بازگشت

مقارنة بين زهير بن القين و الضحاك


و لقد كان زهير بن القين رحمه الله يملك من المال و العيال ما كان يملكه الضحاك ابن عبدالله، و كان يعيش في دنياه، كما كان يعيش الضحاك في دنياه، بل قد يكون حظ زهير من الدنيا أعظم من حظ الضحاك، فقد كان زهير بن القين رحمه الله زعيما في قومه، وجيها في بلده، و لم يحفل المؤرخون بأمر الضحاك و صاحبه في شأن من شؤون الدنيا، و كان الضحاك أقرب الي الحسين عليه السلام و أكثر ميلا اليه من زهير، فقد كان زهير رحمه الله عثماني الهوي، كما يذكر أصحاب السير، و كان يحرص ألا يلتقي الحسين عليه السلام بمنزل في طريقه الي العراق، فاذا وجد الحسين قد نزل منزلا فيه ماء نزل غيره، و أما الضحاك و صاحبه مالك بن النضر فقد قصدا الحسين في كربلاء، و جلسا اليه، و دعوا له، و لم يكن يحدث شي ء من ذلك لو لم يكن الضحاك و مالك بن النضر من شيعة الحسين عليه السلام و ممن تميل اليه قلوبهم.


و مع ذلك كله فان«العيال و المال»قد أعاقاهما عن الالتحاق به بشكل كامل أو بشكل ناقص.

و أما زهير بن القين رحمه الله فقد رجع من عند الحسين عليه السلام و لم يستغرق اجتماعه بالامام في أغلب الظن بضع دقائق، و قد أعد نفسه للوفود علي الله مع الحسين، و الانصراف الكامل عن الدنيا، فأقبل الي زوجته«دلهم»بنت عمرو (رحمها الله) و قال لها بقوة و عزم و في نفس الوقت بسهولة و راحة:«الحقي بأهلك فاني لا أحب أن يصيبك بسببي الا خيرا»، ثم قال لمن معه:«من أحب منكم نصرة ابن رسول الله صلي الله عليه وآله و الا فهو آخر العهد» [1] ، و لم يعقه عن ذلك مال و لا عيال.

و قد كانت زوجته«دلهم»رحمها الله هي التي دفعته و شجعته علي الاستجابة لدعوة الحسين عليه السلام، فقد أصابه و أصاب رفاقه ذعر غريب عندما جاء رسول الحسين، و هو علي الطعام، يدعوه الي زيارة الامام، فصمت و صمتوا، و كأن علي رؤوسهم الطير.

فاخترقت المرأة المؤمنة الشجاعة«دلهم بنت عمرو»(رحمها الله) هذا الصمت و الذعر بقوة، و قالت لزوجها - و رسول الحسين يسمعها و يشهد الموقف -:«سبحان الله أيبعث اليك ابن بنت رسول الله ثم لا تأتيه، لو أتيته فسمعت كلامه؟!!». [2] .

و مع ذلك فلم يتوان زهير عندما قرر الوفود علي الله تعالي مع الحسين أن يقول لزوجته دلهم - هذه المرأة الشجاعة -:«الحقي بأهلك».

اذن ليست المسألة مسألة المال و العيال، و انما المسألة في أمر آخر، في طريقة


التعامل مع المال و العيال.

و الفرق بين الضحاك و زهير رحمه الله لم يكن في أن الأول كان يملك من المال و العيال ما لا يملكه الثاني، و انما كان في طريقة تعاملهما مع المال و العيال.

فقد كان الضحاك و صاحبه الأرحبي أسيرين للمال و العيال، فأعاقهما عن الانطلاق مع الحسين، و كان زهير بن القين متحررا من أسر المال و العيال، فلم يعيقاه عن الحركة مع الحسين عليه السلام للوفود علي الله.


پاورقي

[1] مقتل الحسين عليه‏ السلام للسيد عبدالرزاق المقرم / ص 188.

[2] حياة الامام الحسين عليه‏ السلام للشيخ القرشي: ج 3 ص 67.