بازگشت

في مكة


3 - و كتب الحسين نسخة واحدة (تعميما) الي رؤساء الأخماس بالبصرة، و هم مالك بن مسمع البكري، و الأحنف بن القيس، و الجارود بن المنذر، و مسعود بن عمرو، و قيس بن الهيثم، و عمرو بن عبيد بن معمر، و أرسله مع مولي له يقال له سليمان [1] و فيه:«أما بعد فان الله اصطفي محمدا صلي الله عليه وآله علي خلقه و أكرمه بنبوته و اختاره لرسالته ثم قبضه اليه و قد نصح لعباده و بلغ ما


ارسل به صلي الله عليه وآله، و كنا أهله و أولياؤه و أوصياؤه و ورثته، و أحق الناس بمقامه في الناس، فستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا و كرهنا الفرقة و أحببنا العافية، و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. و قد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب، و أنا أدعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه، فان السنة قد اميتت و البدعة قد احييت، فان تسمعوا قولي أهدكم الي سبيل الرشاد.»

فسلم الجارود بن المنذر العبدي رسول الحسين الي ابن زياد فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها الي الكوفة ليسبق الحسين اليها [2] ، و كانت ابنة الجارود بخرية زوجة ابن زياد فزعم أن يكون الرسول دسيسا من ابن زياد. و أما الأحنف فانه كتب الي الحسين عليه السلام: أما بعد فاصبر ان وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون. [3] .

و أما يزيد بن مسعود [4] فانه جمع بني تميم و بني حنظلة و بني سعد فلما حضروا قال: يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم و حسبي منكم؟ قالوا: بخ بخ! أنت والله فقرة الظهر و رأس الفخر حللت الشرف وسطا و تقدمت فيه فرطا قال: فاني قد جمعتكم لأمر اريد أن اشاوركم فيه و أستعين بكم عليه فقالوا:


انا والله نمنحك النصيحة، و نجهد لك الرأي، فقل حتي نسمع.

فقال: ان معاوية مات. فأهون به والله هالكا و مفقودا، ألا و انه قد انكسر باب الجور و الاثم و تضعضعت أركان الظلم. و كان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه، و هيهات الذي أراد. اجتهد والله ففشل، و شاور فخذل، و قد قام يزيد شارب الخمور و رأس الفجور يدعي الخلافة علي المسلمين، و يتآمر عليهم بغير رضا منهم، مع قصر حلم، و قلة علم، لا يعرف من الحق موطأ قدميه، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده علي الدين أفضل من جهاد المشركين، و هذا الحسين بن علي و ابن رسول الله صلي الله عليه وآله، ذو الشرف الأصيل، و الرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، و علم لا ينزف، و هو أولي بهذا الأمر لسابقته و سنه و قدمه و قرابته، يعطف علي الصغير، و يحسن الي الكبير، فأكرم به راعي رعية، و امام قوم و جبت لله به الحجة، و بلغت به الموعظة، فلا تعشو عن نور الحق، و لا تكسعوا في وهد الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم الي ابن رسول الله صلي الله عليه وآله و نصرته، والله لا يقصر أحدكم عن نصرته الا أورثه الله تعالي الذل في ولده، و القلة في عشيرته، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، و أدرعت لها بدرعها. من لم يقتل يمت، و من يهرب لم يفت، فأحسنوا رحكمم الله رد الجواب.

فقالت بنو حنظلة: يا أباخالد نحن نبل كنانتك، و فرسان عشيرتك، ان رميت بنا أصبت، و ان غزوت بنا فتحت، لا تخوض والله غمرة الا خضناها، و لا تلقي والله شدة الا لقيناها، ننصرك بأسيافنا و نقيك بأبداننا اذا شئت.

و تكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أباخالد نحن بنو أبيك و حلفاؤك، لا نرضي ان غضبت، و لا نبقي ان ظعنت، و الأمر اليك فادعنا اذا شئت.

و قالت بنواسعد بن زياد: أباخالد ان أبغض الأشياء الينا خلافك و الخروج عن


رأيك، و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال يوم الجمل، فحمدنا ما أمرنا، و بقي عزنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة و نأتيك برأينا.

فقال لهم لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا، و لا زال سيفكم فيكم.

ثم كتب الي الحسين عليه السلام: أما بعد فقد وصل الي كتابك، و فهمت ما ندبتني اليه، و دعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك، و الفوز بنصيبي من نصرتك، و ان الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير، و دليل علي سبيل نجاة، و أنتم حجة الله علي خلقه، و وديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها و أنتم فرعها، فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم، و تركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الابل الظمأ لورود الماء يوم خمسها، و قد ذللت لك رقاب بني سعد، و غسلت درن قلوبها بماء سحاب مزن حين استهل برقها فلمع.

فلما قرأ الحسين عليه السلام كتابه قال:«آمنك الله من الخوف و أعزك و أرواك يوم العطش الأكبر.»

و لما تجهز ابن مسعود الي المسير بلغه قتل الحسين عليه السلام فاشتد جزعه و كثر أسفه لفوات الامنية من السعادة بالشهادة. [5] .

و كانت«مارية»ابنة سعد أو منقذ من الشيعة المخلصين، و دارها مألفا لهم يتحدثون فيه فضل أهل البيت عليهم السلام،فقال يزيد بن نبيط و هو من عبدالقيس لأولاده و هم عشرة: أيكم يخرج معي، فانتدب منهم أثنين عبدالله و عبيدالله، و قال له أصحابه في بيت تلك المرأة: نخاف عليك أصحاب بن زياد، قال: والله لو قد استوت أخفافها بالجدد لهان علي طلب من طلبني [6] و صحبه مولاه عامر


و سيف بن مالك والأدهم بن امية [7] فوافوا الحسين بمكة و ضموا رحلهم الي رحله حتي وردوا كربلاء و قتلوا معه.

4- و خطب الحسين عليه السلام في المسلمين عشية خروجه من مكة، و قال:

خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أولهني الي أسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه.

كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلواة بين النواويس و كربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا، و أجربة سغبا، لا محيص من يوم خط بالقلم.

رضا الله رضانا أهل البيت. نصبر علي بلائه، و يوفينا اجور الصابرين.

لن تشذ عن رسول الله صلي الله عليه وآله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، و ينجز بهم وعده. ألا و من كان فينا باذلا مهجته، و موطنا علي لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فاني راحل مصبحا ان شاء الله. [8] .

و في هذه الخطبة، ينعي الامام نفسه، و يستنصر المسلمين، و يطلب منهم مهجهم، و يطلب ممن يريد أن يخرج معه أن يوطن نفسه للقاء الله، و يعلن للمسلمين أنه يخرج غدا الي العراق، و من أراد أن يلتحق به فليعد نفسه للخروج منذ الليلة.

و هي دعوة غريبة من نوعها في تاريخ الثائرين و الخارجين. فلا يمنيهم الحسين عليه السلام بملك و لا سلطان، و انما يدعوهم الي القتل.

و هذه الدعوة بهذه الخصوصية مما تتميز بها ثورة الحسين عليه السلام في التاريخ عن غيرها من الثورات و الحركات.


ان الحسين عليه السلام يطلب من الناس مهجهم، و يطلب منهم أن ينتزعوا أنفسهم من الدنيا و يوطنوا أنفسهم للقاء الله.

و الحسين عليه السلام يقصد ما يقول.

ولو خرج يومئذ مع الحسين عليه السلام ناس يريدون الدنيا، و ليس وجه الله، و يطلبون المال و السلطان في خروجهم مع الحسين عليه السلام لأخلوا بهذه الحركة، و أفقدوها قيمتها و تأثيرها العميق الخالد في التاريخ.

و بهذه الطريقة يعلن الحسين عليه السلام من بدء خروجه عن رفضه لاولئك الذين يريدون أن يلتحقوا به للمال و السلطان و الدنيا.

هذه الخطبة عجيبة في لهجتها، عجيبة في مضامينها و دعوتها، و تتضمن الاستنصار، و الاستماتة، و الترغيب و التزهيد، و الدعوة، و الرفض.


پاورقي

[1] هذا في تاريخ الطبري 200 / 6، و في اللهوف / 21«يکني أبارزين»، و في مثير الاحزان / ص 12«أرسله مع ذراع السدوسي».

[2] تاريخ الطبري 200 / 6.

[3] مثير الاحزان / 13.

[4] هذا في مثير الاحزان، و عند الطبري و ابن‏الأثير مسعود بن عمرو و قال ابن‏حزم في جمهرة أنساب العرب / ص 218: کان عباد بن مسعود بن خالد بن مالک النهشلي سيدا و اخته ليلي بنت مسعود تحت علي بن أبي‏طالب ولدت له أبابکر قتل مع الحسين و عبدالله کان مع مصعب ابن‏الزبير علي المختار و قتل يوم هزيمة أصحاب المختار و ذکرنا في (زيد الشهيد) ص 101 طبع ثاني نصوص المؤرخين في قتله بالمذار من سواد البصرة و لم يعلم قاتله. و في الخرايج للراوندي في معجزات علي عليه‏ السلام وجد مذبوحا في فسطاطه و لم يعلم ذابحه.

[5] مثير الاحزان / ص 13. و اللهوف / ص 21.

[6] تاريخ الطبري 198 / 6.

[7] ذخيرة الدارين / ص 224.

[8] اللهوف / 33 و ابن ‏نما / 20. و المقرم / 173.