بازگشت

خصائص الصراع


و نشير هنا الي بعض خصائص هذا الصراع التاريخي بين هذين المحورين: (الحق و الباطل).

أن هذه المعركة، معركة عقائدية تستبطن صراعا عقائديا ضاريا حول الشرك و التوحيد. و قد أشرنا قريبا، ان جوهر هذا الصراع يدور حول الشرك و التوحيد، و ان أكثر معاني الشرك و التوحيد في القرآن الشرك في الولاء و التوحيد في الولاء.

و لهذا السبب فهي معركة عقائدية في جوهرها. هذا أولا.

و ثانيا: هي معركة حضارية لأنها تعتبر صداما بين حضارتين: الحضارة


الربانية و الحضارة الجاهلية، و لكل منهما خصائصها... و الانتماء الي أي من المحورين ليس انتماء سياسيا فقط الي أحد محاور القوة و السيادة، و انما هو انتماء حضاري و يستتبع هذا الانتماء خصائص و ميزات حضارية في اسلوب التفكير، و الاخلاص، و العمل، و العلاقة مع الله تعالي، و مع النفس و مع الآخرين و مع الأشياء... و الصراع بين هذين المحورين يعني الصراع بين حضارتين بشكل دقيق.

و ثالثا: ان هذا الصراع معركة سياسية علي مراكز القوي.

و لا شك أن كلا من هذين المحورين يعمل للاستيلاء علي مراكز القوي في المجتمع: المال و السلطان، و القوي العسكرية، و ثقة الناس و مراكز التوحيد، و الاعلام، و الثقافة.

و كل منهما يعمل لاستخدام هذا المراكز في تمكين محوره و خطه.

رابعا: هذه المعركة تدخل في حتميات التاريخ الكبري، و لا يمكن أن يتخلص منها الانسان بحال من الأحوال، فان تعاكس المحاور و الخطوط تستدعي بصورة حتمية هذه المعركة في كل زمان و مكان. و لا يمكن أن يتخلص منها الانسان.

ان هذا الدين يصادر كل مصالح الطاغوت و وجوده و مراكزه و مواقعه، و لا يمكن أن يتخلي الطاغوت من عن دوره في الافساد علي وجه الأرض من دون أن يخوض هو و جنده صراعا مريرا مع هذا الدين. و هذا الصراع لم يخل منه عصر من العصور، منذ أن خلق الله تعالي الانسان بهذه التركيبة الخاصة علي وجه الأرض الي اليوم الحاضر.

و القرآن الكريم يقرر حتمية الصراع بين هذين المحورين بشكل جازم، يقول تعالي:

(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا). [1] .

خامسا: ان هذا الصراع معركة مصيرية تدوم و تطول... و يعمل كل من المحورين علي استئصال المحور الآخر من علي وجه الأرض، و انهائه و تصفية وجوده و مراكزه و مواقعه بشكل عام... و ليست معركة علي قطعة من الأرض، أو حدود برية أو بحرية، و ليست معركة علي بضعة آبار من النفط، أو علي كمية من الذهب و الفضة... انها معركة علي الوجود و الكيان، و لا يرضي كل من الطرفين الا بالتصفية الكاملة للطرف الآخر.

(و لن ترضي عنك اليهود و لا النصاري حتي تتبع ملتهم). [2] .

(و قاتلوهم حتي لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله فان انتهوا فان الله بما يعملون بصير و ان تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولي و نعم النصير). [3] .

فهذه المعركة تستمر حتي الاستئصال الكامل للفتنة من علي وجه الأرض... و بطبيعة الحال لن تكون معركة بسيطة، و انما هي معركة شرسة، لا يعرف التاريخ نظيرا لها في الحروب من حيث الشراسة و القسوة.

و لذلك فالتفكير في اللقاء و التفاهم و الحلول النصفية مع الكفر و الطاغوت تفكير فيه كثير من الفجاجة و البساطة و الضعف و الهزيمة النفسية.

و ان بداية كل هزيمة ميدانية، هزيمة في النفس... و بداية الهزيمة النفسية التفكير في امكان اللقاء و التفاهم مع الطاغوت، و انهاء الصراع، و الجلوس مع الطاغوت علي موائد الصلح.


ان المعركة مع الطاغوت علي الوجود، و ليس علي اختلاف الحدود أو اختلاف في الاعتبار، حتي يمكن التفاهم و التصافي و التعايش بسلام و تطبيع العلاقات.

و سادسا: ان هذه المعركة التاريخية تتطلب من الامة المؤمنة مواقف واضحة و حدية و صارخة في اعلان الولاء و البراءة... الولاء لله و لرسوله و لأولياء امور المسلمين، و البراءة من أعداء الله و رسوله و أوليائه.

فلابد من موقف...

و لابد أن يكون الموقف جديا...

و لابد أن يكون الموقف واضحا و معلنا...

لأن المعركة مع أئمة الكفر جد لا هزل فيه، و لا يكفي أن يضمر الانسان الحب لله و لرسوله، و لأوليائه، من دون موقف،و من دون أن يعرف الناس عنه ذلك،... و لا يكفي أن يكون قلبه مع الله و رسوله و أوليائه، و سيفه و حرابه عليهم. [4] .

و لا يكفي أن يعطي لله و رسوله و أوليائه بعض وقته و ماله... ليعطي للطاغوت البعض الآخر... ان الولاء كل لا يتجزأ، فاما أن يكون الكل لله، أو لا يكون لله منه شي ء، فان الله غني عن العالمين.

ان الولاء، يتطلب الموقف المحدد، و الاشهار بالموقف في الانتماء


و الانفصال... و في الحب و البغض... و في المودة و المعاداة.. و في السلم و الحرب....

و سابعا: أن الولاء و البراءة وجها حقيقة واحدة في هذه المعركة... و لا ينفع ولاء من دون براءة، و لا يؤدي الولاء دوره الفاعل في حياة الامة ما لم يقترن بالبراءة من أعداء الله و رسوله و أوليائه.

و لا يتكون الموقف هنا من الولاء فحسب، ان للموقف وجهين: وجه ايجابي و وجه سلبي، سلم و حرب، و انتماء و انفصال، و حب و بغض، و ما لم يجتمع هذا و ذاك لن يكون الموقف موقفا حقيقيا و انما يكون شعبه من شعب النفاق و طورا من أطوار المجاملة السياسية و اللعب علي الحبال...

يقول تعالي في هذين الوجهين:

(أشد علي الكفار رحماء بينهم). [5] .

ثامنا: و كما ان محور الولاية، مركز واحد، و خط واحد، و امتداد واحد، علي طول التاريخ، كذلك محور البراءة.

و نحن لا نفرق في الولاء بين أنبياء الله و أوليائه القريب منهم من عصرنا و البعيد منهم عن عصرنا... فكلهم يحملون رسالة الله و يبلغون دين الله، و آتاهم الله من لدنه النبوة و الامامة و الولاية علي عباده... نواليهم جميعا، و نؤمن بما أنزل الله اليهم، لا نفرق بين أحد منهم.

(قولوا آمنا بالله و ما انزل الينا و ما انزل الي ابراهيم و اسماعيل و اسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسي و عيس و ما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم و نحن له مسلمون). [6] .


(آمن الرسول بما انزل اليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله لا نفرق بين أحد من رسله و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و اليك المصير). [7] .

كذلك... نتبرأ من أعدائهم جميعا... نتبرأ من فرعون و نمرود، كما نتبرأ من أبي جهل و يزيد، و كما نتبرأ من طغاة و جلاوزة عصرنا.

و كما أن الولاء أمر واحد، كذلك البراءة أمر واحد.

و مثلما نتبرأ من طغاة عصرنا و نلعنهم، لنفس الأسباب نلعن الحجاج و يزيد و أبي جهل و نمرود و فرعون و قابيل.

فان المعركة بين محوري الحق و الباطل ليست معركة شخصية، و انما هي معركة حضارية، تمتد جذورها الي أعماق التاريخ.

و كما أن المعركة في جوهرها واحده في كل مراحلها، كذلك الولاء و البراءة.


پاورقي

[1] النساء/ 76.

[2] البقرة/ 120.

[3] الانفال / 39 و 40.

[4] التقي الحسين عليه‏ السلام في مسيره الي العراق بمنزل الصفاح بالفرزدق بن غالب الشاعر، فسأله عن خبر الناس خلفه فقال الفرزدق: قلوبهم معک و السيوف مع بني‏امية فقال الحسين عليه‏ السلام و القضاء ينزل من السماء، و کل يوم ربنا في شأن ان نزل القضاء، بما نحب فنحمد الله علي نعمائه و هو المستعان علي أداء الشکر، و ان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من کان الحق نسبه و التقوي سريرته. مقتل الحسين للمقرم / 182، نقلا عن الطبري 218 / 6، و ابن‏الأثير 16 / 4.

[5] الفتح / 29.

[6] البقرة / 136.

[7] البقرة / 285.