بازگشت

الباب 2


أيها المؤمنون الناصحون

اقطعوا رقاد العيون؛ و واصلوا سهاد الجفون،


و امكسوا أنفسكم عن اللذات و ابذلوا الدموع الجاريات، فقد أعز دينه و أحزره من أحمل دمعه و أبزره، فان اظهار الدموع الباديه دليل علي ما بطن من الأحزان الخافيه، أما علمتم أن هذه الدموع الهتان نفئه مصدور، ورد شرائع الأحزان، و عجز عن الصدور. و اني كلما تزايدت علي الأفكار يتوقد في قلبي لهيب النار، فلا أجد ملجأ التجي ء اليه و لا معولا أصبر اليه سوي ماء الشؤون المتحادره من مقرحات الجفون:



ان الحزين اذا ما الحزن خالطه

كان البكاء له ملجأ من الفكر



لا تعذلوني عذولي انني رجل

لما تزايد حزني قل مصطبري



و كيف لا تحزن علي سادات العباد و أنوار الله في البلاد؟ فليتني شادتم يوم الطفوف و فديتهم بروحي من الحتوف، و لكن ليس الا ما أراد الله و لا حول و لا قوه الا بالله. روي أن بعض الصالحين من المؤمنين رأي في منامه فاطمه الزهراء في أرض كربلاء بعد قتل الحسين مع جمله من نساء أهل الجنه و هم يندبون الحسين عليه السلام و فاطمه تقول: يا أبي يا رسول الله أما تنظر الي أمتك ما فعلوا بولدي الحسين؟ قتلوه ظلما و عدوانا قتلوه و من شرب الماء منعوه و اامنايا و الغصص جرعوه و بالسيوف قطعوه و علي وجهه قلبوه و من القفا ذبحوه فيا بئس ما فعلوه يا ابتاه فعل بولد أحد من الأنبياء كما فعل بولدي؟ فوا حر قلبه كأن ربنا ما خلقنا الا للبلاء و الابتلاء فانا لله و انا اليه راجعون، يا أبتاه قتلوا بعلي أميرالمؤمنين و أدير الحطب علي بيتي و أضرمت النار فيه و فتح باب داري علي كرها و قتل ولدي المحسن سقطا كأني لم أكن بعضه منك يا رسول الله و لا أنا الذي قلت في فاطمه بعضه مني يريبني ما يربيها و ما يزريني ما يزريها يا أبتي أتعلم ما صنع بي كسر اللعين ضلعي حتي مت بأسفي مقروحه عليك و علي المحسن و علي ولدي الحسن و الحسين انا لله و انا اليه راجعون. ثم قالت: يا أبه يا رسول الله و اعظم من هذا أنهم منعوني من البكاء عليك في المدينه و قالوا: آذيتينا بكثره بكائك حتي عدت اذا ذكرتك و اشتقت الي الندب عليك صرت


