بازگشت

مناقشة الدليل الثاني


وأما بالنسبة للدليل الثاني وهو أن في هذه الممارسات إيذاء للنفس، أو إضرارا بها وهو محرم شرعاً.. فنقول أيضاً:

أولاً: إن من الواضح: أن جرح ولطم الإنسان نفسه وإيلامها ليس قبيحاً ذاتاً، كما هو الحال في الظلم.. إذ لو كان كذلك لم يجز الحكم بجواز الجرح حتي في مقام المعالجة..

كما أن هذا الجرح ليس فيه اقتضاء القبح، فهو ليس من قبيل الكذب مثلاً، ليقال: إنه إن لم يطرأ علي الكذب عنوان حسن فإنه يبقي علي صفة القبح الذي تقتضيه طبيعته.

وذلك لما سيأتي من شواهد تدل علي خلاف هذا الإدعاء.

بل هو خاضع في حسنه وقبحه للعناوين الطارئة عليه، فقد يحسن، وقد يقبح، وقد يرجح، وقد يكون مرجوحاً.. كما سيتضح.

ثانياً: بالنسبة للأدلة السمعية نقول: إن مقولة: إن كل إيذاء للنفس محرم؟! لم تثبت ولم يقل بها أحد ممن يعتد به من العلماء. فإن القدر المتيقن منه هو ما يؤدي إلي الهلاك، أو ما كان ضرراً بالغاً جدا يصل إلي حد قطع عضو، أو التسبب بحدوث مرض عضال.

وحتي هذا الأمر بالذات فإن في بعض أدلته مناقشات قوية، إذ أن دليله من الآيات هو آيات ناظرة إلي الهلاك في الآخرة. حيث استدلوا بقوله تعالي: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة)، وقد ذكرنا آنفاً أنها تنهي عن الهلاك بالتعرض لغضب الله عز وجل بسبب عدم امتثال أوامره في الإنفاق في الجهاد..

ويمكن أن يستدل له بقوله تعالي: (ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما). [1] حيث يمكن القول بدلالته علي حرمة قتل النفس، ولا سيّما بملاحظة الآية التالية لها، وهي قوله تعالي: (ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك علي الله يسيراً) [2] .

وحتي لو نوقش في دلالة هذه الآية أيضاً علي حرمة قتل النفس، فإن الأمر في هذه المسألة سهل، إذ أن حرمة قتل الإنسان نفسه لا شك فيها ولا شبهة تعتريها، بل هي من الضروريات. فلا حاجة إلي إقامة الأدلة علي ذلك. وأما ما دون ذلك فسيأتي الحديث عنه.

ثالثاً: استدلوا بحكم العقل بوجوب دفع ما فيه مضرة علي الإنسان.. بل يجب دفع الضرر المظنون، بل والمحتمل أيضاً..


پاورقي

[1] سورة النساء الآية29.

[2] سورة النساء الآية30.