بازگشت

يرزقون


وهذه الكلمة تشخص نوع الحياة، انها حياة حقيقية معنوية خالصة، بل هي الحياة بكل أبعادها المادية و المعنوية، و هذه الجملة لا تبقي لأحد مجالا للشك في تشخيص هذه الحياة بعد حياة الدنيا. و من العجب أن بعض المفسرين يترددون في تفسير هذه الآية بالحياة الحقيقية، و الآية الكريمة ترسم الحياة بصورة واضحة؛ فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون في حياتهم الجديدة، و يفرحون بما آتاهم الله من فضله، و يستبشرون بالذين من خلفهم، و هل بعد كل هذه النقاط غموض في معني الحياة التي تلي هذه الحياة و التي تسبق الحياة الآخرة، ان هذه الثانية ليست هي الحياة الآخرة، فالحياة الآخرة ليست موضع انكار أحد من المؤمنين، و الآية حيث تنهي عن حسبان الشهداء من الأموات فانها تكاد تكون صريحة في أن المقصود من هذه الحياة: حياة اخري غير حياة الآخرة؛ فان أحدا من المؤمنين لا يشك في حياة الآخرة للشهيد و لغير الشهيد، فلابد أن يكون المقصود حياة اخري بين حياة الدنيا و حياة الآخرة، و هي التي يجهلها الكثير من المؤمنين، ينتقل اليها الشهيد من الحياة الدنيا مباشرة، و يعيش فيها بجوار ربه تبارك و تعالي، و الناس ينظرون الي الشهيد جثة هامدة فيتصورون أنه ميت، و ليس هو بميت، و انما ينعم في جوار ربه بما أعد الله للصالحين من عباده من فضل و رحمة في الجنة، حتي ينتقل في الآخرة الي حيث يختار الله تعالي له من مراتب رحمته و فضله في جنة عرضها السماوات و الأرض.

و في أحاديث رسول الله صلي الله عليه وآله و أهل بيته شواهد كثيرة علي هذه الحياة


البرزخية التي يحياها الشهداء و الصالحون من عباد الله في الجنة، و ينعمون فيها برحمة الله قبل الحشر و الحياة الآخرة، ففي الحديث عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله فيما جري للمسلمين في حرب مؤتة بعد استشهاد زيد ابن حارثة و جعفر بن أبي طالب، و عبدالله بن رواحة الأنصاري رحمهم الله الذين عينهم النبي صلي الله عليه وآله قادة للجيش علي التوالي، ان استشهد منهم أحد، تولي الآخر محله، يقول جابر رحمه الله:

«فلما كان اليوم الذي وقع فيه حربهم صلي النبي صلي الله عليه وآله بنا الفجر ثم صعد المنبر فقال: قد التقي اخوانكم مع المشركين للمحاربة فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم علي بعض، الي أن قال: قتل زيد بن حارثة و سقطت الراية، ثم قال: قد أخذها جعفر بن أبي طالب و تقدم للحرب، ثم قال: قد قطعت يده، و قد أخذ الراية بيده الاخري، ثم قال: قطعت يده الاخري، و قد أخذ الرأية في صدره، ثم قال: قتل جعفر بن أبي طالب و سقطت الراية، ثم أخذها عبدالله بن رواحة، و قد قتل من المشركين كذا، و قتل من المسلمين كذا، فلان و فلان الي أن ذكر جميع من قتل من المسلمين بأسمائهم، ثم قال: قتل عبدالله بن رواحة، و أخذ الرأية خالد بن الوليد فانصرف المسلمون، ثم نزل عن المنبر و صار الي دار جعفر، فدعا عبدالله بن جعفر فأقعده في حجره و جعل يمسح علي رأسه، فقالت والدته أسماء بنت عميس: يا رسول الله انك لتمسح علي رأسه كأنه يتيم قال: قد أستشهد جعفر في هذا اليوم، و دمعت عينا رسول الله صلي الله عليه وآله و قال: قطعت يداه قبل أن يستشهد و قد أبدله الله بجناحين من زمرد أخضر، فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء». [1] .



پاورقي

[1] بحارالأنوار 54 / 21 نقلا عن الخرائج 188.