أخرج الي وراء قبور الشهداء فأقضي شأني من البكاء حتي ألحقني الله بك في المده القليله فعند ذلك رفع رسول الله رداءه و قال: وا كرباه لكربك يا فاطمه الزهراء وا أبنتاه وا ثمره فؤاداه وا حمزتاه وا علياه وا حسناه وا حسيناه وا عباساه وا أبا طالباه قتل ولدي الحسين بالغاضريات و لم تحضره ليوث الغزوات و لا علي كاشف الكربات فكم من دم مسفوك و تر عن حرمه الاسلام مهتوك و كم من شيبه بالدماء مخضوبه و كريمه من النساء مسلوبه و ابتني فاطمه الزهراء بين الأعداء مروعه و عترتي بالأشجان ملوعه و قد قتلوا صغيرهم و كبيرهم و ذبحوا رضيعهم و فطيمهم و استباحوا نساءهم و حريمهم فا سحقا لأولئك الأشقياء و يا بعدا لأولاد الأدعياء كيف أنظر اليهم يوم القيامه و سيوفهم تقطر من دماء أهل بيتي؟ أم كيف ترونهم اذا نودي بهم في يوم القيامه يا أهل هذا الموقف غضوا أبصاركم حتي تجوز فاطمه بنت المختار فتأتي و ثيابها بدم الحسين مصبوغه و معها قميص آخر ملطخ بالسم فتنادي يا أمه محمد أين مسمومي و أين مذبوحي و ما فعلتم بشبابي و شيوخي و ما فعلتم ببناتي و أطفالي و ما فعلتم بأهل بيتي و عيالي؟ تصرخ صرخه عاليه و تقول يا عدل يا حكيم احكم بيني و بين قاتل ولدي فيقال لها: يا فاطمه الزهراء ادخلي الجنه فتقول: لا أدخل الجنه حتي أعلم ما صنع بولدي الحسين من بعدي، فيقال لها: انظري أهل القيامه فتنظر يمينا و شمالا فتري الحسين عليه السلام و هو واقف بلا رأس فتصرخ صرخه عاليه و صرخ الملائكه معها و تقول: وا ولده وا ثمره فؤاداه وا حر قلباه علي تلك الأجسام العاريه و الجسوم المرمله وا لهفاه علي تلك الأعضاء المتقطع تهب عليها الأجسام العاريه و الجسوم المرمله وا لهفاه علي تلك الأعضاء المتقطعه تهب عليها الصبا و الدبور و تفنهم العقبان و النسور، قال: فلم يبقي في ذلك الموقف أحد الا و بكي لبكائها قال: فعند ذلك يمثل الله الحسين في أحسن صوره فيخاصم ظالميه، ثم يأمره الله تعالي بقتل أعدائه جميعا و كذلك علي و الحسن و كذلك ذريه الحسين ثم يأمر الله تعالي نارا اسمها هبهب قد أوقدوا عليها ألف عام حتي اسودت و أظلمت فتلتقطهم عن آخرهم ألا لعنه الله علي القوم الظالمين. فيا اخواني: كيف تطفي لهبات الأشجان أم كيف تخفي زفرات الأحزان و كريم الحسين عليه السلام يعلي علي السنان و أيدي ذريته تغل بالحديد الي الأذقان؟ رزء و الله بكت له السماء دما و تفطرت له الصم الصلاد عظما:




ان رزء الحسين أضرم نارا

لابثا في القلوب ذات الوقود



ان رزء الحسين جل علي

هد ركنا ما كان بالمهدود



يا لها نكبه أباحت جسمي

القسم و أجرت مدامعا بالخدود



قتلوه مع علمهم أنه خر البرايا

من سيد و مسود



اسخطوا الله في رضي ابن زياد

و أعطوه قضاء حق يزيد



روي أن الحسين لما رأي وحدته و فقد عترته و أنصاره تقدم علي فرسه نحو القوم حتي واجههم و قال: أيها الناس أنسبوني وانظروا من أنا ثم راجعوا أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمي و انتهاك حرمي؛ ألست أنا ابن نبيكم محمد؟ أما كان موصيا فيكم لي و لأخي؟ أما أنا سيد شباب أهل الجنه؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي و انتهاك حرمتي؟ فقالوا ما نعرف شيئا مما تقول؛ فقال: ان فيكم من لو سألتوه عني لأخبركم انه سمع ذلك من جدي رسول الله في و في أخي الحسن سلوا زيد بن ثابت و البراء بن عازب و أنس بن مالك فانهم يخبرونكم أنهم سمعوا من جدي رسول الله في و في أخي فان كنتم تشكون أني لست ابن بنت نبيكم فوالله ما تعمدت الكذب و قد عرفت أن الله تعالي يمقيت علي الكذب أهله و يعذب من استعمله فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري ثم أنا ابن امامكم خاصه دون غيري خبروني هلي تطلبوني بقتل قتله منكم أو بقصاص من جراحه أو بمال استملكته منكم أم علي سنه غيرتها أم علي شريعه فرض بذاتها؟ قال فسكتوا و لم يقبلوا هذا القول منه و انه عليه السلام كان عالما بما يؤول أره اليه عارفا بما هو قادم عليه عرف ذلك من أبيه وجده عليهما السلام كان عالما بما يؤول أمره اليه عارفا بما هو قاد عليه عرف ذلك من أبيه و جده عليهما السلام واطلع علي حقيقه ما خصه الله به من بين الأنام و انما كان ذلك القول و تكراره عليهم لاقامه الحجه عليهم و تنبيها لمن يقول لا أعلم و اشتبه علي الأمر فلم أهتد لوجه الصواب ففي هذه الاحتمالات بانذاره فتبا لآرائهم الفساده و عقولهم الجامده و لقد أعماهم القضاء اذ عليهم نزل حتم عليهم العذاب ر لم يزل فما منهم الا من حاد عن الصواب و عدل فما أنصف لا عدل بل مالت نفسهم الي حب الدنيا الدينه فخيبهم الأمل، ألا تتفكرون فيما صدر من كبيرهم المدعو بأميرهم يزيد لعنه الله مما نمثل به بين جلسائه؟ حيث يقول:




ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعه الخروج من وقع الأسل



لأهلوا و استهدوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



لعبت هاشم في الملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل



فعلي هذا كانت عقيدتنا و علي ذلك كان دينه و طريقته. فلهذا ارتكبوا مركبا و عرا و فعلوا نكرا، قالوا قولا هجرا و استحلوا مذاقا مرا و بلغوا الغايه في العصيان و وصلوا النهايه في رضا الشيطان، و كم ذكره الحسين عليه السلام عذاب الله فما ذكروا و زجرهم علي تقحم نار الجحيم فما انزجروا و أصروا و استكبروا استكبارا علي خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا فلم يجدلوا لهم من دون الله أنصار؛ ثم قال عليه السلام: (رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدا الا فاجر كفار) فاستجاب الله دعاءه عليه السلام و وقع الفناء ببني أميه اللئام و دارت عليهم دوائر الانتقام فقتلوا في كل أرض بكل لدن و حسام و انتقلوا الي نار الحجيم و الاضرام فصارت ألوفهم آحادا و جموعهم أفرادا و لبسوا العار آباءا و أجدادا و أولادا. فوا حسرتاه لما حل بآل الرسول في تلك المنازل و التلول، اتحمل ذريه حبيب الملك الوهاب حسرا علي الأقتاب و نسوه آل حرب يضرب عليهن الحجاب و يرفلن في الفاخر من الثياب (أمر تكاد السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا):



لقد منعوا الحسين الماء ظلما

و ذاك الماء ورد للكلاب



و لو لا زينب قتلوا عليا

صغيرا قتل بق أو ذباب



بنات محمد في الشمس عطشي

و أصحاب الكساء بلا ثياب



حكي أن فاطمه الصغري قالت: كنت واقفه بباب الخيمه و أنا أنظر أبي و أصحابه مجردين كالأضاحي علي الرمال و الخيول علي أجسادهم تجول و أنا أفكر ما يصدر علينا بعد أبي من نبي أميه أيقتلوننا أو يأسروننا؟ و اذا برجل علي ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه و هن يلذن بعضهن في بعض و قد أخذ ما عليهن من أخمره و أسوره و هن يصحن وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قله ناصراه وا حسيناه


أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا؟ قالت فطار فؤادي و ارتعدت فرائضي و جعلت أجيل طرفي يمينا و شمالا علي عمتي أم كلثوم خشيه منه أن يأتيني فبينما أنا علي هذه الحاله و اذا به قد قصدني ففقلت ما لي الا البر ففررت منهزمه و أنا أظن أني اسلم منه و اذا به قد تبعني فذهلت خشيه منه و اذا بكعت الرمح بين كتفي فسقطت لوجهي فخرم أذني و أخذ قرطي و أخذ مقنعتي من رأسي و ترك الدماء تسيل علي خدي و رأسي تصهره الشمس و ولي راجعا الي الخيم و أنا مغشي علي و اذا بعمتي عندي تبكي و هي تقول: قومي نمضي ما أعلم ما صدر علي البنات و أخيك العليل فقمت و قلت يا عمتاه هل من خرقه أستربها رأسي عن أعين النظاره فقالت: يا بنتاه و عمتك مثلك اذا برأسها مكشوف و متنها قد اسود من الضرب فما رجعنا الي الخيمه الا و هي قد نهبت و ما فيها و أخي علي بن الحسين مكبوب علي وجه لا يطيق الجلوس من كثره الجوع العطش و السقام فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا:



و اني ليشجيني ادكاري عصابه

بأكناف أرض الغاضريات قتل



و ن بينهم سبط النبي محمد

طريح و من فوق الصعيد مجدل



و قد طحنت منه جناجن صدره

ورض و منه الرأس في الرمح بحمل



و رحل بني الهادي النبي موزع

تقاسمه قوم أضاعوا و بدلوا



رجالهم صرعي بكل تنوفه

و نسوتهم في السبي حسري وثكل



و أطفالهم غرثي يمضهم الطوي

و ليس لهم بر هنالك يكفل



فيا حرقي تزايدي و يا عيوني تساعدي فانه رزء عظيم و مصاب جسيم و لمثل هؤلاء الكرام فلبيك الباكون، و اياهم فليندب النادبون و تذرف الدموع من العيون، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان و تتابعت عليه الأشجان فنظم و قال فيهم: