بازگشت

العقلاء واحتمالات الضرر


إننا قبل كل شيء نبذل محاولة للدخول إلي السلوك العام للعقلاء في مواجهة المخاطر، بهدف أن نتلمس تنوعاً يفيد في إعطاء صورة عن جهات البحث وموارده.

وأول ما يواجهنا في هذا المجال هو: أن هناك الكثير من الموارد التي يحتمل فيها الهلاك، وقد جري عليها العقلاء وهي من سنن الحياة فيهم التي لم يمنع عنها الشارع، بل عمل علي تنظيمها، والحفاظ عليها..

ومن تلك الموارد التي أجازها نذكر:

حمل المرأة مع احتمال حصول الموت حال الولادة، وذلك كثير، وقد اعتبر الشارع من تموت حال الولادة بمثابة شهيدة..

وفي سياق آخر فإن العقلاء يمارسون ركوب الطائرة، والسيارة, والصعود إلي الأبنية الشاهقة لمعالجة الأعمال فيها في مواضع خطرة جدا. والتعرض للمهالك وقد حدث ذلك أحيانا فهلكت أنفس كثيرة في تلك الموارد كلها. ولم يمنعهم الشارع عنها أيضاً.

ولا مجال لاستقصاء الموارد التي من هذا القبيل، وهي تدل علي أن احتمال الضرر ـ ولو كان هذا الضرر هو الهلاك ـ لا يوجب امتناع الناس العقلاء عن السعي نحو أهدافهم، فكيف إذا كان اقل من ذلك.

ولو كان ذلك مما تمنعه العقول، لتوقفت كثير من الأعمال وفشلت كثير من الخطط..

وعلي كل حال، إن العقلاء يقدمون علي الصعود إلي مواضع خطرة جدا، واحتمال الخطر فيها أقوي من احتمال السم في ماء الكوب، ولا يرون في العقل ما يمنعهم من ذلك.

بل ان هناك أعمالاً تشتمل علي مجازفات كبري يقدم عليها طلاب الشهرة وغيرهم، ولا يلومهم الناس عليها، حتي لو وقعوا في البلاء العظيم. بل هم يمدحونهم ويثنون عليهم، ويشجعونهم. والناس ليسوا مجانين قطعاً.

وهذا يدل علي أن ثمة حيثيات أخري تدخل في حسابات العقلاء، في إقدامهم وإحجامهم، حيث يكون للمنافع والمضار وغير ذلك دور في القبول وفي الرفض.