بازگشت

لا خوف و لا حزن


و ذلك قوله تعالي: (.. و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون). [1] فهم ينظرون الي اخوانهم الذين لم يلحقوا بهم بعد والي المسيرة الحافلة بالدماء و الجهاد و الانتصارات و الانتكاسات و الآلام و المرارات. بهذه الرؤية الربانية: (لا خوف عليهم و لا هم يحزنون).

أما نحن، هنا في هذه الدنيا، فرؤيتنا تختلف، اننا ننظر الي المسيرة من خلال تصوراتنا البشرية التي يشوبها الضعف و قصر المدي و التشويش، و ينتابنا القلق و الارتباك كلما توقعنا مصيبة تنزل بنا في حركتنا، و كلما توقعنا عاصفة تعصف بنا، و لا تذر لنا رطبا و لا يابسا، و ينتابنا الحزن و الألم كلما نزلت بنا داهية، أو عمتنا مصيبة فتضيق بنا الأرض بسعتها، و تعتصرنا الآلام: آلام الفراق و مرارة الانتكاسات و شدة الابتلاء في الأنفس و الأموال و الأرزاق و الأمن، فالمسيرة بالنسبة الينا - و من خلال تصوراتنا - حافلة بالخوف و الحزن؛ الخوف علي ما نتوقعه من الابتلاء، و الحزن علي ما نزل بنا من ابتلاء و شدة، و قليل من عباد الله الذين تصفو لهم الرؤية في وسط هذه المسيرة الحافلة بالدماء و الآلام، فلا يعيشون خوفا و لا حزنا.

أما الشهداء فرؤيتهم و تصورهم لهذه المسيرة يختلف عن رؤيتنا و تصوراتنا البشرية المشوبة بضعف الانسان، أنها رؤية اكتسبوها من عند الله صافية، بعيدة المدي، ملؤها الثقة و الطمئنان بالله تعالي، رزقهم الله تعالي اياها من عنده، فهم يرون المسيرة الربانية علي وجه الأرض بهذه الثقة و الطمأنينة و بهذه الرؤية الصافية من غير خوف و لا قلق و لا حزن، و من ثم يستبشرون باخوانهم الذين لم


يلحقوا بهم بعد، و الذين يخوضون غمار المعركة ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون، ألا يخافوا من شي ء يستقبلهم و لا يحزنوا علي شي ء فاتهم، فلن يتجاوزهم نصر الله الذي وعد الله به الصالحين من عباده، و لن يتخطاهم النصر و التأييد و الدعم و الامداد من الله، في وسط هذا الصراع الحافل بالدماء و الآلام و المرارات و المعاناة.

(و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين و نمكن لهم في الأرض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون). [2] .

فعلام الخوف و القلق و الارتباك من المستقبل؟ فلن يصيبهم أذي أو تعب في سبيل الله، و لن تقسو عليهم الابتلاءات، الا كتب الله تعالي لهم بكل ذلك عملا صالحا و أجرا.

(... ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل الله و لا يطئون موطئا يغيظ الكفار و لا ينالون من عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح...). [3] .

فعلام الحزن مما يصيبهم من ابتلاءات و محن و آلام و مما يعانون في سبيل الله؟

اذن: (لا خوف و لا حزن) في هذه المسيرة، و ليس علي العاملين في هذه المسيرة الكادحة ذات الشوكة حزن أو خوف مما أصابهم أو يصيبهم من ابتلاء. تلك هي الرؤية الربانية الصافية الواثقة، بعيدة المدي للمسيرة، و ان علينا - نحن العاملين في سبيل الله علي خطي الشهداء - أن نتسلح بهذه الرؤية و نبدل رؤيتنا القلقة و المرتكبة الخائفة بالرؤية الربانية الواثقة و المطمئنة بعيدة المدي لنتمكن من حمل عب ء المسؤولية الشاقة و مواصلة السير علي طريق الأنبياء و المرسلين.



پاورقي

[1] آل عمران / 170.

[2] القصص / 6 - 5.

[3] التوبة / 120.