بازگشت

مناقشة الدليل الثالث علي التحريم


وأما الإستدلال الثالث علي الجرح والأذي للنفس في مراسم عاشوراء، والذي يتضمن الحديث عن أن جرح الرأس بالسيوف، والضرب بالسلاسل يوجب توهين المذهب، فهو حديث غير مقبول لأكثر من جهة وسبب..

فأولا: قد ذكرنا آنفاً: أن وظيفة الفقيه هي أن يخبر عن الحكم الشرعي، فيقول في مثل هذه الموارد التي نتحدث عنها: إن لزم من هذا الفعل توهين المذهب، فكذا..

والمكلف هو الذي يتولي تطبيق هذا الحكم علي مورده، فإن كان هناك توهين للمذهب فعلا، فإن عليه أن يلتزم بحكم التوهين.. وإذا رأي الفقيه أن في ذلك توهينا، فإن رأيه هذا لا يلزم الآخرين في شيء، فإنه يكون في ذلك كواحد من الناس، يطبق لنفسه، وليس لصفة الإجتهاد أثر في تطبيقه هذا، ولا هي توجب ميزة له..

ثانياً: إننا إذا أردنا مجاراة بعض الناس في الحديث عن التطبيقات الخارجية، بإعتبار أننا كسائر أفراد المجتمع الذين يريدون التصدي للتطبيق فإننا نقول: إن دعوي لزوم التوهين في جميع المواطن لا يمكن قبولها.. خصوصا في بلاد شيعة أهل البيت عليهم السلام.

وإذا أردنا أن ندرس واقع الذين يثيرون الإنتقادات علي هذه المراسم، فسوف نخرج بحقيقة: أن من ينتقدونها، ويشنِّعون عليها، تختلف دوافعهم، وأغراضهم من ذلك..

فهناك من يرفض كل مظاهر الحزن في عاشوراء، انطلاقا من هوي مذهبي، أو تعصبا لجهة يري أن عليه أن يمنع من إفشاء ما يرتبط بها من حقائق تدينها، أو تقلل من احترام الناس لها..

وهناك من يهاجم مظاهر الحزن في عاشوراء، لأنه يسعي إلي تشكيك الناس بدينهم، واضعاف حالة الإندفاع نحو الإلتزام بأحكامه. واسقاط محله في نفوس الناس، وابعادهم عن حالة التعبد والإنقياد، والتقديس.

وقد يكون ذلك لأنه يري أن مظاهر الحزن علي الحسين عليه السلام، تنتج فكرا يضر بمصالحه، وتربي مشاعر وتثير وجدانا، وتعمق وعيا، لا بد له من رفضه ومحاربته، ووأده في مهده.

وقد رأينا أنهم يحاولون السخرية بمن يصلي، وبمن يلتزم بالزكاة، ويهزأون أيضاً بأحكام الحج ومناسكه، فلا يعجبهم الطواف حول البيت، ولا رجم الجمار، ولا ذبح الأضاحي. ولا.. ولا الخ..

بل إنهم قد حاولوا المنع من تعليم بعض سور القرآن التي تتحدث عن اليهود، وقد طبعوا القرآن، وأسقطوا منه أو حرفوا بعض آياته النازلة في بني إسرائيل واليهود.

وتحدث القرآن أيضاً عن سخريتهم بالأنبياء، وذكر كيف أنهم واجهوا السخرية بمثلها في قوله تعالي فيما حكاه عن نبيه نوح عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام: (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) [1] .

وهناك من يهاجم، ويدين، وينتقد بحسن نية، وسلامة طوية، ولكنه واقع تحت تأثير إعلام هؤلاء وأولئك، يظن صحة ما قالوه، فيبادر ـ مخلصاً ـ إلي تصحيح ما يراه خطأ خطيرا ومأزقاً كبيراً..

ولو أردنا أن نخضع لهذا الجو الضاغط، فإن علينا أن نتوقع: أن نطالَب ربما بالخروج عن ديننا إلي دينهم، والعياذ بالله، فإن جميع أعداء الدين والمذهب لا يرضون بما نحن عليه وقد قال تعالي: ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم [2] .

إن هؤلاء لا يرضون منا أبداً بإقامة شعائر الله، والتزام أحكامه، وهم يسخرون منا كلما سنحت لهم الفرصة وواتاهم الظرف، ويحاربوننا بأساليب مختلفة يرون أنها تؤثر في إسقاط إرادتنا، لعل أهونها اتهامنا بالجهل والسقوط، والتخلف، والقسوة، و..و..

ولو أردنا أن نخضع لهذه الأجواء، فإن علينا أن نلغي رجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق لمجرد سرقته ربع دينار، والحكم بعدم جواز تزويج المطلقة ثلاث مرات إلا بعد أن تنكح زوجا آخر، وغير ذلك من التشريعات التي يعلن العلمانيون، برفضها ونقدها، ويهتمون بتسفيهها، ويتابعهم علي ذلك كثير من الناس الطيبين، الذين لا حظ لهم من العلم، ويأخذون الأمور ببساطة، وبسلامة نية..

إن مراسم عاشوراء، حتي جرح الرؤوس، وضرب السلاسل، واللطم، وغير ذلك لم تثبت حرمته الشرعية، ولا هو مما يحكم العقل بقبحه فلماذا يكون فيه توهين للمذهب؟!. نعم قد يكون في ذلك بعض الحرج النفسي لدي فريق من الناس..

.. ولا يكفي مجرد الشعور بالخوف والرهبة لدي من يشاهد جرح الرؤوس.. إذ لو كان كافيا للزم أن لا يقتل القاتل. وأن لا يجلد الزاني أو أن يرجم، وأن لا نرضي بقوله تعالي: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فإن هناك الكثير من الناس يخافون، ويرهبون حالات كهذه، ولا ترضي بالالتزام، والإلزام بمثل هذه الأمور..

نعم، لو كان فعل ذلك في بعض المواضع موجبا لصدود الناس عن التفكير بالإسلام، فلا بد من مراعاة حالهم، عملا بالآية الشريفة: (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). لكن ذلك لا يعني أن تشن حملة علي كل من يريد ممارسته في مواضع ليس في ممارسته فيها أي محذور.


پاورقي

[1] سورة هود /38.

[2] سورة البقرة / 120.