي المدي

و يذرف دمعا منه كالسيل مسبل



فما منهم الا قتيل و هالك

بسم و مذبوح و ذاك مكبل



أصابتهم أيدي المصائب فاغتدوا

أملثيل في الدنيا لمن يتمثل



روي عن الحسين عليه السلام أنه قال: أتيت يوما جدي رسول الله فرأيت أبي بن كعب جالسا عنده فقال لي جدي: مرحبا بك يا زين السماوات و الأرض، فقال أبي: يا رسول الله و هل أحد سواك يكون زين السماوات و الأرض، فقال النبي: يا أبي بن ركعب و الذي بعثني بالحق نبيا ان الحسين بن علي في السماوات أعظم مما هو في الأرض و اسمه مكتوب عن يمين العرش؛ ان الحسين المصباح الهدي و سفينه النجاه، قال: ثم ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم أخذ بيد الحسين عليه السلام و قال: أيها الناس، هذا الحسين بن علي ألا فاعرفوه و فضلوه كما فضله الله عزوجل فوالله لجده علي الله أكرم من جد يوسف بن يعقوب، هذا الحسين جده في الجنه و أمه في الجنه و أبوه في الجنه و أخوه في الجنه و عمه في الجنه و عمته في الجنه و خاله في الجنه و خالته في الجنه و محبوهم في و محبو محبيهم في الجنه.

و روي في بعض الأخبار: أن الحسين عليه السلام مر علي عبدالله بن عمروبن العاص فقال عبدالله: من أحب أن ينظر الي أحب أهل الأرض الي أهل السماء فلينظر الي هذا المختار و اني ما كلمته قط منذ صفين، فقال له الحسين: يا عبدالله اذا كنت تعلم أني أحب أهل الأرض الي أهل السماء فلم تقاتلني و تقاتل أبي و أخي يوم صفين؟ فوالله ان أبي خير مني عندالله و رسوله قال: فاستعذر اليه عبدالله و قال: يا حسين ان جدك رسول الله أمر الناس باطاعه الآباء و اني قد أقطعت أبي في حرب صفين، فقال الحسين عليه السلام: أما سمعت قول الله


تعالي في كتابه المبين: (و ان جاهداك علي أن لا تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما) فكيف خالفت الله تعالي و أطعت أباك و حاربت أبي؟ و قد قال رسول الله: انما الطاعه للآباء بالمعروف لا لالمنكر، و انه لا طاعه لمخلوق في معصيه الخالق فكست عبدالله بن عمرو و لم يرد جوابا لعلمه أنه خسر الدنيا و الآخره ذلك هو الخسران المبين. و عن الطبري عن طاووس اليماني: أن الحسين بن علي كان اذا جلس في المكان المظلم يهتدي اليه الناس ببياض جبينه و نحره، و ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كثيرا ما يقبل الحسين عليه السلام بنحره و جبهته، و ان جبرائيل عليه السلام نزل يوما الي الأرض فوجد الزهراء نائمه و الحسين في مهده يبكي علي جاري عاده الأطفال مع أمهاتهم فجلس جبرائيل عند الحسين و جعل يناغيه و يسكته عن البكاء و يسليه و لم يزل كذلك حتي استيقظت فاطمه عليها السلام من منامها فسمعت انسانا يناغي الحسين فالتفتت اليه و لم تر أحدا فأعلمها أبوها رسول الله أن جبرائيل كان يناغي الحسين. و عن أنس بن مالك قال: رأيت الحسين عليه السلام مع جنازه لبعض أصحابه فصلينا عليها معه فلما فرغنا من الصلاه رأيت أبا هريره ينفض التراب عن أقدام الحسين و يسمح بها وجهه فقال له الحسين عليه السلام: لم تفعل هذا يا أبا هريره؟ فقال: دعني يا بن رسول الله فوالله لو تعلم الناس مثل ما أعلمه من فضلك لحملوك علي أحداقهم فضلا عن أعناقهم، يا بن رسول الله في هاتي أذني سمعت من جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول علي منبره: ان هذا ولدي الحسين سيد شباب أهل الجنه من الخلق أجمعين و انه سيموت مذبوحا ظمآنا مظلوما لعن الله من قتله. فيا اخواني كيف لا نبكي لأحب أهل الأرض و السماء؟ و كيف لا نحزن علي قتيل الظماء و الماء حوله؟ قد بادروه بالسيوف و الرماح و صادموه في ميدان الكفاح و قالوا له لا سعه و لا، فصاح فيا و يحهم ما أجرأهم علي الله و علي انتهاك حرمه رسول الله، فعلي الأطائب من أهل بيت الرسول فلبيك الباكون و اياهم فليندب النادبون، و لمثلهم تذرف الدموع من العيون، أو لا تكونون كبعض ماديحهم حيث عرته الأحزان و الأشجان فنظم و قال فيهم: