الصراع في مرحلتي التنزيل و التأويل
مرت هذه الدعوة خلال مسيرتها بمرحلتين من الصراع: مرحلة التنزيل و مرحلة التأويل.
الأولي: في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله.
و الثانية: تبدأ بخلافة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
في المرحلة الأولي: كان الصراع يدور حول محور«التنزيل». و كانت الجاهلية المتمثلة يومذاك في مشركي قريش و حلفائها و اليهود و حلفاؤهم يتصدون لنفي«التنزيل»و انكار علاقة هذا الدين بالله تعالي و نزول القرآن من لدن الله تعالي.
و استمر هذا الصراع قائما في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله كلها. و انجلي هذا الصراع عن هزيمة قريش و اليهود أمام الدعوة و انتصارها.
و يبدو لأول و هلة أن الجاهلية انسحبت عن مواقعها الهجومية أمام حركة الدعوة، و استسلمت و انقادت... الا أننا عندما نمعن النظر في تأريخ الاسلام نجد أن الجاهلية بدأت تخطط بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله للالتفات علي هذه الدعوة و تحريفها والدس فيها و تشويه مفاهيمها.
و أحس ورثة الثورة بهده المؤامرة الجديدة، و عرفوا قادة المؤامرة، و بدأت المرحلة الثانية من الصراع حول محور«التأويل»و أبرز المعارك في هذه المرحلة من الصراع:«صفين»و«الطف».
و الذي ينعم النظر في التأريخ الاسلامي يجد أن«صفين»و«الطف»امتداد ل«بدر»و«احد»و أن الذين حاربوا عليا و الحسن و الحسين عليهم السلام في صفين و الطف هم الذين قاتلوا رسول الله صلي الله عليه وآله من قبل في بدر و احد.
و رحم الله عمار بن ياسر فقد كان يقول في صفين لبعض من أنكر عليه محاربة معاوية و عمرو بن العاص:«هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي؟ فانها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله ثلاث مرات، و هذه الرابعة، ما هي بخيرهن و لا أبرهن، بل هي شرهن و أفجرهن».
و قال لمن تردد يومئذ في قتال معاوية مع الامام علي عليه السلام:
«أشهدت بدرا و احدا و حنينا، أو شهدها لك أب فيخبرك عنها؟
قال: لا، قال فان مراكزنا علي مراكز رايات رسول الله صلي الله عليه وآله يوم بدر و يوم احد و يوم حنين، و ان هؤلاء علي مراكز رايات المشركين من الأحزاب».
«هل تري هذا المعسكر و من فيه؟ فوالله لوددت أن جميع من أقبل مع
معاوية ممن يري قتالنا مفارقا للذي نحن عليه، كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته، والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور، أفتري دم عصفور حراما؟». [1] .
پاورقي
[1] وقعة صفين لنصر بن مزاحم / تحقيق عبدالسلام محمد هارون: ص 322 - 321.