بازگشت

توضيح حول مراتب الضرر وحالاته


ولمزيد من التوضيح لما نرمي إليه نقول:

1 ـ إن هناك ما هو قبيح ذاتاً، فلا يمكن أن يكون حسناً مهما طرأ عليه من أحوال، وذلك مثل الظلم. وهناك ما هو حسن كذلك كالعدل..

2 ـ ثم هناك ما فيه اقتضاء القبح، بمعني أنه لو خلي وطبعه، لكان علي ما هو عليه من الإقتضاء المؤثر.. إلا إذا ورد عليه عنوان حسن، وذلك كالكذب فإنه إذا طرأ عليه عنوان نجاة نبي من القتل مثلا فإنه يصبح واجباً وفي مقابله ما يكون فيه اقتضاء الحسن كالصدق مثلا. فقد يصبح حراماً كالمثال المذكور.

وقتل النفس من هذا القبيل، فإنه ليس قبيحاً ذاتاً من الناحية العقلية.. إذ لو كان كذلك لم يصح الأمر به علي سبيل العقوبة، أو القصاص..

فإن القبح ذاتاً لا يمكن أن يصبح حسناً أصلاً، تماما كما هو الحال في الظلم مثلاً، فإنه كلما وجد، لا يوجد إلا علي صفة القبح وحين يزول عنه القبح فإنه لا يعود ظلماً، بل يصير عدلاً، أو إحساناً.

وكذلك الحال في قطع الأعضاء، فإن فيه اقتضاء القبح، فإذا توقف العلاج عليه، أصبح سائغاً أيضاً.

3 ـ وهناك ما لا اقتضاء فيه لحسن ولا لقبح، بل هو في ذلك تابع للعناوين التي تطرأ عليه، وذلك مثل القيام، فقد يحرم إذا كان تعظيماً لفاجر وقد يكون راجحاً محبوباً إذا كان تعظيماً لمؤمن..

وليكن من هذا القبيل ما يفعله الناس في حياتهم العادية, من ثقب الأنوف والآذان لتعليق الخزائم والأقراط، وكذلك الوشم وغير ذلك، مع أنه يتضمن جرحاً ووخزاً بالأبر، وادماءً وألماً. ولكنهم لا يفعلون ذلك من أجل العبث واللهو.

وليس ترك البعض لمثل هذه الأعمال لأن عقولهم تحكم بقبحها ذاتاً وإنما استثقالاً منهم للألم، وإيثاراً للراحة وحباً بها.

وفيما بين هذين الحدين: أعني قتل النفس من جهة والوشم وثقب الأذن من جهة أخري.. مراتب بعضها أشد من بعض، ومنها المرض اليسير، الذي حكم كثير من الفقهاء [1] بأنه لا يسوغ الإنتقال من الوضوء إلي التيمم.

ومن هذه المراتب ما ورد عن الشارع الأمر به استحباباً، أو طلباً لتأكيد الصحة والسلامة، مثل ما ورد من الحث علي الحجامة، أو الأمر بالفصاد، ونحو ذلك مما فيه جرح. [2] .

وليس جرح الرؤوس في مراسم عاشوراء، وكذلك ضرب السلاسل، فضلا عن اللطم بأشد من أمر الحجامة، فضلاً عما هو أعظم من ذلك كما سنري..

وفي مختلف الأحوال.. فإن ذلك كله إذا تعنون بعنوان راجح: واجب أو مستحب، فإنه يأخذ حكم ذلك العنوان.. وإذا تعنون بما هو مبغوض ومرجوح، فكذلك..

وهذا الذي ذكرناه توضحه نصوص كثيرة، كما سيتضح.


پاورقي

[1] جواهر الکلام ج5 ص105 عن المعتبر، والمبسوط، وظاهر تحرير الأحکام، والشرايع بل في المبسوط نفي الخلاف عنه وعن الخلاف والمنتهي: بل ربما استظهر الإجماع عليه. والموجود فيهما المرض لا يخاف منه التلف، ولا الزيادة فيه وذهب إليه صاحب الجواهر أيضا.

[2] ويلاحظ أن الشارع الحکيم، الذي شرع أحکاما تقوم علي أساس الرفق والرحمة بالحيوان، والمنع من التعدي عليه وأذاه. قد شرع لزوم شق سنام الإبل في حين الإحرام، وفي بعض الروايات أن ذلک بمنزلة التلبية، مع أن ذلک فيه بعض الأذي لذلک الحيوان....