بازگشت

و هاتان طائفتان من الناس


1- طائفة تعطي لله بحساب و تقدير، كالضحاك بن عبدالله المشرقي، يعطي لله شيئا، و يحتفظ لنفسه بشي ء، و اذا تواردت علي شي ء ارادة الله تعالي و هواه قدم هواه علي ارادة الله سبحانه.

2- و طائفة اخري تعطي الله ما آتاها الله تعالي من غير حساب و لا تقدير، و هؤلاء هم الذين تقول عنهم الآية الكريمة:

(ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة). [1] .

هؤلاء اشتري منهم الله أنفسهم و باعوها لله تعالي، و قطعوا علاقتهم بأنفسهم، فهي لله عزوجل اشتراها منهم، و لا شأن له بها بعد، يصنع بها ما يشاء، و الثمن مقبوض«بأن لهم الجنة».

فقد تم البيع و تم الشراء، و تم استلام الثمن، فلا يملك المؤمن من نفسه و ماله اذن شيئا، ليملك التقدير و الحساب في عطائه و بذله، فهي كلها لله تعالي يأخذ منها ما يشاء، و يدع منها ما يشاء، والله تعالي يجزي هؤلاء و اولئك علي نحوين من الجزاء: جزاء محسوب و محدود، و جزاء من غير حساب، و ها نحن نشرح تفصيل هذا الأمر:

ان الأجر الذي يعطيه الله لعباده في مقابل أعمالهم كريم، و عظيم، و كبير، و حسن، و غير ممنون. و هذه خمسة أوصاف للأجر الذي يرزق الله عباده علي حسناتهم:


1- فهو أجر كريم: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له و له أجر كريم). [2] .

2- و هو أجر عظيم: (للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم)، (و ان تؤمنوا و تتقوا فلكم اجر عظيم). [3] .

3- و هو أجر كبير: (و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر كبير). [4] .

(فالذين آمنوا منكم و أنفقوا لهم أجر كبير). [5] .

4- و هو أجر حسن: (فان تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا). [6] .

5- و هو أجر غير ممنون: (و ان لك لأجرا غير ممنون). [7] .

(الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون). [8] .

و هذه الأوصاف الخمسة عامة شاملة لكل أجر يرزق الله عباده ممن يعطي لله بلا حساب أو بحساب، الا أن الذين يعطون لله تعالي من دون حساب و تقدير يحاسبهم الله في السيئات حسابا يسيرا:

(فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا). [9] .


هذا في حساب السيئات، أما في الحسنات فان لله تعالي نوعين من الأجر أجر محدود و بحساب، و أجر غير محدود و من دون حساب.

و الأول منهما للذين يعطون لله تعالي بحساب و تقدير، و الثاني منهما للذين يعطون الله تعالي من أموالهم و أنفسهم بلا حساب و تقدير.

و ليس معني الحساب و التقدير من جانب الله المساواة بين العمل و الجزاء في الحجم والكم، و انما معناه وجود التناسب بين العمل و الأجر.

و أما عندما يكون عطاء العبد لله من دون حساب فان جزاء الله تعالي له يكون من غير حساب و تقدير، يقول سبحانه:

(انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب). [10] .

و تستوقفنا هذه الآية المباركة من سورة النور طويلا في شأن الجزاء عندما يكون العمل من جانب الانسان، من غير حساب:

(رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب). [11] .

و هذه ثلاث خصائص للجزاء الالهي:

الخاصية الاولي: (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا)، فالجزاء من عند الله ليس بأسوأ ما يعمل العبد و لا بمتوسط ما يعمل العبد، و انما بأحسن ما يعمله.

و لابد من توضيح لهذه الفقرة من الآية الكريمة:

فان للناس في الجزاء طريقين معروفين:


1- الجزء بأسوأ ما يعمل الطرف الآخر، فقد يحسن الانسان الي صاحبه عمرا طويلا ثم يسي ء اليه مرة واحدة، فيجعل صاحبه هذه الاساءة ميزانا لعلاقته به و ينسي كلما سبق له من فضل و احسان اليه، و هذا هو الجزاء بالأسوأ.

2- و قد يكون الجزاء فيما بين الناس بأوسط ما يفعلون، كما يقدر المدرسون درجات طلابهم بأوسط اجاباتهم في الامتحانات و هو الحساب بالمعدلات.

والله تعالي لا يجزي عباده بأسوأ ما يعملون و لا يجزيهم بأوسط ما يعملون، و انما يجزيهم بأحسن ما عملوا، و له الحمد رب العالمين.

و الخاصية الثانية: للجزاء في هذه الآية المباركة هي:«و يزيدهم من فضله»و لا علاقة لهذا بأعمالهم اطلاقا، فهو تعالي يزيدهم في الجزاء من فضله بما يشاء و كيفما يشاء.

و الخاصية الثالثة:«والله يرزق من يشاء بغير حساب»و هذا أعظم ما في هذه الآية، فان رزق الله تعالي لعباده يوم القيامة في مقابل حسناتهم رزق من غير حساب و لا تقدير، فان العبد لو كان يعطي لربه مما آتاه من غير حدود و لا حساب، فان الله تعالي أولي بأن يعطي عبده يوم القيامة من غير حدود و لا حساب.


پاورقي

[1] التوبة / 111.

[2] الحديد / 11.

[3] آل عمران / 97.

[4] فاطر / 7.

[5] الحديد / 7.

[6] الفتح / 16.

[7] القلم / 3.

[8] التين / 6.

[9] الانشقاق / 7 و 8.

[10] الزمر / 10.

[11] النور / 38 - 37.