بازگشت

خلاصة و توضيح


وختاما نقول:

ان مسألة العزاء والمواساة والجزع علي الإمام الحسين عليه السلام وما يمثله من الحضور الدائم، لهذه الشخصية في الوجدان الانساني، له أثر عظيم في دفع هذا الانسان باتجاه العمل والسير نحو الهدف الأسمي الذي ضحي لاجله عليه السلام بكل ما لديه وبأغلي ما يملك.

وله أثر عظيم في ربط الإنسان عاطفياً ووجدانياً وإنسانياً بأهل البيت عليهم السلام، وتفاعله مع قضاياهم، وتسليمه لهم بكل وجوده، وبكل مشاعره وأحاسيسه فيحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم.. وهل أعظم من واقعة كربلاء مناسبة يعبر فيها الإنسان عن هذا الارتباط وتلك العلاقة بهم عليهم السلام؟

وقد يكون التعبير عن هذا الحزن والجزع بأشكال وطرق مختلفة تظهر الشعور الإنساني الفطري المرتكز إلي قداسة الأهداف والي مقام من ضحي من أجلها، ومنازل كرامته، وقداسة شخصيته، وحساسية موقعه من هذا الدين.

وقد جاءت الأوامر الشرعية لتعطي الإنسان فسحة ومجالا واسعا من خلال تسجيل الأمر بإقامة العزاء علي عناوين عامة، مثل: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا. حيث تركت له هو الحرية في اختيار الأسلوب والطريقة التي تناسبه، وفق أحكام الشرع، وحيث لا يصاحب ذلك أية مخالفة أو إساءة، فإنه لا يطاع الله من حيث يعصي، فالإنسان هو الذي يختار كل حسب حاله وظرفه وخصوصيته.

فأحياها الشاعر بشعره.

وأحياها الأديب بنثره.

وثالث بإقامة مجالس العزاء.

ورابع آثر أن يسقي الناس الماء ليذكرهم بعطش الحسين عليه السلام.

وخامس علق يافطة سوداء علي الطريق العام.

وسادس نظم مسيرة تحمل فيها الشموع في ليالي عاشوراء.

وهكذا.. تستمر قائمة وسائل التعبير تتنامي وتتكاثر. وكان منها مواكب لمن آثر جرح رأسه بآلة حادة, أو آثر ضرب ظهره بالسلاسل، أو اللطم في المواكب والمجالس.

وأثيرت أسئلة حول هذه الموضوعات الأخيرة، وبذلت محاولات لتهجينها، والتنفير منها، والتشكيك بمشروعيتها رغم وجود فتاوي أكثر مراجع الأمة في هذه العصور المتأخرة بالمشروعية..

وتظهر لنا شاشات التلفزة في هذه الأيام أن لدي المسيحيين أساليب حادة جدا للتعبير عن الحزن والمواساة، حتي بلغ بهم الأمر حد دق المسامير في أيديهم، وهم يحملون علي الصليب، هذا عدا عن حمل الصليب مسافاة طويلة علي الظهر تعبيرا عن الآلام.

فلماذا نستسلم نحن لحملات التشنيع المغرضة علي عاشوراء، والتي تأتينا من جهات مغرضة من غربيين وغيرهم..

وقد ظهر مما تقدم أنه لا مشكلة في جرح الإنسان رأسه لغرض عقلائي شخصي، دنيوي، دون ما لم يكن له أي غرض أصلاً, كأن يكون لأجل اللعب مثلاً، فإن هذا لا يقبله العقلاء ولا يوافق عليه الشرع أيضا.

وأي غرض أعظم وأسمي وأشرف من إحياء أمرهم عليهم السلام إلا إذا أقيم في أمكنة لم يكن فيها من يقدر علي تحملها، بل هي تثير الذعر في نفوس أولئك الناس، وتخيفهم، وتجعلهم يهربون من هذا الدين فلا بد من مراعاة حالهم، والرفق بهم علي قاعدة: أدع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. فلا يصح ممارسة ذلك في أمكنة توجب نفرة الناس من الإسلام، فإن ذلك لا يكون مقبولا، لا عند العقلاء ولا عند الشرع.