تأملات في خبر الضحاك
أقبل الضحاك بن عبدالله المشرقي، و مالك بن النضر الأرحبي علي
الحسين عليه السلام ليسلما عليه، و ليجددا به العهد، كما في رواية أبي مخنف، و يظهر أن هذا اللقاء تم في موقع كربلاء«الطف»بعد ما استقر الحسين عليه السلام بأهله و أصحابه فيه، و لم يكن في الطريق، و قبل أن يحاصر الحسين عليه السلام، فقد استأذن مالك بن النضر الأرحبي الحسين عليه السلام في الانصراف، و انصرف من دون أن يواجه مشكلة من قبل الجيش الاموي.
و يظهر من الرواية أنهما كانا عارفين بموقع الحسين عليه السلام و حقه و ذمته و حرمته في الاسلام و موقعه من رسول الله صلي الله عليه وآله.
ففي رواية أبي مخنف:«فتذممنا، و سلمنا عليه، و دعونا الله له».
و التذمم بمعني حفظ الذمام، و حفظ العهد و الحق و الحرمة، كما في المدونات اللغوية.
اذن، فهما قد عظما و أكبرا ما علي ذمتهما من حق الحسين و حرمته و عهده، فلما أراد الانصراف استوقفهما الحسين عليه السلام و قال لهما:«فما يمنعكما من نصرتي؟».
و يلفت نظرنا أن الامام يسألهما عما يمنعهما من نصرته قبل أن يسألهما النصرة و يدعوهما اليها.
و كأن في خروج الحسين عليه السلام علي يزيد بتلك العصابة القليلة الي العراق ما يغني عن الدعوة و الاستنصار، فلا حاجة مع ذلك الي أن يستنصر أحدا أو يدعوه، ففي خروج الحسين عليه السلام الي العراق دعوة و استنصار لكل المسلمين، و للحسين عليه السلام حق و حرمة علي ذمة كل المسلمين.
اذن يسأل الضحاك و صاحبه:«فما يمنعكما من نصرتي؟»
أما مالك بن النضر الأرحبي فقد أراح نفسه و أراحنا بوضوحه و صراحته
في الاعتذار عن الاستجابة للحسين و التخلف عنه، فقال:«علي دين ولي عيال»فأعرض عنه الحسين عليه السلام، و انصرف هو لشأنه، فقد أقبلت السعادة و التوفيق عليه فأعرض عنها.
و أما الضحاك بن عبدالله المشرقي، فأجاب الحسين عليه السلام بجواب معقد، شديد الالتواء و التعقيد، فلا هو رفض دعوة الحسين، و أعرض عنها، كما رفضها صاحبه و أعرض عنه، و لا هو استجاب للحسين عليه السلام و قبل عنه، كما استجاب له أهل بيته و أصحابه.
و لنتأمل في جواب الضحاك، فانه يمثل شريحة واسعة من النفوس و المواقف ازاء«الدعوة».
و اننا ندرس من خلال الضحاك بن عبدالله في موقع الطف، و من خلال المتخلفين في موقع حنين شريحة كبيرة في التأريخ الاسلامي، و شريحة كبيرة في تأريخنا المعاصر، و نحاول أن نرسم أبعاد هذه الشريحة في حياتنا المعاصرة، و نشخص نقاط الضعف في شخصيتها عسي أن نقوم من سلوكها ما يمكن تقويمه.
و سوف نجعل جواب الضحاك للحسين عليه السلام في موضع التأمل و الدراسة ضمن مجموعة من النقاط: