بازگشت

الاستجابة المشروطة


و النقطة الثانية في جواب الضحاك أنه لم يرفض القتال الي جانب الحسين عليه السلام، و لم يعتذر بصورة مختلفة، كما اعتذر صاحبه مالك بن النضر، بل قاتل مع الحسين و ضرب الأعداء بين يديه، و دعا له الحسين عليه السلام.

و هذه نقطة اخري مشرقة في موقف الضحاك من الحسين، فهو ليس من الذين و صفهم الفرزدق الشاعر بقوله:«قلوبهم معك و سيوفهم عليك»، و انما كان قلبه و سيفه مع الامام الحسين، و هو صادق في هذا و ذاك، الا أنه لم يعط سيفه للحسين عليه السلام، و لم يضع سيفه تحت أمر الحسين الا بمقدار، و حدد لذلك شرطين:«اذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا و عنك دافعا»، و هذا شرط غريب.

ان الضحاك يحصر نصرته للحسين عليه السلام بين شرطين:

1- أن يكون الحسين عليه السلام بحاجة اليه و لا يغني عنه غيره.

2- و أن يكون قتاله دون الحسين عليه السلام نافعا له فان لم يكن هذا أو لم يكن ذلك فان الضحاك في حل من أمره.

و نحن لا يعجبنا أن نشكك في صدق نية الضحاك في موقفه من الامام، رغم


فراره من الزحف في اللحظات الأخيرة، و تركه للامام عليه السلام في أحرج اللحظات، و ايثاره للعافية، فان لدينا - مع كل ذلك - من الشواهد ما يكفي لاثبات حسين نية الضحاك، و صدقه في الوقوف الي جنب الامام، و الدفاع عنه، الا أننا نجد عنده احساسا محدودا بالمسؤولية تجاه الموقف، و تقتيرا شديدا في العطاء، في اطار هذه المسؤولية، و محاولة جادة في اخضاع الانفاق في سبيل الله لمعادلات دقيقة شديدة التعقيد.

فهو يعطي من نفسه لله تعالي ولكنه عطاء مشروط، و محدود، و بحساب، و ضمن تقديرات دقيقة، و ليس كما يقول الله تعالي:

(ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة). [1] .

و الدقة في المحاسبة، و المحاسبة الدقيقة أمر جيد لا نشك في حسنه و فائدته، ولكن عندما يكون طرف المحاسبة هو نفس الانسان، وقد ورد في الحديث:«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا»، و أما عندما يكون طرف الحساب هو الله تعالي فان المحاسبة بهذه الدقة و ضمن هذه الشروط و القيود أمر قبيح الله مع الله سبحانه.

و الضحاك هنا يتعامل مع الله تعالي، و ان كان طرف التعامل في ظاهر الأمر هو الحسين عليه السلام.

و لا يطلب الحسين عليه السلام أمثال الضحاك في حركته هذه، و انما يطلب لنصرته اولئك الذين يبذلون كل ما عندهم من الأنفس و الأموال لله تعالي، من دون حساب و شروط و حدود و قيود، فقد خطب عليه السلام في الناس لما أراد الخروج من مكة الي العراق و قال:


«ألا و من كان فينا باذلا مهجته، موطنا علي لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فاني راحل مصبحا ان شاء الله». [2] .

و لا شك أن هذا العطاء الشحيح خير من النضوب، علي كل حال، ولكن أصحاب هذا العطاء المحدود لا يستطيعون أن يسايروا الحسين عليه السلام في مثل هذه المرحلة.

و أعتقد أن عبارة«لم يوافق»في هذا الموضوع تساوي عبارة«لم يستطع»، فان الضحاك«لم يوافق»أن يقاتل من دون الحسين بلا حدود و قيوده و بنفس الملاك«لم يستطع»أن يساير الحسين الي الشوط الأخير من رحلته.


پاورقي

[1] التوبة / 111.

[2] مقتل الحسين عليه‏ السلام للسيد المقرم / منشورات مؤسسة البعثة - طهران -: ص 166. و اللهوف علي قتلي الطفوف للسيد ابن‏طاووس / ص 33. و ابن‏نما / ص 20.