بازگشت

المواريث الحضارية و المواريث المدنية


ان ما يقال عن الظواهر الحضارية ك(الصلاة) و (الحج) و (التقوي) و (الايمان) و (العفاف).. يقال عن الظواهر المادية الحضارية ك (المسجد) و


(المنبر) و (المدرسة) و غير ذلك من الظواهر و الأدوات المادية للحضارة، أو ما يطلق عليها أحيانا ب(المدنية) في مقابل (الحضارة).

فان لهذه الظواهر المادية أيضا أبعادا اجتماعية و تاريخية، كما للظواهر الحضارية، و كلما تتسع أبعادها الاجتماعية، و تتعمق أبعادها التاريخية، تزداد أصالة و عمقا و رسوخا في ضمير الامة.

ف (المساجد) مثلا تمتلك عمقا قيميا تاريخيا في حياة هذه الامة، و هذا العمق التاريخي يمنح (المسجد) قيمة خاصة في حياتنا الاجتماعية و مركزا حساسا يجعل من الصعب تجاوزه أو تحدية من قبل أعداء الاسلام.

و هذه القيمة و الأصالة و الرسوخ في ضمير الامة هي التي حفظت المساجد في تاريخ العدوان علي الامة و تراثها من اعتداء المعتدين.

و هكذا (الحجاب) للمرأة المسلمة، تمتلك بفضل هذا العمق التاريخي قيمة كبيرة و احتراما في ضمير الامة، كما تصفي احتراما خاصا علي شخصية المرأة.

و سوف نري أن العمق التاريخي لهذه الظواهر المادية تجعل منها قلاعا تحمي و تحصن الكثير من القيم الحضارية في الامة و تحميها من الاعتداء.

فالحجاب يحمي العفاف عند المرأة المسلمة...

و المسجد و المنبر يحميان الصلاة.. و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، يحميان الفرائض و الحدود الآلهية و الحركة و الثورة تحميان النظام الاسلامي و سيادته.

و للمحافظة علي هذه القيم الحضارية ينبغي أن نحافظ علي الأدوات المادية لهذه الظواهر، و أحيانا نحرص علي ابقائها علي شكلها و هندستها الخاصة.

فنحافظ علي العمارة التقليدية للمساجد، و علي التصميم التقليدي للمنابر، و علي الصورة التقليدية المعروفة للمصاحف في طباعة المصاحف.


و بهذا الترتيب، نحرص علي المحافظة حتي علي الوسائل المادية للحضارة الاسلامية- قدر الامكان - علي صورتها التاريخية التي تتمتع باحترام و تقدير خاص في ضمير الامة. [1] .

و هذا بعض سر قوة المواريث الحضارية في حياتنا، و فشل أعداء الاسلام في ازالة هذه المواريث من الحياة.

فليس الجهد الذي يبذله أعداء الاسلام في القضاء علي الفرائض الاسلامية كالصلاة و الحج باليسير، و ليس الجهد الذي بذلوه للقضاء علي الشعائر و الشعارات و الأعراف الاسلامية كالحجاب و مجالس عزاء الحسين و التحية و السلام بالشي ء الهين.

فقد استخدم أعداء الاسلام كل الوسائل الممكنة من اغراء و ارهاب و ترغيب في اجتثاث هذه الامة من جذورها و تمييع أصالتها و مسخ شخصيتها الحقيقة و استيراد الأفكار و التصورات و الظواهر الحضارية الشرقية و الغربية من هنا و هناك... ولكن هذه الأعمال كانت تبوء غالبا بالفشل، و لا يجني منها أصحابها الا القليل.

لقد بذل رضا خان بهلوي في ايران، و مصطفي كمال أتاتورك في تركيا جهدا ليس بالقليل في مكافحة المواريث الاسلامية كالصلاة و الحج، و حتي أن رضا بهلوي منع الحج بحجة أو باخري لعدة سنوات و حارب الحجاب و ألزم النساء المؤمنات بالسفور و حارب الشعائر العزاء الحسيني الذي يمارسه المسلمون


الشيعة في كل أقطار العالم الاسلامي. لكن بهلوي أخفق في تحقيق أكثر طموحاته، و استعادت الامة رشدها و وعيها و ارتباطها الرسالي التاريخي بالاسلام، و سرعان ما طهرت ساحة البلاد من مخلفات بهلوي و نظامه. و من أسباب ذلك عراقة هذه الظواهر الحضارية في تاريخ الامة.


پاورقي

[1] ينبغي ألا نسي‏ء فهم هذه الجملة و نفسرها بما لا يريد الکاتب، فانني أقصد بهذا الکلام المحافظة علي الصور التي تختزنها ذاکرة الامة، و تتمتع باحترام و تقدير خاص في ضمير الامة، و الاستفادة من هذه الصورة في تحصين و حماية القيم الحضارية الاسلامية.